توحدت الشعوب وتفرقت الأنظمة

صحيفة القدس العربي اللندنية
توعدت السيدة تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية بتغيير الأوضاع بشكل جذري في قطاع غزة، بينما قال حاييم رامون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن العدوان الذي تشنه قواته حالياً يهدف إلى القضاء على حركة “حماس”، ولكن ما يمكن استنتاجه وبعد أربعة أيام من المجازر، أن التغيير الذي سيتم ليس في القطاع وإنما في المنطقة العربية بأسرها، وهو في غير صالح “إسرائيل” وحلفائها العرب على وجه التحديد، أما حركة “حماس” فستخرج من بين أنقاض القصف أكثر قوة وصلابة.
المنطقة العربية تغلي، والصحوة امتدت من موريتانيا حتى الخليج العربي، فقد وحّد صمود غزة كل العرب والمسلمين، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا بعض المنخرطين في المشروعين الأمريكي والإسرائيلي، بشكل مباشر أو غير مباشر، تحت مسميات الواقعية والعقلانية.
شهداء غزة حققوا أكثر من مفاجأة بدمائهم الزكية الطاهرة، أبرزها إزالة بعض الخلافات والرواسب بين بعض الشعوب العربية، وانجاز مصالحات تأخرت كثيراً بسبب عمليات التحريض المقصودة لبذر بذور التفرقة، وتعميق الانقسامات.
فها هي القوى الشريفة تنتفض في الكويت تضامنا مع الأشقاء في القطاع، وها هم النواب الكويتيون يرفعون أصواتهم بشكل عال صاخب، في إدانة هذا العدوان، والدعم الأمريكي له، والصمت العالمي عليه. وها هم أهل العراق ينزلون إلى الشوارع في مظاهرات عارمة مؤكدين على وحدة الدم والعقيدة، والمساندة المطلقة للصامدين في قطاع الكرامة، متحدّين كل فيالق الحقد الطائفي في المشروع الأمريكي الدموي.
الجماهير العربية نسيت همومها الداخلية، ومعاناتها اليومية الصعبة في ظل أنظمة فاسدة حرمتها من أبسط حقوقها الإنسانية في العيش الكريم، ونزلت إلى الشوارع معبرة عن غضبها واستعدادها للتضحية بلقمة خبز أطفالها لنصرة المحاصرين في قطاع غزة.
هذا هو التغيير الذي لم تخطط له السيدة ليفني، ولم يحسب حسابه حلفاؤها من الزعماء العرب الذين انشغلوا طوال الأعوام الأخيرة في استجداء السلام وعرض مبادرات الهوان، ومن المؤكد أن أهل قطاع غزة الذين أطلقوا الشرارة الأهم في حركة التغيير هذه سيكونون الأكثر استفادة منها، جنباً إلى جنب مع كل الشعوب العربية.
فحالة الفرز باتت واضحة للعيان بين شعوب متعطشة لاستعادة كرامتها وعزتها، وأنظمة أدمنت العجز والإذلال، والركوع عند أقدام أمريكا و”إسرائيل”. وهو فرز مرشح للاتساع والترسخ، وسيقود إلى قلب كل المعادلات القديمة المتكلسة في المنطقة.
“إسرائيل” لن تستطيع اقتلاع “حماس” من قطاع غزة، لأنها ليست موجودة فيه فقط، وإنما في كل أنحاء الوطن العربي، لأنها امتداد لمنظومة إسلامية عميقة الجذور، وهذا خطأ استراتيجي يكشف عن مدى جهل السياسيين والاستراتيجيين الإسرائيليين بالحقائق على الأرض، وما تعيشه المنطقة من مخاض خطير يبشّر بمرحلة جديدة مختلفة.
الغارات الجوية الأمريكية على العراق لم تسقط النظام العراقي، وكذلك الحصار الذي امتد لأكثر من ثلاثة عشر عاماً. والغارات الجوية وحدها لم تدفع المقاومة اللبنانية لرفع الرايات البيضاء. قد تنجح هذه الغارات في قتل المئات من الأطفال والأبرياء ورجال الشرطة في مقراتهم، ولكنها لن تنجح في تغيير الوقائع على الأرض في القطاع مثلما بشرت ليفني المذعورين من أبناء شعبها.
ليس أمام ليفني وأولمرت غير إرسال الدبابات إلى القطاع، وهنا سيكون الاختبار الحقيقي لصراع الإرادات، بين جزار متغطرس، متعطش للدماء، ومجاهدين يدافعون عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم الوطنية.
لا نجادل في أنها حرب من اتجاه واحد، قوة إقليمية عظمى ركعت أمامها أنظمة وجيوش وجنرالات، ومجموعة من المؤمنين، ولكن متى كانت الحروب متكافئة بين الغزاة وضحاياهم، بين المستعمِر والمستعمَر؟ ألم يخسر الجزائريون مليون شهيد، فلماذا لم يستمعوا إلى أصوات “العقلانيين” ويكفوا عن المقاومة؟ ألم يخسر العراقيون مليوناً ونصف المليون، فلماذا لم يلقوا السلاح ويرقصوا في الشوارع استقبالاً لتوني بلير أو جورج بوش؟
القيادة العسكرية الإسرائيلية تتردد في إرسال دباباتها إلى القطاع لأنها تدرك أن هناك من ينتظرها بحرارة وشغف، ليسجل أسطورة مقاومة جديدة تضاف إلى أساطير أخرى خالدة في جنين والنبطية وبنت جبيل وغيرها.
الدبابات الإسرائيلية احتاجت إلى عشرة أيام لاقتحام مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع، ترى كم يوماً، بل كم أسبوعاً ستحتاج لاحتلال مدينة غزة، ومخيمات جباليا والبريج والمغازي ودير البلح وخان يونس ورفح؟
المواقف الرسمية العربية المخجلة تتناسل الواحد تلو الآخر، فها هو السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري يخرج مجدداً عن كل الأعراف الدبلوماسية والسلوكية و”يردح” للسيد حسن نصر الله الذي قاد هذه الأمة إلى واحد من أعظم الانتصارات في تاريخها، لأنه طالب، أي السيد نصر الله، الجيش المصري العظيم بالضغط على قيادته السياسية لفتح معبر رفح، ويقول بكل وقاحة “إن الجيش المصري تأسس من أجل محاربة أمثالك”. ويطالب “إسرائيل” بفتح كل المعابر إلى القطاع، بينما يصر على إبقاء معبر رفح مغلقاً.
إغلاق الحكومة المصرية لمعبر رفح أمام المدنيين هو انتهاك فاضح لكل المعاهدات الدولية التي تشترط، بل وتحتم فتح جميع المنافذ الحدودية أمام الفارين بأرواحهم من أتون الحروب. هكذا فعلت سورية بالنسبة للاجئين العراقيين، وهكذا فعل الأردن.
نريد تذكير السيد أبو الغيط بأن السودان البلد الفقير المعدم استقبل أكثر من أربعة ملايين لاجئ من دول الجوار الإفريقي، وخاصة اريتريا، بينما وصل عدد اللاجئين الصوماليين إلى اليمن لأكثر من مليون إنسان. لم نسمع مطلقاً أن هذين البلدين أعادا لاجئاً أو أغلقا الحدود أمام مستجير ركب البحر بحثاً عن الأمان ولقمة الخبز.
فأي قيم هذه التي يؤمن بها السيد أبو الغيط ورئيسه عندما يتبجحان بإغلاق الحدود أمام أبناء قطاع غزة، ويهددان بإطلاق النار، بل تطلق قواتهما النار على كل من يقترب من المعبر بحثاً عن لقمة خبز أو علبة حليب لأطفاله، هذه ليست قيم الشعب المصري وأخلاقه وتاريخه الحافل بالتضحيات. هؤلاء ليسوا من مصر، وحتى وإن كانوا فهم غرباء عليها.
المعونات الإنسانية المرسلة من أبناء مصر وقطر تنتظر في مطار العريش، فلماذا لا يسمح لها بالوصول إلى قطاع غزة؟ والطائرات الليبية المحملة بالأدوية والأغذية لماذا لا تحصل على تصريح الحكومة المصرية بالهبوط في مطار العريش؟ ولماذا لم نر إلا جريحاً واحداً يعبر المعبر إلى مصر بعد ثلاثة أيام من القصف الوحشي الإسرائيلي؟.. الحكومة المصرية تطبق المثل العربي الذي يقول “لا يرحم.. ولا يريد رحمة الله تنزل على المحتاجين”.
هذه المواقف المعيبة هي التي تفسر عدم التجاوب مع نداءات عقد قمة عربية طارئة، لأن من يعارضونها يرضخون للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، وهم سعداء بعجزهم المصطنع، ومطمئنون إلى أن هبة الشعوب التي نراها الآن هي مجرد فقاعة وتنفجر بعد أيام معدودة مثلما حدث في الماضي. ولكن كل المؤشرات تؤكد أنهم مخطئون، لأن العدوان الإسرائيلي سيستمر، والغضب الشعبي سيستمر أيضاً، وسيصل إلى ذروته إذا ما صمد أبناء القطاع بضعة أيام، ودمروا بعض الدبابات الإسرائيلية وأوقعوا خسائر في صفوف القوات الغازية.
قد يأتي الخير من باطن الشر.. وهذه المظاهرات التي تتفجر في مختلف أنحاء الوطن العربي، لتؤكد وحدة الدم والمصير، وتحقق مصالحات على أرضية المقاومة، وتهز النظام العربي البائس وتسقط أوراق التوت التي تستر عوراته، هي التجسيد الحي لهذا الخير.
ليفني أسدت لهذه الأمة خدمة كبرى عندما أسقطت حل الدولتين، ودفنت عملية سلمية مغشوشة، وبينت للعالم كم تشكل “إسرائيل” خطراً عليه وعلى أمنه واستقراره ورفاه مواطنيه، بإذكائها نار العنف والإرهاب، وتكريس الكراهية للغرب وأمريكا حماتها الدائمين.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

استشهاد مقاوم باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاوم بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين كاكوب...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...