المتواطئون على غزة.. المعركة لم تبدأ!

صحيفة العرب القطرية
مع تتالي التصريحات المتعاضدة من العدو الصهيوني وسلطة عباس بعد أن تجرّع العالم الجرعة الأولى من مشاهد الجريمة والمحرقة في غزة صبيحة السبت السابع والعشرين من ديسمبر، أخذت هذه التغطية الإعلامية بعدها المعروف في برنامج تصفية غزة المتخذ قراره دولياً وصهيونياً بغطاء عربي رسمي، ليس منذ تنفيذ حماس لحركة التصحيح في غزة في يونيو 2007، ولكن منذ انتصارها في الانتخابات وشعور هذا التحالف الثلاثي بأن مشروعاً تحررياً حقيقياً بدأ يعود في فلسطين المحتلة.
ولذا فقد عاد الربط الطبيعي لسياق معرفة الأحداث يتجسد على الأرض في مسؤولية النظام الرسمي العربي عن الاجتياح الذي يبدأ الآن بالقصف واستشهاد المئات من أبناء الشعب في غزة، فقد كان البرنامج العربي الرسمي المكثف يتصاعد لحصار غزّة وإسقاط عودة خيار المقاومة وما تصاحب معه من تضامن الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي لتحديد هوية المعركة الحقيقية، وهي قضية اعتقد النظام الرسمي العربي أنه بدأ يتخلص منها نهائياً مع إطباق فريق أوسلو على الوضع في رام الله وغزة، ولذا فقد كان التسلسل في الأحداث واللقاءات العربية الأميركية الإسرائيلية يركز على إعادة الأمور إلى المنهجية الأولى في استراتيجية تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي مواجهة هذا التفوق في الحضور لحركة حماس.
وكما قلنا، فقد كان ذلك حتى قبل أن تسيطر حماس على غزة، لأن مشروع المقاومة المتمردة على صفقات التطبيع كانت حماس طليعتها منذ اتفاق أوسلو ولم يستطع الفريق الأمني المتمثل بمحمود عباس وطاقمه أن يوقف هذا التطور والصعود في شعبية حماس وقدراتها.
لذا كان الحل بهذا الهجوم البشع بطلب من السلطة وغطاء عربي، وهو في الأصل بلا شك مشروع صهيوني أميركي. ولقد كان إعلان ليفني عن بدء انطلاقة هذه الحرب القذرة قبل العدوان بساعات وفي مؤتمرها الصحافي في القاهرة مُجسداً لهذه الحقيقة وهي حجم التنسيق العربي مع هجوم المحرقة.
ولقد تبرمج الإعلام العربي الرسمي والأهلي الخاضع لاستراتيجية الأمن الإسرائيلي المُطلق مباشرة بعد العدوان للعمل على قلب الحقيقة وتحديد الضحية سبباً للعدوان لتحقيق الهزيمة النفسية مع قوة مشهد الضحايا وأشلائهم شهداء وجرحى، فمن هم شركاء الجريمة؟ وهل ربح الصهاينة وفريقهم المعركة مع الإقرار بقوة جريمتهم وفداحة عنصريتهم وحملات الفداء التي قدمها أبناء شعبنا في غزّة؟
وحينما أكتفي بما ذكرته سابقاً من درجة التدمير الوحشي اللاإنساني للكيان الصهيوني في محرقة غزّة فليس ذلك اكتفاءً بالقدر الذي يستحقه الشهداء، كلا.. بل وليس مقابلاً مستحقاً لأحدهم في مواقع الرباط في غزّة، لكنني أدرك كمحلل سياسي منتمٍ للأمة أنّ مسار العدوان على غزّة والحرب التي بدأت تتدحرج بالفعل إلى سيطرة جوية وتحضير لزحف بري من شمال غزة لا يجب أن يقف التعاطي معها عند مشهد أشلاء الضحايا الذين مُزقوا، وكما أشرنا، من خلال تنسيق عربي قوي وواسع وقرار مسبق بالتخطيط للعدوان، وهو ما أعلنته الصحافة الصهيونية نقلاً عن مصادر وزارة الحرب الصهيونية بأن قرار الهجوم الجوي والتحضير البري بدأ منذ أكثر من ستة أشهر وتزامن مع عقد اتفاق التهدئة.
وهذه المنهجية ليست طارئة في سجل العدوان الإسرائيلي على فلسطين كأرض أو كحركات مقاومة، بل هو منهج كرر في بيروت وجنوب لبنان منذ السبعينيات، والضفة الغربية التي سجلت قضية اجتياح جنين المعروفة، لكن الحالة العربية لبعض الأطراف المتضامنة مع العدوان والتي تأكدت من خلال المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية المصري أبو الغيط مع محمود عباس ومواصلة الهجوم على حماس وتحميلها المسؤولية تؤكد الدور المركزي لخطة الاجتياح الجديدة وحراك النظام المصري مع فريق أوسلو تنسيقاً مشتركاً وينطلق لأطراف عربية أخرى بأن التدحرج الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية هناك مساحة مهمة من دفعة موكلة للعرب لينتهي المشهد المؤمل لديهم بتصفية المشروع التحرري للقضية الفلسطينية وذلك من خلال تصفية غزة.
ولذا فإن من المهم بمكان ألا نقف في تغطيتنا عند صور الجريمة البشعة المستمرة لاستهداف الشعب المحاصر إنساناً ومكاناً برغم قوة بشاعة العدوان وعظيم قدر الضحايا عندنا لأن الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية للحرب والتي تنفذّها قنوات عربية بقيادة مركزية من إحداها في الخليج تتحرك بقوة لخدمة الهدف الإسرائيلي المركزي للعدوان وهو شل القوة المقاومة وقرارها السياسي والميداني وقلب الحقيقة من خلال التركيز على دماء الأشلاء بتغطية معكوسة وتبرئة المجرم وإدانة الضحية.
المقاومة وأصل القضية
هنا أعود لما ذكرته في مقالات أخرى وما يسعى الإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية لبثه من خلال الترويج للغة الاضطراب والتشكيك حوله: هل ما جرى تاريخياً ويجري في غزّة من اشتعال مقاومة مقابل جيش واستيطان تاريخي أعلن إلغاء الهوية ومصادرة الأرض وقتل الشعب وتهجيره واستباحة المحرمات الإنسانية هو أمرٌ ليس مشروعاً أم أنه واجب فطري، وهو ديدن الأمم التي تعرضت للاحتلال وليس خياراً عابراً ممكن أن يتبناه الشعب أو يتركه؟
وبرغم أن هذا الموقف المعروف سلفاً في التاريخ الإنساني محسوم في ذاكرة الشعوب ومدون بفخر إلا أنه يُلغى في الإعلام المساند للعدو الصهيوني، بل ويلغي ما تعيشه فلسطين من رابط تاريخي عقائدي مركزي للأمة ولهويتها.
وأمام هذا التضليل يعاد ويزاد مرة أخرى في قضية التوازن مع الطرف المتعدي، وهي قضية أيضاً محسومة في سجل التاريخ بأنه لم تكن هناك حركة مقاومة تتمتع بقدرة عسكرية وميدانية مماثلة للخصم ومع ذلك تستمر بالمقاومة حتى يتقهقر العدو وتُحقق نصرها.
ومع أن حماس بقدرة محدودة، لكن ثبت كحقيقة علمية أن خيار المقاومة حقق نصراً متعدداً في تاريخ الكفاح الفلسطيني أعاد الهوية وغيّر المعادلة ورفع السقف وقلب الطاولة على تاريخ مدريد واتفاقية أوسلو، لكن العدوان عليها الآن أصبح عربياً رسمياً كطلب مُلح لأن أطرافاً من هذا النظام في الأصل لا تريد أن تخسر “إسرائيل” ولذا شجعت على إنهاء وضع غزة كقاعدة تأسيس لبرنامج المقاومة الشامل وهو خيار أممي وليس خيار حماس.
ومع كل ذلك سعت حماس لتأمين حالة حماية والتخفيف على أبناء الشعب، ولكن من لم يكن يريد هذه الهدنة التي تقوم على احترام حد أدنى لشخصية الشعب ولا تعترف بثقافة الهزيمة التي يمارسها فريق عباس وهو هنا الوسيط المصري والتحريض من رام الله هو من كان يسعى لهدم أي توافق وطني يقوم على الثوابت ولذا كان يرفض الحوار إلا بشروط الاستسلام وفي نفس الطرف الآخر كان عمر سليمان يتردد على حماس بنسخ من اتفاقيات يعدها مع تل أبيب تحمل تنازلات كبرى من حماس دون أي مقابل حتى مجرد ضمان فتح الحدود مصرياً، بل إنه أسقط تطوعاً ورقة شاليط من هذه المفاوضات التي كانت حماس من خلالها تسعى لإطلاق أكبر عدد من الأسرى وانتهى الأمر بتحريض عمر سليمان على حماس قبل أيام قليلة من العدوان.
بعد أن يبدأ الرد!
على كل حال، ما يجري حالياً هو عملية عدوان متواصل وإسناد سياسي وإعلامي عربي رسمي من شركاء العدوان، ولذا فهم يسعون أن تنهار غزة مع تكرار الصور الموجهة واضطراب الإدارة والإرادة هناك، وهو سعي حثيث يسابق الزمن لديهم كي لا تشكل صور العدوان حافزاً مضطرباً في الشارع العربي الذي قد يحرك الساحة القطرية والقومية إن تُرجمت تحركاته بأهداف محددة مفصلية من الضغط وليس مجرد الخطاب، وبالتالي يصعب على الطرف العربي الشريك البقاء في مساندة العدوان على الأرض وإن أعلن استنكاره له وأقسم على المصحف.
لكن تجربة الأمة والشعب والميدان الأعنف الذي تواجهه حركة مقاومة في التاريخ الحديث وهي حماس لا تبشر بخير للمشروع الصهيوني – العربي الرسمي، وهنا يبرز ما عودت عليه كتائب القسام شعبها باستمهال الرد حتى يُثخن حين الضرب في العدو، وهو لم يبدأ لأسباب مفهومة وحينها حينما تبدأ حرب الغارات المفاجئة في داخل فلسطين متصاحبة مع مواجهة الزحف في غزّة سوف تتغير المعادلة، وهي معادلة يفزع منها العدو رغم جبروته وانتشائه بمئات الشهداء مساء السبت الدامي لكن قدرته المضطربة رغم عتاده الضخم على مواجهة سلسلة الرد وبالذات بعد تطوير قدرات القسام القتالية ستعيد حسابات الحلف الإسرائيلي وشركائه وعندها يُعرف من خسِر المعركة.
أُدرك أنني أكتب والضحايا يرتفعون للملأ الأعلى أشلاءً وأجساداً، ونعم قد يستغرب البعض من هذه الصورة لاحتمالات تغيير ميزان الحرب بعد استيعاب الضربات الأولى، لكنها بلا تردد ستسفر عن الفجر برغم الضحايا والدماء.. إنّ موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

اتحاد نقابات عمال النرويج يقرر فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام قرر الاتحاد العام لنقابات عمال النرويج (LO) فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال الإسرائيلي، وحظر التجارة والاستثمار مع...