الخميس 08/مايو/2025

محرقة غزة: مطلوب إقالة أبو الغيط مع دبلوماسية السجان والحانوتي

محرقة غزة: مطلوب إقالة أبو الغيط مع دبلوماسية السجان والحانوتي

صحيفة القدس العربي اللندنية

بينما تتسكع الطائرات الإسرائيلية في السماء كالساقطات، بعد أن أسقطت أربعين طناً من المتفجرات يوم السبت فقط، وبينما يتحدث مجرمو الحرب الصهاينة عن “تفادي قتل المدنيين” في القطاع الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، حيث يعيش ستة أفراد على كل متر مربع واحد. وبينما يتصاعد عدد الشهداء كل دقيقة، يلح السؤال حول إن كان هناك رد عربي ممكن على هذه الصفعة الإسرائيلية.

وبعيداً عن الغضب الطبيعي المشروع، والاتهامات والتحليلات المنبثقة عن فورات عاطفية وليس عن حقائق على الأرض، فإن هذا الرد يجب أن يرتفع لمستوى التهديد والإهانة بل والخطر الذي يمثله العدوان الإسرائيلي، وهو رد لا يمكن أن يصدر عن بلد واحد، بل يتطلب الحد الأدنى من الإرادة الجماعية والضغط الشعبي الفاعل، وقبل ذلك فهماً دقيقاً للواقع العربي والمصري خاصة، وهنا تكمن الكارثة.

وتختلط ملامح العجز مع التواطؤ والفشل في خارطة الموقف العربي في هذا المنحنى الحاسم، وهذه بعضها:

– أسقط العدوان الإسرائيلي الهواجس العربية حول الوضع في غزة، وعرى مواقف بعض الأنظمة أمام شعوبها والعالم، والأهم أنه أكسب حماس شرعية شعبية تفتقر إليها الأنظمة العربية مجتمعة. وهو رصيد يجب على الحركة أن تحسن استخدامه في الأيام والأسابيع المقبلة.

ـ إن النظام المصري (وليس مصر) الذي طالما قام بدور السجان لأهل غزة منذ حزيران/يونيو 2007 لا يليق به اليوم أن يكتفي بدور “الحانوتي” أو مغسل الأموات بفتحه المعبر أمام الإصابات الحرجة فقط. بل إن إعلاناً بفتح المعبر رسمياً هو الحد الأدنى الضروري لرد صفعة ليفني التي خدعته يبدو شريكاً أصيلاً في العدوان إن كان يريد أن يدافع عن كرامته.

مطلوب أن تسارع مصر بفتح المعبر بشكل قانوني بدلاً من أن تترك للعدوان الإسرائيلي هذا الشرف بعد انهيار جزء من الحدود بفعل الغارات، وعبور مئات الفلسطينيين لها بالفعل. وإنه لمن العار أن تفتح القوات المصرية النار على الفلسطينيين الذين يحاولون العبور هرباً من الموت جوعاً أو قصفاً، كما أنه مؤسف أن يقتل مصري وفلسطيني كما حدث بالأمس.

لقد قام هذا النظام المصري نفسه بسحب السفير من تل أبيب احتجاجاً على غارات إسرائيلية مشابهة قامت بها حكومة باراك ضد قطاع غزة في العام ألفين باعتبار أنها كانت تمثل تهديداً للأمن القومي، فما الذي تغير اليوم باستثناء أن المحرقة أكثر دموية هذه المرة بل وشملت سلسلة غارات مباشرة على الحدود المصرية بدعوى تدمير الأنفاق.

فما الذي ينتظره هذا النظام ليرد على هذا العدوان على حدود مصر؟ أم أنه فقد القدرة على الدفاع عن السيادة الوطنية بعد أن أثبتت التطورات الأخيرة أنه فقد تأثيره الإقليمي حتى في الملف الفلسطيني؟

أين معاهدة كامب ديفيد التي تمنع آلة الحرب الإسرائيلية من الاقتراب لثلاثة كيلومترات من الحدود المصرية؟ وأين التصريحات العنترية للوزير أبو الغيط حول “كسر رجل” من يخترق الحدود. بل كيف أنه لم ينطق كلمة واحدة حول القصف الإسرائيلي للحدود نفسها؟ أم أنه أسد على الفلسطينيين، وعلى الإسرائيليين نعامة؟

لقد عبر أبو الغيط بأسوأ شكل ممكن عن موقف الحكومة الذي هو سيئ بما يكفي، فكانت النتيجة كارثية حقاً. بل إنه في تحميله حماس مسؤولية انهيار التهدئة أظهر عدم درايته بالموقف الحقيقي لحكومته، والذي عبر عنه مراراً اللواء عمر سليمان في اجتماعاته مع قادة حماس حيث كان يشيد دائماً بالتزامهم بالتهدئة، ويندد بالخروقات الإسرائيلية لها.

لقد حان الوقت لإقالة هذا أبو الغيط الذي أساء للدبلوماسية المصرية كما لم يفعل أحد من قبل؟ ويكفي، مع افتراض حسن النية، أنه بلع الطعم الذي ألقته إليه السيدة ليفني عندما تظاهرت بعدم شن هجوم وشيك ضد غزة. ما جعل البعض يتهم مصر بالتواطؤ في شن العدوان. ناهيك عن تاريخ طويل من السقطات الدبلوماسية والإعلامية المحرجة للنظام نفسه.

أما المذنب الأول في هذا العدوان فهم الجالسون في رام الله ويدعون أنفسهم “سلطة وطنية” وهم لا هذا ولا ذاك، والذين لم يبذلوا جهداً كبيراً لإخفاء شعورهم بالشماتة كما بدا في تصريحات ياسر عبد ربه على قناة “العربية” بعد ساعات قليلة من بدء الهجوم، إذ قالوا “لقد حذرناهم ولم يصغوا إلينا”. أي عار!

وأين يختبئ الرئيس الفلسطيني بينما تمطر السماء قنابل على شعبه؟ وكيف أصبح مثل هؤلاء أصلاً زعماء لهكذا شعب بطل وأبي في غفلة من الزمن والتاريخ؟

وأخيراً هل يمكن أن تكون الاتصالات الهاتفية مع بوش وبراون كل ما يستطيع أن يفعله العاهل السعودي الذي يوزع مئات المليارات على صندوق النقد وأمريكا وبريطانيا لمساعدتها على مواجهة الأزمة المالية العالمية بينما يضطر أهل العزة في غزة لتناول علف الماشية بسبب نقص الخبز. وهل اتضحت الآن الأهداف الحقيقية لما يسمى “حوار الأديان”؟

ماذا ستفعل هذه الإدارة الكسيحة في واشنطن أو الحكومة المؤقتة في “إسرائيل” إذا انحاز النظام العربي لمصلحته قبل أي شيء آخر بإنهاء الحصار؟

المطلوب ليس إعلان حرب بل اتخاذ قرار سياسي بإنهاء الحصار وإقامة جسر إغاثة إنساني على مدار الساعة، وهذا لا يحتاج عقد قمة عربية قد تتعثر في العلاقات المعقدة بين “الإخوة الأعداء”، أو تتحول إلى “غرفة دردشة” مثيرة للملل والسخرية.

أما أن تقف الشعوب وقفة رجل واحد اليوم اليوم وليس غداً أو فلتنتظروا الطائرات الإسرائيلية نفسها فوق سيناء والقاهرة والرياض والحرمين الشريفين “اللذين يصرخان اليوم بلا مجيب” وكل عاصمة عربية أخرى. إنها نقطة فاصلة للأمة بأكملها. فأما أن تفيق من هذا الكابوس أو أنها تستحق هذه الصفعة الإسرائيلية وأكثر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات