مجزرة بحق حماس أم بحق الشعب الفلسطيني كله؟!

صحيفة الشرق القطرية
يحاول الكيان الصهيوني ومعه الإدارة الأمريكية وفريق السلطة برام الله ودول إقليمية تصوير المجزرة التي بدأها جيش الاحتلال يوم السبت الماضي التي خلفت مئات الشهداء والجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني، بأنها تستهدف حركة حماس وحدها كفصيل أو تنظيم فلسطيني معزول عن شعبه، أو أنها على الأقل عقاب لأهالي غزة لقبولهم بسياسات الحركة وحكمها لهم، وعدم تخليهم عنها.
والدليل على ذلك من الأمثلة التالية:
ـ بعد بدء المجزرة الصهيونية البشعة نقلت الأنباء الواردة من الولايات المتحدة أن واشنطن حثت “إسرائيل” على تفادي المدنيين أثناء استهدافها لحركة حماس (في محاولة فصل مفتعلة بين الحركة والشعب الفلسطيني).
ـ النداء الذي وجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي “إيهود أولمرت” إلى سكان قطاع غزة، الذي وصفه بالنداء الأخير قبل بدء العمليات في قطاع غزة، مطالباً فيه أهالي غزة بالتصدي لحركة حماس ووقف عمليات قصف المدن والبلدات الإسرائيلية بالصواريخ، على حد تعبيره، وقد جاء فيه: “أناشدكم في اللحظة الأخيرة أوقفوا ذلك، وأنتم قادرون على إيقاف حماس”، مضيفاً: “أنتم بحاجة إلى الهدوء وإرسال أبنائكم إلى المدارس، كما نحن بحاجة إليه، وحماس عدو لإسرائيل كما هي عدو لكم أيضاً”!.
ـ الهجوم العنيف الذي شنه نمر حمّاد، المستشار السياسي لرئيس السلطة محمود عباس، على حركة “حماس”، فيما لا تزال المجازر الصهيونية قائمة ـ آنذاك ـ، معتبراً أن المسؤول عن المجازر هو حركة “حماس” وليس الكيان الصهيوني، لأن (الاحتلال) يرد على إطلاق الصواريخ الفلسطينية، على حد زعمه، وقال حماد في تصريحاته لقناة الجزيرة: يجب (على قادة حماس) الذين زاودوا والذين لم يدركوا أن ما يقومون به أعمال طائشة (في إشارة إلى إطلاق الصواريخ للرد على العدوان)، يدفع المواطن الفلسطيني من حياته، وقف ما يقومون به”. واعتبر أن الشعب الفلسطيني في غزة “يدفع ثمن جهل وعدوان من قبل قيادة حركة حماس”، وقال: “حركة حماس شركاء في الجريمة في كل نقطة دم”.
هذه المحاولة التضليلية مكشوفة لأكثر من اعتبار.
أولاً: أن حركة حماس تمثل شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، وتحظى بتأييد أكبر نسبة فيه، وهو ما أظهرته أول انتخابات ديمقراطية نزيهة جرت في الأراضي المحتلة عام 2006، وقد حوصرت حماس وحوصر خيارها الجماهيري الذي أوصلها للبرلمان وللحكم بنفس الوقت، لأنها رفضت الانصياع للشروط الصهيو-أمريكية التي طلبت منها الاعتراف ب”إسرائيل” وبكافة اتفاقيات التسوية الهزيلة معها، وبإسقاط حقها في مقاومة المحتل، فكان أن تم فرض سياسة العقاب الجماعي على السكان المدنيين في غزة كعقاب لهم، بخلاف كافة الشرائع والقوانين الدولية وأغلقت المعابر، ومنعوا من أبسط مقومات المعيشة والحياة من غذاء ووقود ودواء، وبالتالي فلم تستهدف الحركة بل كل من اختارها على المستوى الشعبي، ووقف إلى جانبها ماضياً وحاضراً، وخصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة.
ثانياً: حالة عداء الكيان الصهيوني على مستوى قطاع غزة ـ وحتى في الضفة الغربية ـ ليست مقصورة على حركة حماس، بل تتعداها إلى كافة فصائل المقاومة الأخرى، كحركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية وغيرها التي تؤمن بحقها في الرد على عدوان جيش الاحتلال بالصواريخ وغيرها، وبالتالي فإن الاحتلال في حالة عداء مع منهج كل فصيل أو تكتل أو فرد فلسطيني يرى في المقاومة حقاً مشروعاً لاسترجاع حقوقه بما في ذلك الكفاح المسلح.
وهذا الفرز عكس نفسه على مستوى الساحة الفلسطينية بين تيارين: تيار يمثله فريق السلطة برام الله التي تبنت خيار التسوية منذ “أوسلو” إلى “دايتون” و”أنابوليس” وحاربت خيار المقاومة وجرّمت سلاحها واعتقلت مجاهديها، وبين تيار آخر على النقيض من ذلك وهو اليوم المحارب والمطارد من السلطة ومن الاحتلال بآن معاً.
ثالثاً: حماس قبلت أن تعطي هي والفصائل الفلسطينية الأخرى هدنة لتهدئة الأوضاع مقابل قيام الكيان الصهيوني بفتح المعابر ووقف العدوان، وكانت منضبطة بذلك، لكن العدو الصهيوني هو من نكث كالعادة بوعوده، فلم يقم بفتح المعابر مكرساً المأساة الإنسانية ضد سكان غزة، وهو أول من بدأ بالعدوان بعد هدوء دام نحو أربعة أشهر.
إن محاولة الاحتلال الأخيرة إظهار مجزرته وكأنها ضد حماس لوحدها، جاءت بعد أن فشلت كل جهوده السابقة لإسقاطها من خلال الحصار الظالم على قطاع غزة، على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي، ومراهنته على انقلاب السكان على حكومة الحركة بسبب ضنك الحياة، ونقص أبسط مقومات المعيشة، وتحميلها مسؤولية ذلك، وهو ما لا يحصل حيث كانت بوصلة السكان متجهة إلى المجرم الحقيقي وهو الدولة العبرية ومن يساند سياساتها، فما كان من “إسرائيل” إلى أن اتجهت إلى الخيار العسكري الذي لم يتبق أمامها سواه، وأرادت أن تُلبس فعلها الإجرامي ومجازرها الحالية بحق الفلسطينيين لباس الشفقة عليهم، وتزيّنه برفع المعاناة عنهم في غزة، وكأنها تريد أن تقول لهم إن صمتكم عن هذه المجازر وتمردكم على “حماس” كفيل بأن يعيد لكم الهدوء والسكينة والطمأنينة، والسلام لأرضكم من جديد.
وفي حين تشير التجربة الماضية والراهنة إلى أن كل أفاعيل الكيان الصهيوني فشلت وستفشل على المستوى الجماهيري فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، بل وبخلاف ذلك زادت وستزيد من الالتفاف على حركة حماس ومنهج المقاومة الذي تتبناه، فإن مما يؤسف له أن مراهنات الاحتلال بدت مسنودة بأماني ورغبات فريق السلطة برام الله الذي ما يزال يعبر عن رغبته في إسقاط حكم حماس، والسعي لاعتبار غزة إقليماً متمرداً، وبتواطؤ أو بصمت عربي حيث تم العدوان بعد أن حظي بموافقة أطراف عربية على ما يبدو، وذلك بعد يومين على تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية التي أطلقت من أكبر عاصمة عربية، بتغيير الوضع في غزة وإنهاء حكم حماس.
وللمراهنين على إنهاء “حماس” ـ ومثلها حركات المقاومة الأخرى ـ أن يتذكروا أن الدراسات الاستراتيجية الصهيونية تتحدث عن استحالة ذلك ليس بسبب شعبية الحركة الكبيرة فحسب، بل لأنها مدرسة فكرية وعقدية تعبر عن وجدان الأمة الرافض للاحتلال والتواق لاستعادة حقها في أرضها ومقدساتها ونيل حريتها وكرامتها.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...