غزة تفضح عرب التواطؤ

صحيفة القدس العربي اللندنية
ستواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية ـ الأمريكية الصنع تقطيع أوصال أبناء قطاع غزة بصواريخها الفتّاكة، وربما تقتحم الدبابات الحدود في محاولة لانجاز ما عجزت عنه الطائرات من الجو، ولكن الأمر المؤكد أن ظاهرة المقاومة ستتكرس، وأن ثقافة الاستسلام ستنتكس وتلفظ ما تبقى فيها من أنفاس.
“إسرائيل” دولة إقليمية عظمى تتربع على ترسانة عسكرية حافلة بأحدث الأسلحة والمعدات، من كافة الأشكال والأنواع، وخصمها مجموعة مؤمنة مقاتلة تواجه الحصار من أقرب المقربين إليها، ناهيك عن مؤامراتهم وتواطئهم، فالمعركة لا يمكن أن تكون متكافئة، ولكن ما يطمئن المرء أن حروب العشرين عاماً الماضية التي خاضتها الدولة الأعظم على مر التاريخ أثبتت أن الحسم العسكري ليس ضمانة لتحقيق الأهداف السياسية التي جاء من أجلها.
أمريكا احتلت العراق بعد أسابيع معدودة، وأطاحت بنظام “طالبان” في أفغانستان في ساعات أو أيام، ودمرت أكثر من تسعين في المئة من البنى التحتية لتنظيم “القاعدة”، وها هي تستجدي المفاوضات مع طالبان بعد سبع سنوات من الاحتلال، وها هو حميد كرزاي، رجلها في كابول، يتوسل الصلح ويعرض مغادرة السلطة في أي لحظة يقبله خصومه.
“إسرائيل” لن تكون أفضل حالاً من حاضنتها الأمريكية، مع فارق بسيط وأساسي، وهو أنها لا تتعلم من التاريخ ودروسه، فقد فشلت في كسر شوكة منظمة التحرير الفلسطينية، واضطرت صاغرة للتفاوض معها، ومصافحة زعيمها الشهيد ياسر عرفات.
* * *
صواريخ المقاومة “العبثية”، حسب توصيف السيد محمود عباس، ربما تكون قد جرّت “إسرائيل” إلى المصيدة الأخطر في تاريخها، باستفزازها ودفعها للعدوان على قطاع غزة، فقد نجحت من خلال هذا العمل في إحياء الشارع العربي، وإحداث فرز واضح بينه وبين أنظمته، وإحراج كل حلفائها في الغرب في هذا الظرف الصعب، وهذه المرحلة الانتقالية التي يمر بها، حيث تأفل القوة الأمريكية، وتبرز قوى عظمى بديلة، وينهار النظام الرأسمالي.
القوى العسكرية العظمى تستطيع أن تهزم جيوشاً نظامية، وتطيح بأنظمة، ولكنها تقف عاجزة كلياً أمام حركات المقاومة، لسبب بسيط وهو أن استراتيجيتها، أي هذه الحركات، ليست هزيمة أعدائها، وإنما منعهم من الانتصار سياسياً، وإغراقهم في حروب استنزاف دموية، بشرية ومالية.
نأسف ونتألم للشهداء الذين سقطوا في قطاع غزة ضحية لهذا العدوان الإسرائيلي النازي، ولكن هؤلاء الأبطال الشرفاء فضحوا “إسرائيل”، مثلما فضحوا الزعماء العرب المتواطئين معها، وأظهروا للعالم مدى نازية هذه الدولة، وكيف أصبحت عبئاً أمنياً وأخلاقياً على حلفائها الغربيين خاصة.
العدوان على قطاع غزة سينتهي في يوم ما، بعد أيام أو حتى أسابيع، ولكن المتغيرات التي أحدثها في المنطقة العربية، وربما العالم بأسره، ستستمر لعقود، فالعملية السلمية سقطت، والمراهنون عليها في السلطة الفلسطينية سقطوا أيضاً، والاعتدال العربي تعرض لأكبر إحراج في تاريخه، ومرحلة خداع الشعوب العربية بالمؤتمرات والتصريحات انتهت.
* * *
الانسحاب الإسرائيلي سيتم في نهاية المطاف، ولكنه سيكون انسحاب المهزومين، والسيد محمود عباس لن يعود إلى قطاع غزة، وإن عاد فعلى ظهر دبابة إسرائيلية، وعلى جثامين الشهداء، ولذلك لن يجد من يقذفه بالزهور على طول شارع صلاح الدين، وإنما بالبيض الفاسد وربما ما هو أكثر.
صمود أهل غزة وتضحياتهم أيقظا الضمير العربي المغيب، وبثا دماء الكرامة في شرايين الأمة المتيبسة، وعرَوا من يريدون نقل “إسرائيل” من خانة الأعداء إلى خانة الأصدقاء، والتعويل عليها لتخليصهم من وهم الخطر الإيراني المزعوم.
أهل غزة لا يريدون الصدقات، لأن من يقاتل نيابة عن الأمة والعقيدة لا يمكن أن يتسول كسرة خبز أو حفنة من الحنطة، أو علبة حليب لأطفاله الجوعى، فهذه الصدقات كانت جائزة أثناء الحصار، وقبل العدوان، أما الآن فهي عار على مقدميها، وخدعة مكشوفة للتطهر من ذنوب التقاعس عن نصرة المظلومين المجاهدين.
هذه الأنظمة التي تدعي العجز وقلة الحيلة، أنظمة كاذبة، فمن يملك جيوشاً أنفق عليها مئات المليارات من الدولارات، لا يمكن أن يكون عاجزاً، ومن يملك نفطاً وأرصدة ضخمة يتوسل إليه الغرب لاستخدامها في إنقاذ اقتصاداته المنهارة لا يمكن أن يكون عاجزاً، بل هو متواطئ مع كل الإهانات وعمليات الإذلال التي تتعرض لها هذه الأمة على أيدي الإسرائيليين والأمريكيين.
حتى دول المغرب العربي، فقيرها وغنيها، تملك أوراق قوة تستطيع من خلالها تركيع أوروبا إذا أرادت. فالجزائر هي البديل الاستراتيجي للغاز الروسي، والنفط الليبي هو الأقرب إلى أوروبا والأجود نوعية.
يكفي أن توقف هذه الدول تعاونها الأمني مع الحكومات الأوروبية، أو تتوقف عن منع المهاجرين الأفارقة من الانطلاق من شواطئها باتجاه أوروبا، وأن تقول لهذه الحكومات الأوروبية، التي تعطي “إسرائيل” امتيازات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أنها لن تستمر في التعاون في هذه الملفات طالما أنها تنحاز للعدوان الإسرائيلي وتتواطأ معه.
* * *
زمن البيانات انتهى، وزمن مؤتمرات عمرو موسى التحذيرية ولى إلى غير رجعة، الوقت الراهن هو وقت العمل الجدي، وليس بيع الكلام الرخيص، فلحظة الحقيقة تنطلق الآن من الدماء الزكية الطاهرة لشهداء غزة.
“إسرائيل” تمارس الإرهاب، ولكنها في الوقت نفسه تقدم اكبر خدمة لحركات المقاومة الإسلامية، والمتشددة منها على وجه الخصوص. ولا بد أن الشيخ أسامة بن لادن وحليفه الأوثق الملا عمر يفركان أيديهما فرحاً وهما يريان كيف تكافئ “إسرائيل” حلفاءها العرب، وتتجاوب مع مبادرتهم للسلام، والأهم من ذلك كيف تكافئ شريكها الفلسطيني.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...