الأحد 11/مايو/2025

حماس 21 مشروع أُمّة بقيادة حركة (2/2)

حماس 21 مشروع أُمّة بقيادة حركة (2/2)

صحيفة الوطن القطرية

أول تعديل للبرنامج الإخواني

رغم الالتزام بالفكر المدرسي للإخوان، إلاّ أنّ مجموعة الإمام أحمد ياسين وتلاميذه نفذّت أكبر قرار نوعي في تاريخ الحركة في وقت مبكر، وذلك عندما أجري حوار شوروي عاصف عن وجهة حركة الإخوان الفلسطينية، هل إلى البقاء عند الحالة الظرفية لطريقة الأُسر والدروس التربوية التي دأبت على ممارستها التنظيمات الإخوانية أخذاً بفكرة قديمة وُضعت لحالة زمنية وظرفية، أم الانطلاق إلى إطار جديد كُلياًً يعلن ميلاد حركة تجديد إسلامي في أخص بلد يواجه مشروعاً مركزياً للاحتلال والإخضاع والسيطرة على مقدسات الأمة؟ فكان القرار التاريخي عندما صوت المجموع الأكبر إلى إعلان الحركة بهيكل جديد وبرنامج مشاركة مختلف يضع حجر الأساس لقيادة شعب ومشروع أمة.

وقد تجسَّد النجاح المركزي الذي حققه هذا القرار بصورة قاطعة في برنامج الحركة الذي تصاعد بقوة وشعبية متزايدة، ولنا أن نتصور الحال لو بقيت هذه المجموعة على منهج الإخوان القديم، ومكانها في برنامج أوسلو وأمام الحصار الصهيوني الدولي للقضية، إنها حقيقة تتجلى وراء هذا التصور وتطبيقاته على الأرض وهو المُعطى الحاسم لحجم خسارة الأمة وليس للدعوة وحسب لو لم تنطلق حركة المقاومة الإسلامية حماس في الرابع عشر من ديسمبر 1987 ليتغير تاريخ حركة الكفاح في فلسطين وإعادة ربطه بالهوية وبالأمة.

سر الالتحام الروحي.. الشهداء يقودون الحركة

أكثر ما يتعجب له المراقبون ويستفز الخصوم هو: كيف تحافظ حماس على وحدتها وصلابتها قيادة وقاعدة، وكيف تستمر في الاستقطاب الشعبي لفلسطين أمام كل هذه الحروب الشرسة التي تُشن عليها، ومن الضروري أن نُذكّر أن الحركة مجموعة من البشر يصدق عليهم ما يصدق على الآخرين ولو تعرضوا للسقوط وانحرفت خطاهم في ميادين حساسة لانهارت كما انهارت بعض حركات التحرر، فضلاً عن وجود أخطاء تكتيكية وميدانية لها، لكن مجمل التفوق النوعي لديها عزّز من صلابتها، وهنا يبرز البعد الروحي المهم، ليس لدى الحركات الإسلامية وحسب، بل لكل حركات النضال والكفاح التحرري، وهو ما برز بصورة تكاد تكون أسطورية في تجلياتها الروحية القوية -على نفس المناضل وعموم الشعب فقيادات حركة حماس- صفاً مزدحماً من الشهداء، بدءاً ممن مضى قبل الإمام الشهيد أحمد ياسين كيحيى عيّاش ورفقائه في الجهاز العسكري، ووقوفاً عنده وهو الرجل المقعد الذي احتاجت تل أبيب إلى مقاتلة «أف 16» للخلاص منه دون أية درجة التزام أخلاقي، ثم مروراً بخليفته عبدالعزيز الرنتيسي وإسماعيل بوشنب وآخرين، ثم الاستهداف لقيادات المكتب السياسي في الخارج وفي غزّة، ويكفي أن الزهار لا تحصى محاولات اغتياله، ودفن حتى الآن اثنان من أبنائه كان أحدهم قد استشهد في مجموعة قتالية لكتائب القسام في نوفمبر العام الماضي.

لقد شكل هذا البرنامج الفريد من اندماج المشاعر والتفاعلات العاطفية والذي تكلله تضحيات القادة مع شفافية وتواضع ومسكن بسيط واختلاط دائم بطبقات الشعب المسحوق «مدماكاً» سميكاً أحاط بعلاقة القيادة مع شعب غزة والضفة، ثم انتقل إلى الشتات ومع الجمهور العربي، وأصبح هذا الحائط السميك مُحبطاً لكل تلك الحملات العاصفة من الأموال السياسية والإعلام لإضعاف شعبية القيادة النضالية وهي القيادة السياسية في الوقت نفسه وعجز الخصوم عن التفريق بينها وبين القوى الشعبية.

الشورى رديف للفداء

ومع كل ذلك الفداء والتضحية، إلاّ أنّ الحركة كانت تمارس أعلى درجات من الشورى الداخلية لم تُسجل إلا نادراً للتنظيمات الحزبية الإسلامية أو غيرها عربياً، مع الأخذ بالاعتبار الوضع الخاص للاستهداف الهستيري للحركة من أعدائها، وقد شكلت هذه الشورى قاعدة انطلاق قوية أدارت فيها الحركة عواصف سياسية عنيفة تكفي الواحدة منها لإطاحة أي حركة حزبية غير حماس.

إدارة الملف السياسي

من الصعب علينا هنا أن نستعرض كيف أدارت حماس ملفاتها السياسية، مع التسليم بأنّ بعضها كان مفاجئاً وتجاوز القدرة الطبيعية لكل إمكاناتها، وهناك إشكال دائم يطرحه بعض المحللين السياسيين، سواء أكانوا خصوماً أو محايدين أو محبين: لماذا دخلت حماس المضمار الانتخابي إذن؟ والإشكالية هنا أن التحليل السياسي العربي دائماً ابن لحظته لا يعود للماضي أو استقراء المستقبل، وهنا تتجسد أمامنا حقيقتان مهمتان، أولاهما: الوضع المتوقع لو لم تشارك حماس في الانتخابات في ظل قرار محكم يُطلق اليد لتصفية المقاومة جاء متزامنا مع زخم العدوان على العراق ودُعِم عربياً؟ إن التأمل البسيط يخرج لنا بنتيجة أن حماس في اندفاعاتها لتفعيل قوتها السياسية على الأرض أحبطت مشروعاً أكبر لسحق بندقية المقاومة، ومن خلال القوة والموقع فقط، والتقدم الذي تحركت به حماس هو من أحبط المشروع، وإلاّ فلم يكن هناك أي تردد حين تُصفى قوة حماس تدريجياً من سحقها وبندقية المقاومة أينما تواجدت.

والحقيقة الثانية التي أوجدتها مشاركة حماس هي ارتداد مسار أوسلو وما قبله، وتحول بوصلة النضال الفلسطيني في اتجاه معاكس من تصفية القضية لمصلحة تل أبيب إلى رفع سقفها الحقوقي والمبدئي.

وبرغم أن السؤال الأصلي يعود إلى البعد الأول الذي ذكرناه عن المسؤولية المشتركة للقوى الإسلامية والعربية لدعم المشروع المركزي للأمة التي تطوعت حماس لأن تكون رأس حربته، إلاّ أننا وحتى مع تحديد خيار حماس الذاتي نجد أن ما خاضته مع تجاوز حساس وقدرة في ضبط العلاقة بينها وبين النظام الرسمي العربي قد نجحت في تجاوز كل تلك الحصارات المتعددة، ويبقى أن الحركة تؤمن وقواعدها الشعبية بأن هذا الموقع المجمع عليه من الأمّة بأنه موقع كفاحي مطلق لحماية مقدّس مجمع عليه، إلاّ أن إدارة ملف الكفاح لم تتخل عن ممارسة كل ما تستطيعه للتخفيف عن الشعب ومرحلة المشروع التحرري لكن الدعم القاصر والعجز التضامني هو المسؤول عن هذه الجريمة للحصار وليس شعب غزة وحركة حماس.

التجديد في الوعي الإسلامي

لقد جسدّت برامج حماس المشاركة الأكبر للمرأة العربية في ميدان التحرر والمشاركة السياسية الانعطاف الرئيسي لمسيرة الحراك الإسلامي بل وحتى العربي للمرأة العاملة في ميادين العطاء والملتزمة بدستور المنهج الثقافي الإسلامي في فترة زمنية قصيرة قياساً بتاريخ التجربة العربية، وحولت حماس هذه المشاركة إلى دافع متحد لإحباط المشروع الغربي الانحلالي الذي سعى لتكريس المرأة أنثى لمقاصد جسدية وحريات سلوكية منحرفة، فيما كانت امرأة عاملة مناضلة نقابية سياسية في غزة مجسدة لمعنى الاحترام والشراكة بين المرأة والرجل في المنهج الإسلامي.

ورغم الإمكانات المحدودة، إلاّ أن برامج العمل التطوعي والتعليمي تقدمت بحسب الإمكان مع حراك نقابي نسوي فريد سجلت فيه حماس تفوقاً بارزاً.

السؤال الكبير: من المُقصر؟

الغريب وبرغم كل الحقائق على الأرض وحجم التقاعس للقوى والتيارات الحزبية والفكرية، إلاّ أنّ هناك من يريد أن يُلقي باللائمة على حماس، وهذا اللوم أصبح متزايداً في الفترة الأخيرة وبالذات في لعبة أمنية تديرها أجهزة المخابرات لربط حماس بإيران عنوة رغم كل التأكيدات والمنهج الواضح الذي أعلنته حماس في مناسبات عدة عن رفضها الدخول في لعبة المحاور، وأما قبول الدعم الإيراني فهو أضحوكة حين يُحتج به على حماس بعد أن صمتت الأصوات ضد جريمة الحصار العربي وجاز لأهل غزة الضرورات.

يريدون من حماس رفض المساعدات المحدودة رغم أننا نعلم بأهداف إيران من ورائها ومشروعها الطائفي الخاص، ولكن السؤال في الضفة الأخرى: أين مراجلكم كما يقول العربي؟ ماذا صنعتم عند معبر رفح المصري؟

مدوا أيديكم بدل نقدكم

أشجان كثيرة كلها تؤكد على حقيقة الكفاح الذي خاضته حماس نيابة شرعية عن الأمة وتقاعس الكثير عن نصرتها، ولا يزال في الأمر سعة للتكفير عن الخطيئة من سفن كسر الحصار، وها نحن نشهد الأولى عربية من قطر حتى استنفار القدرات والتجمع السياسي الأممي والوطني لكسر بوابة خنق هذا المشروع التحرري الأكبر في رفح المصرية، وهو مشروع مقاومة فريد منذ الفتح العمري لفلسطين، ومن غدر به أو قصر عنه فكأنما خذل الفتح الأول، فإن عجزت الأمة عن كسر هذه البوابة من أرضها فلا تلوم الشهيد بعد أن نافح عن القدس وقد أمدت القاتل بحربته.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات