الخميس 08/مايو/2025

استحقاقات ما بعد التهدئة

استحقاقات ما بعد التهدئة

صحيفة القدس العربي اللندنية

احتفلت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يوم أمس بانتهاء “اتفاق التهدئة” رسمياً بإطلاق مجموعة من الصواريخ على مستوطنة سديروت الإسرائيلية مع تعهد بالتصدي لأي اجتياح إسرائيلي للقطاع.

انتهاء الاتفاق المذكور دون أي محاولات لتجديده أو تمديده من قبل الجهات الثلاث المعنية أي “حماس” و”إسرائيل” علاوة على الوسيط المصري الراعي الحصري له، لم يكن مفاجئاً للكثيرين، لأن الالتزام به لم يكن كاملاً، فقد تخللت الأشهر الستة الماضية من عمره اختراقات عديدة، خاصة من الجانب الإسرائيلي.

الفترة المقبلة ستكون بمثابة “فترة اختبار” حيث سيعمل كل طرف على تقويم ومراقبة رد فعل الطرف الآخر. فالإسرائيليون سينتظرون بضعة أيام لمعرفة ما إذا كان إطلاق الصواريخ سيستمر، وفي أي اتجاه قبل أن يبلوروا طبيعة ردهم وحجمه، وفصائل المقاومة، وحركة “حماس” على وجه التحديد، ستراقب كيفية تعامل الإسرائيليين مع مسألة المعابر، وما إذا كانوا سيلجأون إلى تخفيف إغلاقها، ومرور المواد الضرورية من وقود وطعام ودواء، أم أنهم سيحكمون الإغلاق، لتجويع أهل القطاع مجدداً.

فترة الاختبار هذه قد لا تطول، فالموقف متفجر، والاستعدادات للمواجهة في قمة ذروتها في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويعكس الصمت الرسمي المصري شعوراً بالتواطؤ، أي التواطؤ مع أي خطوة إسرائيلية متوقعة لاجتياح القطاع، وتجلى هذا الموقف الرسمي المصري في أبلغ صوره من خلال تصريحات الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية، في مجلس الشعب المصري (البرلمان) التي قال فيها إن حكومة بلاده لن تسمح مطلقاً بقيام إمارة إسلامية في غزة، وأخرى مماثلة لشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي التي قال فيها “وإحنا مالنا ومال حصار قطاع غزة” في رد له على الحملات الإعلامية التي استهدفته بعد مصافحته العلنية للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس.

من الواضح أن الحكومة المصرية نفضت يدها من مسألة الوساطة بين طرفي الأزمة، أي حماس و”إسرائيل”، ولا تريد أن تلعب دور الوسيط الذي مارسته طوال الأعوام الماضية، سواء لتمديد اتفاق التهدئة، أو للإفراج عن الأسير الإسرائيلي جلعاد شليط، الأمر الذي يعزز احتمالات المواجهة العسكرية، وسقوط العشرات من الأبرياء الفلسطينيين، وتشديد أكبر للحصار على مليون ونصف المليون من أبناء القطاع.

القوة العسكرية الهائلة يمكن أن تجتاح القطاع في أيام معدودة، لأن “حماس” ليست دولة، ولا تملك ترسانة أسلحة هائلة، ولكن الثمن المكلف عسكرياً وسياسياً هو الذي يجعل القيادة الإسرائيلية تتردد في الإقدام على هذه الخطوة. فتقدم الدبابات الإسرائيلية نحو القطاع سيعني إطلاق عشرات، بل ربما مئات الصواريخ على المدن والمستوطنات الإسرائيلية شماله، وصواريخ “غراد” روسية الصنع التي تملكها المقاومة يمكن أن تصل إلى مدينة عسقلان وميناء أسدود. وهي صواريخ يمكن أن تصيب أهدافها بدقة على عكس مثيلاتها محلية الصنع.

والأمر المهم هو عن الخطوة الإسرائيلية، بعد اكتمال الاجتياح، هذا إذا افترضنا أنه سيكتمل، وهو احتمال ما زال موضع شك، فهل ستبقى القوات الإسرائيلية كقوة احتلال في القطاع، أم أنها ستنسحب، وفي هذه الحالة من سيملأ الفراغ بعد انسحابها، حركة “حماس” التي ستعود إليه مجدداً وأكثر قوة وشعبية في أوساط الفلسطينيين بل والعرب والمسلمين، أم السلطة في رام الله؟

معضلة “إسرائيل” ومصر والسلطة الفلسطينية مع قطاع غزة، وحركات المقاومة فيه، أعقد بكثير من معضلة “حماس” وحلفائها، لأن خسائر الأطراف الثلاثة الأولى أكبر بكثير من خسائر حركات المقاومة فليس لحركات المقاومة ما تخسره وهي التي اختارت هذا الطريق من أجل الشهادة وليس من أجل مكاسب دنيوية مثل ما تقول أدبياتها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات