القرار 1850… هدية بوش الوداعية للاحتلال

تجنب مجلس أمن الأمم المتحدة عندما اصدر قراره رقم 1850 في السادس عشر من الشهر الجاري النص في أي من البنود السبعة في متن القرار على أي ذكر لـ”حل الدولتين” او لـ”دولة فلسطين، او ل”دولة فلسطينية” ، باستثناء اشارة متأخرة (في ختام البند 4) الى “التحضير” لـ”حالة الدولة” ، وركز بدلا من ذلك على الزام جميع الاطراف بمواصلة “عملية سلام” لا نهاية لها، بالرغم من التذكير في ديباجة القرار بقراره قبل 1515 قبل خمس سنوات وبان “السلام الدائم يمكن ان يقوم فقط على اساس حل الدولتين ، بناء على الاتفاقات والالتزامات السابقة” (الفقرة الرابعة) وبـ”رؤيته” لـ”منطقة تعيش فيها دولتان ديموقراطيتان ، (اسرائيل) وفلسطين” واشارته الى “اهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002م”.
لقد رعى الرئيس الاميركي المنتهية ولايته جورج بوش “شخصيا” مشروع القرار رقم 1850 ، ليكون في ظاهرة ملهاة ترضية للمفاوض الفلسطيني عشية لقائه مع نظيره الفلسطيني محمود عباس في التاسع عشر من الشهر ، اراد منها التعويض عن اخفاقه الذريع في الوفاء بوعده مرتين لهذا المفاوض باقامة دولة فلسطينية ، مرة عام 2005 والثانية قبل نهاية عام 2008 الحالي ، بهدف تـشجيع هذا المفاوض على الاستمرار في التزامه بـ”عملية انابوليس” التي لم يكن فشل بوش في ايصالها الى نتيجة ايجابية قبل انتهاء ولايته يقل عن اخفاقه في الوفاء بوعوده للرئاسة الفلسطينية عن طريق ترحيل الرعاية الاميركية لهذه العملية الى المجتمع الدولي باضفاء شرعية الامم المتحدة عليها ، وكانما اضفاء مثل هذه الشرعية يمكنه ان يكون خطوة استباقية لاحتمال انبثاق حكومة جديدة عن الانتخابات الاسرائيلية المقبلة تكون معارضة لعملية انابوليس فيلزمها القرار 1850 بها (اذ ترجح استطلاعات الراي في دولة الاحتلال فوز الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو الذي اعلن معارضته لانابوليس وعمليتها ورؤيتها) ، كما يحلو للمفاوض الفلسطيني ان “يتمنى” متجاهلا استهتار الاحتلال طوال عمر دولته بهذه الشرعية استهتارا كانت تحميه دائما الولايات المتحدة نفسها الراعية للقرار الجديد .
لكن الترحيب الاسرائيلي بلا تحفظ بالقرار كشف بان ملهاة الترضية التي رماها بوش للمفاوض الفلسطيني قبل رحيله انما كانت في جوهرها هدية وداعية لدولة الاحتلال الاسرائيلي .
فقد “رحب” بيان رسمي لوزارة خارجية دولة الاحتلال الاسرائيلي بالقرار رقم 1850 لأنه “صادق، لأول مرة، على مبادئ (اللجنة) الرباعية الثلاث ، باعتبارها الاساس للشرعية والدعم الدوليين لأي حكومة فلسطينية” ، ولانه عبر عن “دعم لا تردد فيه” لمبدأ اخضاع أي اتفاق فلسطيني اسرائيلي “لتنفيذ خريطة الطريق، التي تتطلب اولا وقبل كل شيء آخر تفكيك البنى التحتية للارهاب”، أي للمقاومة الفلسطينية للاحتلال (ينبغي التذكير هنا بان (اسرائيل) وافقت على خريطة الطريق في حينه مشروطة باربعة عشر تعديلا عليها ونجحت في انتزاع مصادقة الادارة الاميركية على تعديلاتها في رسالة بوش المشهورة الى ارييل شارون في 14/4/2004 التي وصفها الفلسطينيون ب”وعد بلفور الثاني”) ، ولأن مجلس الامن الدولي بذلك “وجه رسالة لا لبس فيها” الى ما سماه البيان “نظام حماس الارهابي في غزة” ، ولأن المجلس بذلك قد منح “مصادقة على المبادئ الاسرائيلية الجوهرية لعملية السلام” !
وتضمن البيان تعليقا لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني جاء فيه: “يمثل قرار مجلس الامن اليوم مصادقة دولية على عملية انابوليس … والمبادئ الموجهة لها … وهي تحديدا ، المفاوضات الثنائية المباشرة بين الطرفين ، دون أي تدخل دولي ، وطبقا لمبدأ انه لا يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء، والتزام بمبادئ الرباعية (الدولية) – الاعتراف بـ(اسرائيل)، وانهاء الارهاب، وقبول الاتفاقيات السابقة ، وكذلك اشتراط تنفيذ أي اتفاق في المستقبل بتنفيذ خريطة الطريق” ، لتخلص الى ان “التأييد الواضح” من مجلس الامن لكل ذلك يعتبر “تصويتا بالثقة” في العملية الجارية بين دولة الاحتلال وبين “القيادة الفلسطينية الشرعية ، التي لا بديل لها”.
وكان من الطبيعي في المقابل ان لا يجد المفاوض الفلسطيني في القرار أية مواد مماثلة في وضوحها تسند موقفه لكي يرحب بها في بيان رسمي يؤكد عليها كما فعل شريكه الاسرائيلي ، لذلك اكتفى ترحيب المفاوض الفلسطيني بالقرار بعموميات تحجب خطورة القرار على القضية الوطنية بمنحه شرعية الامم المتحدة لبرنامج انابوليس المصمم لادامة الانقسام الوطني وتعميقه وتحجب كذلك خطورة القرار حتى على ما تسميه الرئاسة الفلسطينية “المشروع الوطني” لمنظمة التحرير بارتهان هذا المشروع والمنظمة نفسها وسلطة الحكم الذاتي التي تحمل اسمها في الاراضي المحتلة عام 1967 لعملية سلام قزمها القرار لتتلخص في “عملية انابوليس” ، التي يعد القرار بابقائها عملية تفاوض مفتوحة لا سقف زمنيا لها ، مرهونة بما يحرزه الطرفان من “تقدم” ، خصوصا وان القرار لم يصدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ليكون تنفيذه ملزما ، وهكذا تلخص ترحيب المفاوض الفلسطيني بالقرار باعتباره “مشجعا … ويسمح لنا بالحفاظ على الامل في السلام” (الناطق باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة) و”خطوة ايجابية” (رئيس دائرة شؤون المفاوضات بمنظمة التحرير صائب عريقات) .
ان جرأة رايس في تحدي الخيارات القيادية للشعب الفلسطيني بالاعلان من فوق اهم منبر دولي بان رحيل عرفات كان مثله مثل رحيل حماس حاليا هما الثمن الفلسطيني المطلوب لتحقيق رؤية رئيسها الطوباوية التي تزرع الوهم فتجد بين الفلسطينيين من يشتريه مهما غلا ثمنه الاميركي – الاسرائيلي تذكر بجرأة بوش نفسه في تحدي الخيارات نفسها عندما اعلن رؤيته المشؤومة في الرابع والعشرين من الشهر السادس من عام 2002 ، في ذروة اجتياح قوات الاحتلال لمناطق سلطة الحكم الذاتي ، ذاك الاجتياح الذي توج بمحاصرة عرفات في غرفة نومه ثم استشهاده.
فبعد أن دعا بوش الى قيادة فلسطينية جديدة تحل محل عرفات ، اعلن ما يلي: “عندما يحصل الشعب الفلسطيني على قادة جدد ، ومؤسسات جديدة ، وترتيبات امنية جديدة مع جيرانهم (الاسرائيليين طبعا لا العرب) ، فان الولايات المتحدة الاميركية سوف تؤيد خلق دولة فلسطينية” !
فهل هناك من يتذكر الآن هذا التاريخ القريب جدا لكي يضع القرار 1850 في سياقه ، باعتباره هدية بوش الوداعية لدولة الاحتلال ؟!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...

شهيد وإصابات برصاص الاحتلال في البلدة القديمة بنابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحام البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية...