نحو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية

صحيفة الوطن القطرية
بعد الصعوبات الكبيرة التي اعترت عقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني طوال الفترات الماضية في ظل غياب التوافق وسيطرة الانقسام على الساحة الفلسطينية. راوحت مكانها اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي عقدت قبل عام ونيف في جلستين، إحداهما في عمان والثانية في رام الله، ولم تفلح في شق طريقها بالاتفاق على دعوة المجلس الوطني للاجتماع، خصوصاً وأن الدعوة واجهت اعتراضات شديدة، وكانت أسباب المعارضة التي توالدت في وجه دعوات عقد المجلس الوطني في حينها تعود إلى أن الجهة الداعية كانت تشترط دائماً أن يكون انعقاد المجلس الوطني داخل أراضي السلطة الفلسطينية، بينما يرفض الكثيرون انعقاد المجلس تحت سلطة الاحتلال، ويرون أن انعقاده في بلد عربي يتيح للجميع حرية في الحركة.
وبسبب الإصرار على عقد المؤتمر في أراضي السلطة وليس في بلد عربي، تعطلت الدعوة إلى عقد مجلس وطني جديد، مع أن عقده في أية عاصمة عربية أمر ممكن.
وكان في مقدمة المعترضين أعضاء قيادات حركة فتح بمن فيهم بعض أعضاء اللجنة المركزية ورئيس المجلس سليم الزعنون. إضافة لتحفظ الجبهة الشعبية، ومطالبة باقي القوى كجبهة التحرير العربية وجبهة التحرير الفلسطينية بالتريث، في إدراك واضح بأن الاندفاع نحو مهمة عقد المجلس في حينه وبوضعه الحالي، كانت من أجل مهمة محددة فقط هي انتخاب أعضاء جدد للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدلاً من الأعضاء المتوفين أو المستقيلين أو المقاطعين لأعمال اللجنة التنفيذية واجتماعاتها المتقطعة أصلاً.
ولكن، ومع الحاجة الملحة التي اعتقد البعض بضرورتها، دارت الأمور باتجاه استبدال عقد اجتماع المجلس الوطني باجتماع بديل للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، وهو هيئة استشارية غير تشريعية وغير مقررة تقع بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية للمنظمة. حيث بذلت جهود كبيرة في هذا الاتجاه، ولكنها اصطدمت حتى اللحظات الأخيرة بمعارضة قوية من قبل رئيس المجلس سليم الزعنون (أبو الأديب) قبل غيره، إضافة لتحفظ بعض فصائل المنظمة، التي توجست أغراضاً وغايات استخدامية من مهمة عقد اجتماع المجلس المركزي لتمرير سلسلة من التوجهات والقرارات، وتزكية رؤية سياسية محددة في سياق استخدام الهيئات والمؤسسات الرسمية (المغيبة أصلاً) والاستقواء بها في معالجة الملفات المطروحة على جدول أعمال الساحة الفلسطينية. ولذلك جاءت الدعوة إلى انعقاد المجلس المركزي، للتصدي لمهمة أساسية هي انتخاب رئيس لدولة فلسطين، فالمجلس المركزي مسيطر عليه، ويمكن عقده في الداخل دون اعتراض، ويمكن بالتالي السيطرة على توجهاته وقراراته، بينما لا تتاح هذه السيطرة عندما ينعقد المجلس المركزي أو الوطني في الخارج. ويمس هذا الوضع بالطبع بمصداقية اجتماع المجلس المركزي، كما يمس بمصداقية الانتخاب الذي تم. ومن هنا تختفي وراء الستار الأهداف الاستخدامية التي اختفت وراء عقد دورة المجلس المركزي بدلاً من المجلس الفلسطيني، علماً بأن المجلس الوطني هو المؤسسة التشريعية، وهو الأساس والمرجع في كل عمل من أعمال منظمة التحرير، ولم يجتمع منذ ذلك الحين إلا مرة واحدة عام 1996 في غزة، من أجل إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني حسب مقتضيات اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بـ «إسرائيل». أما ما عدا ذلك، مثل انتخاب رئيس للدولة الفلسطينية، وإقرار اتفاق أوسلو، وانتخاب رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وانتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية، والموافقة على إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني عام1996، وأحداث غزة، وانعقاد مؤتمر أنابوليس. فإن المجلس الوطني الفلسطيني لم يدع للانعقاد، لا لبحث الوضع الفلسطيني العام، ولا لبحث مسائل أساسية محددة. وفي كل مرة كانت تبرز فيها أزمة ما، كانت الدعوة توجه إلى المجلس المركزي للانعقاد كبديل عن المجلس الوطني.
ومع هذا، وفي ظل الاعتراضات والتحفظات، والتقديرات المختلفة، فقد تم تقديم مقترحات مختلفة لتجسير الهوة بين أصحاب دعوة المجلس المركزي للانعقاد وبين المعارضين والمتحفظين، وهو ما رسى باتجاه الطلب الذي تلقاه رئيس المجلس الوطني وهو نفسه رئيس المجلس المركزي من قبل اللجنة التنفيذية للمنظمة لدعوة المجلس المركزي للانعقاد، حدد بنداً واحداً على جدول الأعمال هو «ما يستجد من أعمال» وهو البند الذي يعني في العرف الفلسطيني، مناقشة كل شيء.
وعليه، فقد التأمت أعمال المجلس المركزي في اجتماعاته الأخيرة التي عقدت في رام الله يومي (23ـ24/11 /2008) بمشاركة الفصائل المنضوية في إطار المنظمة بالرغم من تمايزها في مواقفها المعلنة داخل قاعة الاجتماعات وداخل كواليسها قبل وأثناء وبعد انتهاء الاجتماعات وصدور البيان الختامي لأعمال دورة المجلس. ووفق المعلومات المؤكدة والمنقولة على لسان عضو قيادي في تنظيم أساسي من تنظيمات المنظمة ومن المشاركين بالاجتماع، فان أربعين عضواً فقط من أعضاء المجلس شاركوا بأعماله وذلك من أصل (117) عضواً، الذين اعتذر بعض منهم عن عدم المشاركة، بينما غاب آخرون كشكل من أشكال الاحتجاج أو المقاطعة، وغاب آخرون لأسباب غير معلومة، في الوقت الذي حضر كامل جلسات أعماله ممن هم ليسوا من أعضائه أو من أعضاء أي تنظيم فلسطيني وأبرزهم سلام فياض.
ويكشف محضر غير رسمي أعده ممثل لأحد الفصائل الفلسطينية الأساسية المشاركة، عن أن جدول الأعمال المعنون بـ (ما يستجد من أمور) انفتح على غاربه، فتداخلت الاقتراحات وضاعت الأمور كلها باتجاه تمرير عناوين محددة، كان على رأسها اقتراح انتخاب رئيس لدولة فلسطين وذلك بعد بدء الجلسة الافتتاحية، حيث تم تمرير طلب بالاقتراح على أعضاء اللجنة التنفيذية أولاً، الذين كانوا يجلسون في الصف الأمامي، ثم تم تمرير ذات الورقة على بقية الحضور، وهو ما تم بانتخاب رئيس دولة فلسطين.
وقد يقول البعض بأن المجلس المركزي هو الذي انتخب الرئيس الشهيد ياسر عرفات في دورة أعماله التي عقدت في تونس نهاية العام 1988، فلماذا الانتقاد الآن؟ والجواب أن هذا الاعتراض صحيح كواقع، صحيح كمعلومات. ولكن إذا كان القائمون على شأن المنظمة قد ارتكبوا خطأ في الماضي، فليس ارتكاب الخطأ ذريعة لتبرير ارتكاب أخطاء جديدة بغض النظر عن شخص المرشح لملء المكان الشاغر. فالجهة التي تولت عملية الانتخاب، ونعني المجلس المركزي الفلسطيني غير مخولة بذلك باعتبار أن المجلس هيئة استشارية لا أكثر ولا أقل. فضلاً عن ذلك فإن الجهة القانونية في المجلس الوطني كانت قد أبدت ملاحظات قانونية وتحفظات نابعة من النظام الأساسي لأعمال هيئات المنظمة بالنسبة لعقد دورة المجلس المركزي لجملة أسباب، منها انتهاء ولاية المجلسين الوطني والمركزي منذ فبراير 1990. وعدم توافر النصاب القانوني لدورة المجلس المركزي حيث شارك فيها فقط نحو أربعين عضواً من أصل «120» عضواً، فقد حضرت شخصيات ليست لها علاقة بعضوية المجلس المركزي وفي المقدمة سلام فياض، الأمر الذي حتم إجراء التصويت عبر التصفيق على قرارات المجلس.
ورغم أن غالبية الذين حضروا اجتماعات المجلس المركزي أيدوا انتخاب رئيس دولة فلسطين إلا أن عدداً منهم أدلى بملاحظات نقدية، اثنان على الأقل من القيادات الفلسطينية وافقا على الاقتراح بلغة ملتبسة وهما عبد الرحيم ملوح، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية، ممثل الجبهة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وبسام الصالحي الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، فقد اعتبر ملوح والصالحي أن قرارات المجلس وانتخاب رئيس لدولة فلسطين من شأنه أن يصعد الانقسامات والخلافات في الساحة الفلسطينية، كذلك وجه عبد الله حوراني، العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ملاحظات نقدية حادة طالت أوضاع المنظمة ومؤسساتها وهو ما أيده الدكتور حسن خريشا والدكتور سمير غوشة. غير أن المداخلة الأكثر حدية كانت من قبل الدكتور أسعد عبد الرحمن، الذي أشار إلى وجود أخطار خارجية تتهدد الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأخطار داخلية تتهدد وحدة منظمة التحرير الفلسطينية. كما أعاد عبد الرحمن إلى الأذهان أن المجلس الثوري لحركة «فتح» اتخذ في دورة اجتماعاته في يونيو الماضي قراراً حاسماً خلص إلى أنه لا بد في النهاية من الحوار مع حركة «حماس»، وأنه لا بد في النهاية من حل سياسي عبر الحوار، وإنهاء العقلية الإقصائية من أي طرف تأتت لصالح نهج التشاركية.
وفي هذا السياق، وفي مجرى رؤية الهرولة الاستخدامية الإضافية لأعمال المجلس المركزي، أشار لنا قيادي فلسطيني من طرف شارك في أعمال المجلس المركزي الأخير «أن عقلية الأنا والفئوية المقيتة حكمت مشاركة فصائل جبهة اليسار، ففي الوقت الذي كانت فيه قوى اليسار تعد ورقة مشتركة تعبر عن رؤيتها ومواقفها من القضايا المطروحة على جدول أعمال المجلس المركزي، كان طرف من تلك الجبهة يعد ورقة أخرى باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تتعارض في جوهرها مع ورقة جبهة اليسار بل وتنسفها كلية»، والورقة المعدة لتقدم باسم اللجنة التنفيذية، ليست مقبولة أو تعبر عن موقف جبهة اليسار وحتى لم تكن مقبولة من بعض قيادات حركة فتح وبالذات في البند المتعلق بالمفاوضات، فأهل البيت نفسه (أي أصحاب نهج التفاوض)، باتوا على قناعة بأن هذا المسار أثبت عقمه وعبثيته، وهو بحاجة لإعادة تقييم جدي، وفي المحصلة النهائية عندما رفضت الورقة التي أعدت باسم اللجنة التنفيذية، أيضاً رفض ذلك الطرف اليساري الورقة المعدة باسم جبهة اليسار، وعليه فهذه الحالة تعكس ليس فقط عمق الأزمة بين أطراف تلك الجبهة، بل إن هذه القوى وبالذات العديد من قياداتها قد شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل والتناكف والغرق في الذاتيات.
إضافة لذلك، فقد أصابت عملية دعوة المجلس المركزي للانعقاد وما سبقها وما تلاها من التباسات قضايا جوهرية تتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالمؤسسة الأساسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية ونعني بها المجلس الوطني الفلسطيني. فالمجلس الوطني هو المؤسسة التشريعية، وهو الأساس والمرجع في كل عمل من أعمال منظمة التحرير. بدأ أعماله عام 1968، عام تولي حركة فتح لقيادة المنظمة، وكان يتكون آنذاك من (100) عضو، وأخذ هذا الرقم يتزايد تدريجياً حتى أصبح الرقم الحالي لأعضاء المجلس (740) عضواً. وبالرغم من بروز العديد من الأزمات التي طفت على سطح الأحداث في فلسطين والمنطقة فإن المجلس الوطني لم يدع للانعقاد سوى في العام 1996 في قطاع غزة في دورة أعمال قاطعتها غالبية القوى المنضوية في إطار المنظمة، ومن حينها فإن المجلس الوطني الفلسطيني لم يدع للانعقاد، لا لبحث الوضع الفلسطيني العام، ولا لبحث مسائل أساسية محددة. وفي كل مرة كانت تبرز أزمة ما، كانت الدعوة توجه إلى المجلس المركزي للانعقاد كبديل عن المجلس الوطني. فهل يستطيع المجلس المركزي فعلياً أن يكون بديلاً للمجلس الوطني؟
الجواب مباشرة وبحسم هو: لا. المجلس المركزي الفلسطيني ليس بديلاً عن المجلس الوطني. وهو لا يستطيع أن يحل محله. ولا أن يمارس دوره. ومن هنا فإن إشكالاً ينشأ حول بعض قراراته، ومنها قرار انتخاب رئيس الدولة الفلسطينية. فإذا كان المجلس المركزي يستطيع أن ينوب عن المجلس الوطني في التقرير والتشريع، فلماذا تكون هناك مؤسستان فلسطينيتان تمارسان الدور نفسه؟ ولماذا لا يلغى المجلس الوطني ويبقى المجلس المركزي، ما دام يصلح لأداء الدور ذاته؟
على ضوء ذلك، إن أمور الساحة الفلسط
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...