الأحد 11/مايو/2025

ليفني.. الجغرافيا في مقابل الديمغرافيا!

ليفني.. الجغرافيا في مقابل الديمغرافيا!

صحيفة الوطن العمانية

.. ومع ذلك، تظل ليفني على يسار المجتمع الإسرائيلي، أو على يسار الغالبية الإسرائيلية الشعبية والانتخابية، فرئيسة حزب “كاديما” الإسرائيلي الحاكم (ووزيرة الخارجية) إنَّما أرادت أن تسطو سياسياً على عقول وقلوب جزء من الناخبين الإسرائيليين الموالين لمنافسها زعيم حزب “ليكود” نتنياهو الذي، بحسب استطلاعات الرأي، هو المرجَّح فوزه في الانتخابات المقبلة المقرَّرة في العاشر من فبراير 2009.

لقد تفتَّق ذهن ليفني عن فكرة توهَّمت أنَّها في غاية الذكاء، وهي أنْ تحارِب خصمها ببعضٍ من أسلحته، لعلَّها تتمكَّن من أنْ تُفْقِده شيئاً من قاعدته الشعبية والانتخابية الواسعة، مُحْدِثةً ما يشبه “الترانسفير الانتخابي”، أي نقل جزء من الناخبين المحتملَين لنتنياهو إلى معسكرها.

إنَّها أرادت أن تُفسِّر لهم “حلَّ الدولتين” على أنَّه خريطة طريق إلى خلاص “الدولة اليهودية” مِمَّن تسميهم “عرب إسرائيل”، أي من نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، فبقاء هؤلاء حيث هم الآن، مع تمتعهم (الزائف) بحقوق المواطنة الإسرائيلية، لن ينزل برداً وسلاماً (في المستقبل) على “يهودية” و”ديمقراطية” دولة “إسرائيل”.

أمَّا “الدولة الفلسطينية” ذاتها، والتي فيها، على ما قالت ليفني، يكمن “الحل القومي” النهائي لـ “مشكلة عرب إسرائيل”، فلن تقوم، إذا ما قامت، إلاَّ لتؤكِّد أنَّها “نسيج وحدها”، فإذا كان “الوطن القومي” لشعب ما هو إقليم دولته القومية فإنَّ الدولة القومية للشعب الفلسطيني تشذُّ عن هذه القاعدة.

ولقد شرحت ليفني هذا على خير وجه إذ قالت: “إنني أريد التخلي عن جزء من الأرض (يشمل قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية) أُؤمِن بأنَّ ملكيته حقٌّ (قومي تاريخي توراتي) للإسرائيليين، في سبيل بقاء “إسرائيل” دولة يهودية ديمقراطية”؛ ثمَّ أدْخَلت شيئاً من “التناقض المنطقي” في قولها إذ وصفت تلك “الدولة اليهودية الديمقراطية” بأنَّها “دولة الحقوق المتساوية لمواطنيها كافة بصرف النظر عن دياناتهم”!

وهذا إنَّما يعني، إذا ما افترضنا أنَّ ليفني تعني ما تقول، إنَّ “إسرائيل” بوصفها “دولة يهودية”، أو “موطناً للشعب اليهودي”، ستُظْهِر وتؤكِّد “ديمقراطيتها” من خلال تلك “المساواة في الحقوق” بين مواطنيها اليهود والمسلمين والمسيحيين.

وربَّما تُفسِّر ليفني، مستقبلاً، تلك “المساواة في الحقوق” على أنَّها “مساواة في الحقوق الدينية فحسب”.

إنَّ ليفني تخاطِب مفاوضها الفلسطيني قائلةً له: إنَّ إقليم الدولة الفلسطينية المقبلة ليس سوى جزء من “الوطن القومي والتاريخي للشعب اليهودي”، تنازلت عنه “إسرائيل” لكم حتى تبقى “دولة يهودية ديمقراطية”!

وجزاء هذا “الإحسان (الإقليمي) الإسرائيلي” لن يكون إلاَّ “الإحسان الفلسطيني”، الذي بعضه أنْ يَقْبَل “عرب إسرائيل” فكرة أنَّ الحل القومي النهائي لمشكلتهم (أي للمشكلة التي تسبَّبوا بها لإسرائيل) سيكون هناك، أي في “الدولة الفلسطينية” عندما تُقام.

والآن، عليكم أن تستعيروا دماغ ليفني حتى تقفوا على “المعاني الحقيقية” لأقوالها.

ليفني قالت: إنَّ الدولة الفلسطينية التي ستُقام مستقبلاً هي المكان الذي يحقُّ لـ “عرب إسرائيل” أن يحقِّقوا فيه “حلمهم (أو طموحهم) القومي”.. إقامة تلك الدولة (في الضفة الغربية وقطاع غزة) من شأنها “إنهاء الصراع”، وأنْ تكون حلاًّ لمشكلة الطموح القومي لـ “الفلسطينيين كافة، بمن فيهم “عرب إسرائيل”.. الحل القومي لـ عرب إسرائيل” يكمن في قيام دولة فلسطينية .. على هؤلاء، أي “عرب إسرائيل”، أن يحقِّقوا أحلامهم القومية في مكان آخر، هو الدولة الفلسطينية عندما تُقام، فمستقبل “عرب إسرائيل” في الدولة الفلسطينية؛ وهذا هو معنى “حلُّ الدولتين”.

ثمَّ قالت شارحةً موضِّحةً: إنَّ فكرتها لا تتضمَّن “ترحيلاً” أو “نقلاً” لـ “عرب إسرائيل” إلى الدولة الفلسطينية، فهؤلاء سيستمرون في العيش في “إسرائيل” بصفة كونهم مواطنين متساويين مع سائر مواطني “إسرائيل” في الحقوق.. سيستمرون في العيش فيها؛ ولكن بصفة كونهم “أقلية (قومية) في الدولة التي هي موطن للشعب اليهودي”.. “عرب إسرائيل” لن يرحَّلوا أو يُنْقلوا أو يُجْبروا على الرحيل؛ ولكن “إحساسهم القومي” يجب أن يكون في مكان آخر، أي في الدولة الفلسطينية، فانتقالهم إلى الدولة الفلسطينية لن يكون بـ “الجسد” وإنَّما بـ “الشعور والإحساس”، فهو “ترانسفير” سيكولوجي وليس فيزيائي؛ ولسوف أُحارِب من أجل حقوق متساوية بين مواطني دولة “إسرائيل” جميعاً.

كل هذا الذي قالته ليفني، فكرةً وتأكيداً ونفياً وشرحاً وتوضيحاً، لم يحقِّق لها إلاَّ غير ما أرادته وقصدته. لقد أغضبت الفلسطينيين من غير أن ترضي الإسرائيليين، وفي مقدَّمهم الناخبين المحتملَين لنتنياهو، وكأنَّها نجحت في أن تكون شريكاً لزعيم حزب “ليكود” في حملته الانتخابية ضدَّها هي، وضد حزبها “كاديما”!

وأحسب أنَّ القيادة الفلسطينية، التي تفاوِض “إسرائيل” باسم الشعب الفلسطيني، توصُّلاً إلى حلٍّ نهائي للمشكلة القومية لهذا الشعب، مدعوة إلى انتهاج سياسة تقوم على “عنصرية إيجابية”، تؤكِّد من خلالها أمرين: أنَّ “عرب إسرائيل” هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وأنَّ الدولة الفلسطينية ستكون للشعب الفلسطيني بأسره باستثناء “عرب إسرائيل”، فهؤلاء يجب أن يظلوا أقلية قومية في داخل دولة “إسرائيل”، يتمتَّعون (أي يجب أن يتمتَّعوا) بالحقوق الديمقراطية والمدنية ذاتها التي يتمتَّع بها اليهود من مواطني هذه الدولة.

إنَّهم وجدانياً وسيكولوجياً وإنسانياً وثقافياً ولغوياً.. ينتسبون إلى الدولة الفلسطينية؛ أمَّا من حيث المواطنة وحقوقها فهم منتسبون إلى دولة “إسرائيل” ما بقيت، فاضطِّرار الفلسطينيين إلى التنازل عن “طروداة” يجب ألاَّ يُتَرْجَم بإخراجهم “الحصان” منها!

وهذا إنَّما يعني أنَّ الفلسطينيين يسعون إلى أن تكون لهم دولة قومية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى أن تكون هذه الدولة (من الوجهتين القانونية والعملية) للشعب الفلسطيني بأسره باستثناء “عرب إسرائيل”، فهؤلاء هم الذين، بنيلهم المساواة التامة والحقيقية في الحقوق الديمقراطية والمدنية مع اليهود من مواطني “إسرائيل”، سيجعلون “الدولة ثنائية القومية” حقيقة واقعة هناك، أي في “إسرائيل”.

وهؤلاء هم الذين سيثبتون أنَّ “خطر الحق في البقاء” لن يقلَّ عن “خطر حق العودة”، فـ “يهودية” دولة “إسرائيل” لن تنجو من خطر “حق العودة”، إذا ما نجت، إلاَّ ليُحْدِق بها مستقبلاً خطر بقاء “عرب إسرائيل” حيث هم الآن.

ليفني تتمنى أن يُتَرْجَم “حلُّ الدولتين” بـ “الانتقال الجسدي” لـ “عرب إسرائيل”، أو لجزء كبير منهم، إلى الدولة الفلسطينية عند قيامها، أو بعد زمن قصير أو طويل من قيامها.

ولاستعصاء تحقُّق هذه الأمنية، أو أن تنال ما تطلب بالتمني، تحاول ليفني شيئاً آخر، هو أن يأتي “حلُّ الدولتين” بـ “ترانسفير حقوقي”، فيظلُّ “عرب إسرائيل” مقيمين حيث هم الآن؛ ولكن “حقوقهم السياسية والانتخابية” تُنْقَل إلى الدولة الفلسطينية، وكأنَّ جعل الكنيست يهودياً خالصاً من العرب هو الشرط الأولي لبقاء “إسرائيل دولة يهودية”، أو لتعزيز هويتها اليهودية.

إنَّ هذا “الترانسفير الحقوقي” يمكن أن يقبله الفلسطينيون جزءاً من الحل العام والنهائي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أو لقسم منهم؛ ولكنَّهم لن يقبلوه حلاًّ لـ “مشكلة عرب إسرائيل”، فهؤلاء ليسوا بلاجئين، ولن يكونوا جزءاً من مواطني الدولة الفلسطينية، فبقاؤهم جزءاً من مواطني دولة “إسرائيل” هو خير عمل يؤدُّونه خدمةً لمصالحهم، وللمصلحة العامة للشعب الفلسطيني.

* كاتب فلسطيني ـ الأردن

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....