الأحد 11/مايو/2025

ما يثير وما لا يثير الاستغراب!

ما يثير وما لا يثير الاستغراب!

صحيفة الوطن العمانية

كان يمكن للتصريحات التي أدلت بها تسيبي ليفني بشأن ترانسفير فلسطينيي الداخل أن تثير الاستغراب لو أنها – أي ليفني – جاءت بجديد مفاجئ وغريب عن المبادئ والمعتقدات والأسس التي أدت إلى قيام دولة (إسرائيل).

فهذه الدولة كانت (فاتحة) احتلال كامل أرض المشروع الصهيوني (من الفرات إلى النيل) وجعلها (يهودية خالصة) – ومعنى ذلك أن تكون خالية من أي عنصر أو جنس غير يهودي (فلا مسلم ولا مسيحي) مسموح له بالعيش في كنف (إسرائيل) – وهذا يسري أولاً وأكثر ما يسري على الفلسطينيين الذين ظلوا في وطنهم منذ عام 1948 حيث كانوا يشكلون ما نسبته 8% من مجموع سكان (إسرائيل) ليصبح عديدهم بعد ستين عاماً أكثر من مليون وأربعمائة ألف أو ما يعادل (19%) من مجموع السكان (في إسرائيل) القائمة على أرض فلسطين المحتلة في عام 1948.. وفي ذلك ما يعرف بالخطر الديمغرافي على المشروع الصهيوني في فلسطين.

الغريب هي الضجة التي قامت بها أطراف عربية وفلسطينية بالذات استنكاراً واستغراباً لتصريحات ليفني. لماذا الاستغراب ؟ أهي الخشية على حقوق شعب فلسطين أم الخوف على (مسيرة) أنابوليس التي ما جاءت إلا بالمزيد من المستوطنين والمستوطنات في القدس وفي الضفة الغربية؟ إن أردنا الحق فعلاً فالاستغراب هو ما تثيره إدارة بوش الراحلة في أيامها الأخيرة – إن في العراق أم في فلسطين. هذه الإدارة فاجأت الدنيا كلها بالدعوة لبحث مسيرة السلام والمفاوضات في مجلس الأمن الدولي وعلى مستوى وزراء الخارجية – وهي تبلور مشروع قرار (بهدف مواصلة عملية السلام) – أما ما الداعي فهو الملغوم حقاً – ذلك أن هذه العملية – على ما قدمته من متاعب وما سببته من مصائب للفلسطينيين – في ظل استمرار محاصرة مليون ونصف المليون منهم في القطاع – وفي ظل تهويد القدس – وفي ظل الانقسام الفلسطيني المأساوي ، والاستماتة الصهيونية في انجاز طرد فلسطينيي القدس وتهديهم ونسف منازلهم ومصادرتها – نقول إن هذه العملية تجد في الوسط الفلسطيني ذاته من يعلن ليلاً ونهاراً تمسكه بها، وفي كل الظروف.

لابد أن ثمة ما وراء الأكمة ما وراءها.. هنا – في القضية الفلسطينية وهناك في الدعوة إلى ضم العراق (لمجلس التعاون الخليجي) وهو لما يزل تحت الاحتلال.. ما دعا أمين عام المجلس إلى القول إن (الظروف غير ناضجة بعد لضم العراق إلى المجلس)، إضافة إلى الاتفاقية المثيرة للدهشة التي أبرمت قبل أن يطلع عليها شعب العراق وقبل إجراء الاستفتاء عليها بأكثر من سبعة أشهر.

هذا وذاك هما ما يدعواننا إلى الاستغراب وليست تصريحات ليفني التي لم تضف إلى معلوماتنا عن الحركة الصهيونية وعن مشروع (إسرائيل) أي جديد. الم يتعهد بوش بأن تكون فلسطين دولة (لليهود) ؟ الم يتعهد بذلك الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما؟ لماذا حملة الاستغراب إذاً؟ ولماذا لا يتم الجهر بما وراء دعوة الإدارة الأميركية مجلس الأمن لتدارس الوضع – وضع عملية السلام.. في ظل العودة للحديث عن (المبادرة العربية للسلام) مع السعي إلى (تعديلها) كي يقبل بها الاحتلال، وخاصة في ضوء ما أعلنه السيد قريع من استعداد إسرائيلي للانسحاب من (93%) من أراضي الضفة – مع التصريح المضاد الصادر عن تل أبيب -وهذا كله في حمأة المعركة الانتخابية في(إسرائيل). العجب أن ما يدعو فعلاً للاستغراب لا يثير الاستغراب، وأن ما لا يدعو للاستغراب هو الذي يثير الاستغراب.. ماذا هناك بالضبط؟

* كاتب فلسطيني 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات