السبت 10/مايو/2025

الرباعية الدولية… نهاية سياسات بيع السراب

الرباعية الدولية… نهاية سياسات بيع السراب

صحيفة الاتحاد الإماراتية

“التغيير” الذي وعد به باراك أوباما ينبغي أن يطبق فور تنصيبه، على ما يسمى الهيئة الرباعية الدولية. أولاً لأن هذه أثبتت بجدارة عدم جدواها وقصر نظرها. وثانياً لأن “الرباعية” اخترعتها إدارة جورج دبليو بوش لتغطية انحيازها البشع ل”إسرائيل” يوم كان أرييل شارون يعربد عنفاً وإجراماً في الضفة والقطاع. وقد أعطيت تلك الهيئة مهمة وضع “خريطة الطريق”، ثم مواكبة تنفيذها، لكن تبين أن وجود روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لا يشكل أكثر من صفر مفرّغ، وأن الدور الأول والكلمة الأخيرة هما للولايات المتحدة وحدها، أي ل”إسرائيل” التي كانت تدير سياسة أميركا وتضع جدول أعمال “الرباعية” وتتحكم بقراراتها من خلال موظفين في الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركيين.

في الاجتماع الأخير لـ”الرباعية” في شرم الشيخ كان واضحاً أن الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي سائر إلى تصعيد، بسبب انسداد الآفاق والأبواب أمام أي اختراق. فلا المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية أفلحت، ولا التهدئة بين غزة و”إسرائيل” قابلة للاستمرار، ولا شيء متوقعاً قبل تسلم الإدارة الجديدة في واشنطن والأرجح لا شيء يمكن توقعه منها قبل الربيع المقبل، وطبعاً هناك الانتخابات الإسرائيلية المرشحة بقوة لأن تأتي بطاقم من متطرفي “ليكود”، وإذا حصلت مفاجأة يمكن أن يفوز “المعتدلون” كما أصبح معسكر تسيبي ليفني يصنف، لكن هؤلاء “الحمائم” قد يأتون بأكثرية بسيطة ومركبة لا تخولهم الذهاب إلى “الحل النهائي”.

ولا ننسى المتاعب والمشاكل المرتسمة منذ الآن على الجانب الفلسطيني، فما يسمى “المجتمع الدولي” يكاد يقسم اليمين يومياً بأنه حريص على وجود السلطة الفلسطينية، إلا أنه عاجز تماماً عن تمكينها بل عاجز خصوصاً عن منع “إسرائيل” من مواصلة الإمعان في احتقارها وتعجيزها. في المقابل تؤكد “حماس” يومياً أنها لم تعد معنية بوجود هذه السلطة.

هذا الوضع الخطير لم يستحق من “الرباعية” أكثر من إعادة اجترار بياناتها السابقة لإنتاج بيان آخر تكمن أهميته الوحيدة في برهنته مجدداً على ألا شيء جديداً أو خلاقاً يمكن توقعه من هذه الهيئة الدولية رفيعة المستوى. إنها هيئة غير مسؤولة، ولم تنشأ لتتحمل أية مسؤولية، بل لتبيع الأوهام. فمن خلالها تتوهم روسيا أن لها دوراً في الشرق الأوسط، كذلك الاتحاد الأوروبي، كذلك الأمم المتحدة. لكنها هيئة فاعلة بالنسبة إلى الأميركيين والإسرائيليين، إذ أنها تتولى بنشاط تعطيل أي تدخل دولي في المسألة الفلسطينية. وفي خريف 2007 أعلن وزراء الخارجية العرب موت عملية السلام وطلبوا من مجلس الأمن الدولي استعادة الملف الفلسطيني، لكن واشنطن ضغطت لإبقاء الملف بين يدي “الرباعية”، ثم دعت إلى مؤتمر أنابوليس وضخّت بعض النشاط في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، والكل يعلم ما حصل بعد ذلك من توسيع للاستيطان وتشديد للحصار على غزة وتضييق على السلطة وزيادة لحواجز التفتيش.. وكل ذلك مخالف لتوصيات أنابوليس.

سقطت “الرباعية” عملياً، ونهائياً، أكثر من مرة. لكن بيع الأوهام ظل يضخ فيها إكسير الحياة. سقطت أولاً يوم فرضت “إسرائيل” عليها خطتها لتطبيق “خريطة الطريق”، وسقطت أخيراً يوم فرضت “إسرائيل” عليها خطتها للتعامل مع “حماس”. استسلم الروس والأوروبيون كما الأمم المتحدة لخط إيديولوجي متزمّت، ولم يدركوا إلى اليوم أنهم يباركون “خريطة طريق” إسرائيلية لتقسيم الشعب الفلسطيني وأرضه، بل يباركون إضعاف السلطة الفلسطينية حين لا يرون مهمة أخرى لها غير “التصدي للإرهاب”، كما يباركون حصار غزة الذي تحوّل عبئاً على الضمير العالمي وجريمة ضد الإنسانية.

لا مجال لاستمرار “هيئة الأوهام الرباعية” هذه، فإما أن ترحل مع بوش وإما أن تتغير مقاربتها ومهمتها إذا كانت لدى أوباما سياسة مختلفة فعلاً. لاشك أن مصيراً جديداً ينتظر هذه الهيئة، لكن “إسرائيل” قد تستغل مرحلة الفراغ الراهنة للقيام بما تسميه عملية عسكرية واسعة في القطاع، مستندة إلى أن مواقف “الرباعية” تشكل تغطية كافية لها. إذا حصلت هذه العملية فليس مؤكداً أنها ستحقق مصلحة ما للسلطة الفلسطينية، لكن إيهود باراك قد يظن أنها تنعش وضعه الانتخابي الخائب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات