الثلاثاء 13/مايو/2025

اليهودي العاق

اليهودي العاق

صحيفة الخليج الإماراتية

عندما رحل إسرائيل شاحاك، علق جنرال صهيوني قائلاً: إن الأم قد تخلصت من ابنها العاق، وكان شاحاك من أبرز اليهود الذين شككوا في الأسطورة الصهيونية وأدانوا المشروع الاستيطاني، لكن سرعان ما ظهر مؤرخ شاب اكتشف موقع مذبحة الطنطورة في فلسطين، ثم تعاقبت الفتاوى الحاخامية لحرمان من يقولون لا للمؤسسة العسكرية من الدفن في أرض الميعاد، وشملت هذه الفتاوى الملفقة رئيساً سابقاً لكنيست.

وعلى المؤرخ اليهودي تيدي كاتس أن ينتظر العقاب بعد أن قال بالحرف الواحد: إن الصهيونية نكلت بالفلسطينيين ستة عقود هي عمر النكبة، فقد سطت على الأرض وحاولت التمدد إلى الذاكرة والتاريخ.

وكان المؤرخ تيدي واحداً من الذين رافقوا سفينة يافا التي شقت البحر باتجاه غزة لاختراق الحصار لكنها سرعان ما واجهت القرصنة العسكرية ذاتها وأجبرت على العودة للوقوف أمام شاطئ تل أبيب.

إن هؤلاء الشهود من اليهود الذين أعلنوا العصيان على تعاليم رب الجنود المصنوع من برادة الحديد ورماد التوابيت، يقدمون ما هو أبعد وأهم من جملة معترضة في كتاب أسود، فهم رأوا الحقيقة من الداخل.

ورأوا بأم العين حسب تعبير شهير للمحامية اليهودية فاليسيا لانغر كيف أنجزت الجريمة، وكيف حاول شهود الزور تبريرها وتمريرها.

ما من يهودي تسول له نفسه أن يعترض على المشروع الاستيطاني التوسعي الذي يقضم الأراضي الفلسطينية إلا ويتعرض على الفور للعقاب، وهذا بحد ذاته افتضاح سافر لمزاعم الديمقراطية، لأن من لا يعلن موقفاً مع الصهيونية هو عدوها، ومثل هذه الثنائيات غالباً ما تقترن بالأيديولوجيات المنكفئة والمغلقة، والتي تعيش خارج التاريخ بفضل فائض القوة وليس فائض المنطق أو الحق.

ما نخشاه هو أن تصبح آراء من طراز ما قاله شاحاك أو شلومو رايخ أو الرئيس الأسبق للكنيست “بورغ” على يسار ما يقوله بعض المؤرخين العرب الجدد، الذين ولدوا من رحم اتفاقيات السلام غير المتكافئة، أو الذين يتقاضون أجراً عالياً مقابل قراءة التاريخ بالمقلوب.

وإذا كان ساسة الدولة الصهيونية وجنرالاتها وفقهاء الاستيطان فيها يقولون إن الفلسطينيين يشكلون لغماً ديمغرافياً قابلاً للانفجار في المستقبل المنظور، فمن باب أولى أن يرى هؤلاء اللغم الآخر، وهو التيار اليهودي المضاد للمشروع الصهيوني.

إن شاحاك وبورغ، وأخيراً تيدي كاتس لا يدافعون عن العرب بقدر ما يدافعون عن مستقبل أحفادهم اليهود، لأنهم يدركون بأن المؤسسة العسكرية حولت المستقبل إلى كمين لأجيال من اليهود، ما دامت قد زرعت كل هذا الحقد والكراهية، وقد تكون رواية يائيل دايان ابنة الجنرال موشي دايان التي شاركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وانتخبت عضواً في الكنيست وهي بعنوان “طوبى للخائفين”، خير وثيقة وجدانية لإدانة تربويات التعصب والكراهية والانكفاء العرقي.. فالمفارقة، هي أن من يزعمون عدم الخوف يصبحون ضحايا لفوبيا الخوف لعدة أجيال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات