هل يتآكل حزب العمل الإسرائيلي سياسياً؟

صحيفة الشرق القطرية

تشير استطلاعات الرأي الإسرائيلية المتعاقبة، إلى أن حزب العمل الإسرائيلي سيحصل على عشرة مقاعد (في أحسن الحالات) أو ثمانية وأقل (في استطلاعات أخرى) في انتخابات الكنيست القادمة في فبراير من العام القادم. ومن المعروف أن الحزب يحتل في الكنيست حالياً (19) مقعداً.

باختصار شديد فإن الحزب (التاريخي) وصلت أوضاعه إلى الحضيض بعد أن احتل لسنوات طويلة المركز الأول بين الأحزاب الإسرائيلية، وكان في أحيان كثيرة قادراً وحده على تشكيل الحكومات. هذا الوضع المتردي الذي يهدد بالقضاء التام على مستقبل الحزب السياسي حدا بالكثيرين من أعضائه، والبعض من أوساطه القيادية إلى الطلب من باراك (زعيم الحزب) بالتحالف السياسي والانتخابي مع كاديما وخوض الانتخابات في قائمة مشتركة. هؤلاء يرون في هذا الطريق وسيلةً وحيدة لتفادي هزيمة محققة، أوساط أخرى في الحزب تطالب بالاندماج التام بين الحزبين، بما يعني: أن غالبية الآراء السياسية في الحزب تقف ضد خوض الانتخابات بشكل منفصل، أي أن الخيارات أمام باراك، تتحدد بهذا التوجه ليس إلاّ! وبخاصة أن كافة استطلاعات الرأي ترجح فوز الليكود وزعيمه نتنياهو، إذا بقيت لوحة الأحزاب الإسرائيلية كما هي عليه حالياً.

المشكلة التي تواجه باراك في هذه الخيارات أنه ليس من (المعجبين) بتسيبي ليفني، زعيمة حزب كاديما، فقد سبق أن صرّح قبل أشهر قليلة (بأنها لم تحقق أي نجاح في حياتها السياسية، وأنها غير قادرة على تولي منصب رئيس الوزراء)، بينما في حالة توحيد الحزبين، أو دخولهما الانتخابات في قائمة مشتركة، فإنه وإضافة إلى فقدان منصبه في زعامة الحزب (سواء القديم أو الجديد) سيضطر إلى الترويج للقائمة المشتركة بزعامة ليفني، أي أنه وفقاً لصحيفة معاريف (الاثنين 1/12/2008) سيبدو انتهازياً وذليلاً في هذه الحالة. من المعروف أيضاً أن باراك وبعض مؤيديه في الحزب، خاضوا مباحثات مكثفة مع نتينياهو قبل أسابيع قليلة ماضية، بحثوا فيها: إمكانية ائتلاف الحزبين بعد الانتخابات في حالة فوز الليكود فيها بالمركز الأول. أي أن باراك عملياً يريد إبقاء الباب مفتوحاً أمام حزبه في خيارات الائتلاف الحكومي، وبخاصة أنه أقرب إلى نتينياهو فيما يتعلق بالنظرة إلى مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين والعرب، وذلك بغض النظر عن تصريحاته (السلامية) إن فيما يتعلق بالموقف من المبادرة العربية أو بمستقبل التسوية بشكل عام، فتلك التصريحات تنطلق من أسس تكتيكية سياسية ودبلوماسية أكثر منها تعبيراً عن وجهة نظر حقيقية.

من جانبها، فإن ليفني التي تواصل ضغوطاتها على رئيس الحكومة، إيهود أولمرت للتنحي عن منصبه في أعقاب قرار المستشار القضائي للحكومة، تقديمه لمحاكمة جنائية، وذلك لإدارة المعركة الانتخابية من خلال منصب رئاسة الحكومة، مما سيعطي دعماً أكبر لحملتها. (ليفني) أنكرت معرفتها بوجود تحرك من هذا النوع في حزب العمل، وقالت في تصريح لها خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي (لا علم لي بتاتاً بالموضوع. لقد قرأت هذه الأخبار في معاريف، وأنا مقتنعة جداً بحزب كاديما).

بالمعنى الفعلي، فإن حزب العمل يتنازعه تياران قويان، أحدهما يسعى إلى التحالف (أو الاندماج) مع حزب العمل، والثاني لم يحسم أمره بعد بزعامة باراك، الذي يتوجب عليه أن يحسم خياراته فإذا ما أصرّ على دخول الانتخابات بقائمة منفصلة (وهو الموعود بحقيبة الدفاع من نتنياهو إذا ما فاز الليكود)، فسيتعرض حزب العمل إلى انقسام جدّي، قد لا يتخذ شكل إنشاء حزب جديد للخارجين عن صفوفه، وإنما التحاقاً لهم بحزب كاديما (تماماً مثلما انسحب كثيرون من الحزب وعلى رأسهم بيريز بعد تشكيل شارون لحزب كاديما)، وفي هذه الحالة سيفاقم ذلك من أزمة (العمل) وينزل به درجات أخرى إلى الحضيض، والخيار الثاني أمام باراك يتمثل في الانقياد إلى أصحاب وجهتي النظر بالائتلاف (أو الاندماج) مع كاديما، وفي الحالة هذه لن يتبقى من الحزب أية مظاهر للوجود، أي أننا أمام إمكانية حقيقية لتلاشي هذا الحزب سياسياً وهو الذي يعتبر (تاريخياً) في “إسرائيل”!