حدث في غزة… يحدث في الخليل

صحيفة الوطن العمانية
ما الذي يحدث في الخليل؟
إنه لمنحى جديد في صراع قديم، أرادوه، ونفّذوه… اقترفوه بصراحة ووضوح، بل قل: بوقاحة وصلف… هي محطة تهويدية مستحقة في سياق مخطط قديم جديده دائم ومستمر، قد يتكيّف مع الزمن والظروف والوقائع وسوانح الفرص، لكنما هو لا يتغيّر ولا يتبدل ولا عودة لهم عنه.
مخطط، هدف، استراتيجية، هي كانت وتظل سيدة ثوابتهم، منذ أن كان مشروعهم… منذ أن كان أن تدبروا فدبروا، شاحذين خبثهم التليد وشاحنين حقدهم المعتق… دبّروا أمراً وكان أولى خطوات تآمرهم باتجاه انجاز هدف ارتكاب جريمة اغتصاب فلسطين.
منحى جديد لا يوارب ولا يكتم استهدافاته، أو يتستر على بشاعته… بشاعة ومدى عدوانية محتل باغ غاصب يغتنم فرصه المواتية… هذه المتمثلة، في سوانح غرب متواطئ، وعالم لا مبال حنطت مصالح أطرافه ضميره… ومعتد عليهم، انقسموا بين شعب مستفرد به يواجه مصيره ويداه مكبّلتان، وصدره عار، وظهره إلى الحائط، مستنفراً اسطورياته الخاصة به المنفرد بها وحده، صموداً وتضحيةً، وبطولاتٍ وفدائية إلى أقصى مداها، مناطحاً بكفه المنحرز… ساتراً بدمائه الزكية المراقة النازفة بعض عورات من تنطحوا لقيادته، منقسمين بين من انهزم في داخله وجوانيته ففرط وساوم واستسلم، ومن أوقعته خطايا ضيق أفقه الإستراتيجي في مهاوي زادتها روحه الإلغائية عمقاً وتأزماً… شعب يدفع ضريبة هاوية الساعي إلى الخطيئة والواقع فيها… مع فارق بين من سعى ومن وقع!
منحى استجد ليجدد قديمه. محطة تؤسس لرحلة ترانسفير مبيتة لتصفية شعب بكامله على درب محاولة تصفية قضية، وتثبيت أسفين دقه الغرب ذات يومٍ في صدر أمة، ليغدو مركزاً، ثكنة، قاعدة متقدمة له، كيان وظيفته استنزافها وإدامة قهرها والإسهام في إخضاعها والمساعدة في إطالة أمد تفتيتها. وهذا إذ يفعل يغتنم كما هو حاله دائماً، سانحة تأتيه من محال أمة تغط إرادة نظامها الرسمي في غيبوبة وفعله في عجز مستدام… عجز مقيت لدرجة تعليق فضيحة هروبه من مواجهة العدو على مشجب انقسام في ساح شقيقه الضحية… لوم المستفرد به، للتنصل من الالتزام بما هو من حقه عليه، نافضاً اليد من واجبه اتجاه قضية قضايا أمة بأسرها… وأحب، التهرب منه هو هروب من مستحق الدفاع عن وجودها برمته.
* * *
إنها الذكرى الأولى لهمروجة أنابوليس، التي مرت قبل أيام قليلة قطعان الصهاينة المستعمرين تحتفي على طريقتها بالمناسبة… انطلقت بقرار حكومي مدروس، وفي ظل حماية جيش الاحتلال المعتاد الولوغ في دم الفلسطينيين… انفلتت لتهلك الحرث وتدمر البيوت فتطرد النسل… عاثت وحشيتها وعلى مرأى من أبصار العالم المدّعي التمدّن وتحت طائلة سمعه.
منازل وممتلكات وبساتين زيتون في مدينة الخليل الرحمن ومحيطها تحترق، وعشرات من عربها جرحى، وطرفان قريبان وثالث بعيد يتفرجون:
أمن سلطة متخصص جداً فلا ينشط إلا في ملاحقة المقاومين، وعرب أستمرأوا عجزاً فلازالوا يتلهون بعرض مبادرة سلامهم المرفوضة على من رفضها في مهدها و اليوم يرفضها وإن يتحدث بمراوغة وخبث عنها… وعالم أدمن رفع إسرائيله إلى مرتبة العصمة الدائمة، والإقامة المستمرة فوق سدة ما فوق المسائلة والقوانين والمبادئ والأعراف الدولية، وحتى الإنسانية… وطرف رابع هو دائماً يتأرجح ما بين المقترب والمبتعد، عالم إسلامي يتفرج على وضع اللمسات الأخيرة على إتمام مشاريع تهويد بيت المقدس نهائياً… وبناء الهيكل… والتحول إلى إكمال تهويد الحرم الإبراهيمي… وأكنافهما… يتفرج على إحراق مسجد حمزة، وإضرام النيران في مسجد خالد بن الوليد، والعبث بمسجدي الراس والريان وتحطيم محتوياتهما… وأوساع طفلة والدها ضرباً في كنف الحرم الإبراهيمي المقسم، كأنموذج لتقسيم الحرم القدسي الشريف المنتظر… يتفرج العرب والمسلمون والعالم على شيء يشبه مجزرة الحرم قبل عقد، ويوالون الصمت المطبق… وأهل تل الرميذة، والسهلة في الخليل، شأنهم شأن سلوان وحي الشيخ جراح في القدس… شأن غزة، لهم الله…
كلهم يتفرجون عليهم، ويتابعون بصمت يقتل الضحايا غيظاً، ومن على الشاشات، ذات المشهد الذي اعتادوه وتعودوا عليه وأدمنوه. المستعمرون يحرقون ويدمرون، وجنود الاحتلال يحمونهم ويساعدونهم بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، ويطاردون معهم الأطفال لتعزيز مهمتهم… ويمنعون سيارات الدفاع المدني من إطفاء الحرائق ونقل المصابين من الضحايا، وإنقاذ عائلات حاصرتها ألسنة اللهب داخل بيوتها… هذا يحدث وكأنما عار السكوت على الحصار التجويعي الإبادي المترافق مع الاخترقات الدموية وجرف البساتين في غزة لا يكفي، قطعان المستعمرين المنفلتة تحت حماية جند الاحتلال ووفق الخطط المدروسة تشرك الضفة كلها، وليس الخليل وحدها، في عذابات غزة. مثله ما يحدث لبلدة حوارة جنوبي نابلس، التي لم تسلم بيوت فيها وفي قلقيلية مما جرى للخليل… وما بين سنجل وترمس عيا، والمدخل الرئيس للقدس والشارع الرئيس لأريحا… وزيتون قرية كركر… وحتى رام الله… أنها ساح يسرح ويمرح فيه الآن الحقد التلمودي والمخططات الاستعمارية وتواطؤ المتواطئين وصمت الساكتين وتلهي العاجزين.
فالفلسطينيون اليوم يواجهون منعطفاً تهويدياً تصفوياً هو الأخطر، انطلاق سياسة مضايقات وضغوط مواجهة في سياق مسار طرد بدأ… إنه بوادر الترانسفير في ظل الكلام الغامض الزائف عن المفاوضات والسلام الإسرائيلي… وما يعلق من آمال على تغيير الثوابت الأميركية-الصهيونية في المنطقة على مشجب متغير أوباما المنتظر، استبشاراً بوجه أمريكا بلونه الأسود بعد أن شارفت على توديع وجهها الأبيض المسود، أو هذا التغيير الأميركي جداً الذي شاءته المؤسسة ولم يأتي به من أتت به، والذي لا من يجادل بأنه لن يقو على أن يمس هذه الثوابت، والدليل طاقمه الذي أعلن عن ما يزيد على نصفه… هيلاري كلينتون، راحم عمناويل، روبيرت جيتس والجنرال جيمس جونز، ديفيد بتراوس، ومارتين أندك، ودنس روس، ونائب الرئيس جوزيف بايدين، صاحب نظرية تقسيم العراق!
… والفلسطينيون يتضورون في غزة وينزفون في الضفة، والجامعة ترسل فتاتاً لم يصل إلى الأولى وتشرع تمديداً لسلطة رام الله المفاوضة في الثانية… هنا لا شيء غير المفاوضة في ظل محدلة التهويد… مفاوضات شاءها إلى يوم الدين.
لكنما نسجل لرام الله: أن ياسر عبد ربه هدد بالرد عبر مجلس الأمن، وقريع بالشكوى للرباعية، وأبو ردينة أنذر من يهمهم الأمر من المستعمرين بأن ما يفعلونه سوف “يؤدي إلى نهاية عملية السلام”!!!
* * *
أجل إنه لمنحى تهويدي ومحطة جديدة في سياق يخدم ذات الإستراتيجية العتيقة، والخليل وشقيقاتها في الضفة والقطاع يطرحن السؤال التالي:
هل الأمة غائبة أم مغيبة؟!
سؤال علقمي ولا أمرّ منه، ولعل الأكثر مرارة هو الجواب:
الاثنان معاً. غيبوها فغابت وسلس تغييبها وطال، لكنما، الأمل، وحتى القدر، يشي بأن لما هو له مثيل تاريخها، مجداً، وعراقة، وأصالة، ومخزون كفاحي هائل ولا ينضب، سوف لن تطول له غيبة، ونهوضها وعد حق، لا ريب ولا مراء فيه، بل وليس ثمة من مفاجأة فيما هو قريب قدومه، إلا لمن هو جاهلها، أو لا يعرفها، أو متجاهل لا يريد معرفتها، أو مستلب من بني جلدتها لا يؤمن بهذه التي هي من صفاتها وسماتها وعاداتها، شأن دون تكاثروا بيننا مثل بوم ناعق على أطلال حطام كرامتها، تلك التي تكاثر أعداء الخارج والداخل واجتمعوا على تمريغها في المحن… وشأن عجزة غابت إرادتهم فغابت الحمية، فحل محلها انهزاميتهم، التي هي هي قبل سواها من سدّدت لوجدانها المثلوم نصالها لتتكسر على نصال أعدائها، وهم كثر… أمة عبث أعدائها في القلب منها، وتناهشت أقلياتها أطرافها، وضربوا روافع وركائز نهوضها حين نجحوا في تحييد كبير حيّد، ودمروا قوي دمّر، وأنزفوا من ينزف.
* * *
… نقول هذا لأن لا فلسطين بلا أمتها العربية، ولا أمة عربية لها ولنفسها بدون فلسطينها… لأن فلسطين بوصلة نهوض أمة… بوصلة بدونها لا انعتاق ولا مستقبل لقادم أجيالها.
ستتحول الخليل، القدس، غزة، عكا… فلسطين، إلى لعنة تطارد محتلها، ومن يرعاه… ومن لا ينصرها… ستلاحق كل من يسمع ويرى ويتجاهل أو يعجز، أو يصمت… ستطارد ضمير أمة وستشهد على لا إنسانية عالم… وستظل الضفة وغزة، والمحتل في العام 1948… فلسطين، ما دام هناك من يؤمن بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب…
كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

أهالي طلاب مدرسة بنات القدس يحتجون على إغلاقها من الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام احتج أهالي مدرسة بنات القدس، يوم الأحد، على إغلاق قوات الاحتلال مدرستهم التابعة لوكالة الغوث وتشغيل...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...

الاحتلال يقتحم مجمع المدارس في حلحول ويشدد إجراءاته العسكرية في الأغوار
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الطلبة بالاختناق، اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة مجمع المدارس في بلدة حلحول...

إصابة مواطنين برصاص الاحتلال في بنت جبيل جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، في بلدة مارون الراس الحدودية، قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان....