بابور الكاز يبتسم لأهل غزة!

صحيفة الدستور الأردنية
كان بابور الكاز وسيلة عملية رخيصة لمصدر النار والوقود للطبخ والنفخ أيام زمان في بيوت الأغنياء والفقراء قبل وصول الأفران الغازية والكهربائية لدورنا. وهو بالطبع ليس من اختراعنا فهو مصنوع في الغرب كما تشير الماركة المدموغة عليه “صنع في ألمانيا” كما على بابور الغاز العتيق الذي يزيد عمره على خمسين عاماً، احتفظ به على صندوق خشبي تراثي في مدخل بيتي كقطعة تراث “من ريحة” أمي رحمها الله. وربما صنع البابور خصيصاً لسوق العرب نظراً لتوفر الكاز والغاز والطاقة بجميع أشكالها في عالمنا العربيّ.
أهل غزة أعادوا بابور الكاز إلى المطبخ لاستعماله ليس كزينة بل للحاجة الماسة له في إشعال النار وإنتاج الطاقة التي يطبخون عليها ويتدفأون في البرد القارص بعد تعبئته بالكاز عندما تسمح “إسرائيل” بإدخاله للسوق المحطم.. ها هو بابور الكاز ذو الحجم الصغير ينزل إلى الأرض والحياة العملية ليخدم أهل غزة بسبب الحصار المريع الذي تضربه “إسرائيل” عليهم لقتل الناس جسمياً ومعنوياً. وها هو (أبو علي) الغزيّ ابن الخمسة وستين عاماً، صاحب محل تصليح البوابير في غزة يعمل بشكل متواصل ويستقبل الطوابير لتصليح بوابيرهم المتقاعدة ليدب المهنيّ الفخور بمهنته الحياة فيها. وحالما يجرب العجوز النشط البابور بنارها الحمراء وصوت البابور أمام الزبائن يجعلها تبتسم للناس الذين فقدوا البسمة حزناً وجوعاً ومرضاً، والعالم العربي والعالم “الغربي المتحضر” يتفرج. يتفرج على الشباب الذين يبحثون عن “الجذوة” لتبقى الشعلة مضيئة تسخن إيمانهم بالمستقبل.
“إسرائيل” لا تريد للفلسطينيين العمل لإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم المسروقة. “إسرائيل” تعمل بتخطيط مدروس على محاولة إعاقة أي تقدم للفلسطينيين في العلم حتى البسيط منه ولذلك تعطل المدارس وتغلق الجامعات خوفاً من العلم وتعلم الصناعات العملية التي تفيدهم في حياتهم اليومية المعذبة. ما يغيظ “إسرائيل” هو أن الفلسطينيين رغم عذابهم تحت الاستعمار الجديد لم يفقدوا إصرارهم على العمل بشتى الوسائل لتحرير فلسطين. ولذلك صنعوا القذائف في البيوت لترد على التغوّل المتواصل عليهم. ولم يفقدوا الحماس لتحرير فلسطين وهم يصنعون قذائف القسام من أدوات منزلية بسيطة أصبحت تخيفهم ودباباتهم التي تكلف البلايين لقتل النساء والأطفال.
ها هو بابور الكاز ينضم اليوم للمعركة.. يصلّح أهل غزة البوابير في الوقت الذي تبقى المعابر مغلقة من جميع الجهات وحتى معبر رفح الذي يربطهم ببوابة العرب. تبقى الأبواب مغلقة، رغم صياح قلة في الشارع العربي “قليل الحرارة” ، وبعض حافلات الخير من الأردن التي تعبر للمساهمة في إنقاذ أهل غزة من الكارثة الإنسانية التي لا مفر منها والعالم يتفرج. صمود أهل غزة يغيظ العدى ، وتشترط “إسرائيل” أن ترفع الحصار مقابل وقف قذائف القسام التي يطلقها المقاومون صوب المستوطنات الإسرائيلية المبنية على أراضي الفلسطينيين. هذه الأدوات التي “اخترعها” المقاومون من أجل البقاء والدفاع عما تبقى من الأرض.
بابور الكاز اليوم يستعد مع أهل غزة لوصول الكاز الذي تمنعه “إسرائيل”، ينتظر البابور مادة الكاز للوصول لتطبخ الأمهات والجدات الطبخات المفضلة (السماقية والفقاعية) التي افتقدها الكثيرون مع الكثير من الفلفل الحار، وكذلك (الهيطلية) للأطفال والمرضى كوجبة ضرورية ساخنة لهم. البابور يدخل البسمة المؤجلة حتى وصول الكاز ولحين عودة (فرن الغاز أو الكهرباء) إن وجد للعمل به “كأداة عصرية أكثر تقدماً من البابور” إذا ما وصلهم الغاز والكهرباء المتوفرة على مرمى حجر منهم.
أهل غزة في حصارهم التاريخيّ الكارثي وقطع الطاقة عنهم، يضيئون الشموع لإيجاد بعض الضوء لأطفال المدارس الذين يواصلون القراءة والكتابة من أجل تعلم المزيد من الوسائل لمكافحة العدو. ورغم أن الشموع هي في الغرب لخلق الجو “الرومانطيقي” فهي في غزة وسيلة لرؤيا الطريق الصحيح لدحر الاحتلال عن أرضه.
حرب البابور والشموع ستستمر وستزيد معاناة أهل غزة وسيتعب هذا الشيخ الجليل الذي يصلح بوابير الكاز العتيقة، وسيشتاق أهل غزة للسماقية والفقاعية والملوخية والبامية، ولحم الدجاج لشوربة المريض وسيظل الحصار محكماً وظالماً إذا لا تتحرك الدول العربية المتفرجة وإذا لم تستح “إسرائيل” ومن يدعمها لرفع الحصار اليوم فبل الغد. ولننتظر لنرَ ، ولنظل نقول ما العمل؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...