السبت 03/مايو/2025

دراسـة: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غـزة بين معاناة اللجوء وواقـع الحصار

دراسـة: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غـزة بين معاناة اللجوء وواقـع الحصار
تحاول هذه الدراسـة إبراز أوضـاع اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، حتي منتصف عام 2008م، موضحةً اتجاهات التغيير في أوضاعهم في ضوء مستجدات الحصار لقطاع غزة، كونهم يمثلون جزء هاماً من الشعب الفلسطيني، وشهدوا مأساتـه نتيجة طردهم من وطنـهم، بالإضافة إلى أنهم يمثلون 23% من إجمالي أعداد اللاجئين الفلسطينيين، وثلثي السكان القاطنين في قطاع غزة.

يشغل قطاع غزة الشريط الجنوبي الغربي من السهل الساحلي الجنوبي لفلسطين، وهو عبارة عن شريط ساحلي صغير، يرتفع عن سطح البحر بأمتار قليلة؛ إذ يبلغ أقصى ارتفاعه بمحاذاة بيت لاهيا ليصل إلى 83 متراً، ويمتد طوله من نقطة معبر بيت حانون في أقصى الشمال إلى معبر رفح في الجنوب الغربي، على طول 41 كم، بينما يبلغ أقصى عرضه في جزئه الجنوبي الغربي 12/13 كم، وأما في أواسط القطاع فإن عرضه لا يتجاوز 5/6كم فقط، ليعود ويتسع قليلاً عند بيت حانون في الشمال فيبلغ 5/9 كم.

أولاً: الأوضاع الاجتماعية والديمغرافية
تعتبر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من المؤشرات التي يمكن من خلالها التعرف على تطور المجتمعات ورقيها، وذلك من خلال توفير أفضل الخدمات للمواطنين، والتي ربّما تكون في كثير من الأحيان مدعاةً للتباهي، والنجاح لبعض القيادات الحاكمة في معظم البلدان. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للواقع الفلسطيني بقطاع غزة؛ إذ ارتبط نجاح، وتباهي القيادات الإسرائيلية الحاكمة بمدى تدميرها للقطاعات الاقتصادية، والاجتماعية الفلسطينية، مع استبقاء الحد الأدنى من مستويات الحياة المعيشية. لذلك كان لتلك السياسات المتراكمة خلال سنوات الاحتلال، وحتى بعد الانسحاب من قطاع غزة، الأثر المباشر في إيجاد تغيرات ديمغرافية، واقتصادية، وسياسية شكلت في مجملها الخصائص العامة للسكان في قطاع غزة، وخاصةً اللاجئين منهم الذين يشكلون ثلثي أعداد السكان القاطنين في القطاع تقريباً، ويتوزعون في جميع أنحاء القطاع، فمنهم من يقيمم داخل المخيمات الثمانية، وهناك أعداد أخرى تعيش في المدن، والقرى وفي مشاريع الإسكان.

تتزايد أعداد اللاجئين بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة؛ إذ ازداد عدد اللاجئين بحوالي الثلث منذ العام 1999م، وشكلت نسبة الزيادة السنوية 2.8%، قياساً بعام 2007م ليصل عدد اللاجئين القاطنين في قطاع غزة لعام 2008م 1059.584، منهم 47% من اللاجئين موزعين علي المخيمات الثمانية، وتُعتبر هذه الزيادة أعلى نسبة زيادة سكانية في المنطقة، وهذا راجع لازدياد النمو الطبيعي للاجئين، وارتفاع أعداد المواليد الذي يعدّ مؤشراً واضحاً لارتفاع معدلات الخصوبة الكليّة بين اللاجئين التي تصل إلى نحو 6 مواليد طيلة حياة المرأة الإنجابية. ومن الخصائص التي يتميز بها سكان القطاع بشكل عام، وسكان المخيمات بشكل خاص، هي ارتفاع نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشر من العمر– باعتبارها فئة غير منتجة إذ تتعدى 50%-، مما يؤدي إلى إرتفاع أعباء الإعالة بين الأسرة اللاجئة، التي وصلت إلى نحو 4 أفراد، أي أن كل فرد في سن العمل، يعيل إضافةً إلى نفسه ثلاثة أفراد آخرين من خارج قوة العمل، وهذا يتعارض مع ظروف، ومستوى المعيشة في ظل تدنى مستوى الخدمات المقدمة للفئة التي تُمثل القاعدة الأساسية للسكان،  كل ذلك مع الأخذ بالاعتبار ضيق ومحدودية المساحة الجغرافيه لقطاع غزة، ومساحة المخيمات.

أما بالنسبة للمخيمات التي اتجهت إلى التوسع الأفقي، ونحو الاندماج مع مناطق المدن المسجلة بها، وأصبح من الصعوبة تمييزها عن المناطق المحيطة به، فيعاني الفلسطينيون فيها من مشكلات اجتماعية، وصحية حقيقية ناجمة عن الاكتظاظ، والازدحام، وضيق المساحة، ونقص المباني السكنية الكفيلة بإيواء الأعداد المتزايدة من السكان والتي وصلت نسبتها إلى70% ضمن أوساط السكان اللاجئين، وخاصةً في المخيمات- ممّا دفع السكان إلى اعتماد البناء العمودي، والتوسع على حساب الشوارع، وأدى إلى انعدام التهوية، وتحول الشوارع إلي أزقة، وبذلك يتجه الوضع داخل المخيمات إلى الانفجار الاجتماعي، والسكاني خلال السنوات المقبلة، وخاصةً مع مشكلة انعدام وسائل الترفيه في المخيمات؛ إذ أن رياض الأطفال لا يستوعب إلا أعدادأ محدودة جداً منهم، ممّا يعني تضخم ظاهرة انتشار الأطفال في شوارع، وأزقة المخيمات التي يلعبون بها، وكثيراً ما يتعرضون لحوادث تودي بحياتهم أو تصيبهم بعاهات لعدم وجود أماكن يقضون فيها وقت فراغهم، وهذا راجع إلى التصاق المنازل بعضها البعض، وعدم وجود مساحات كافية بينها.

ثانيا ً: الأوضـاع الاقتصاديـة والمعيشيـة
تُعتبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من الجهات الرئيسة التي تحملت مسؤولية تقديم  الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للاجئين بشكل خاص بعد أن باشرت عملها في الأول من أيار/ مايو 1950م، ومنها مهمة تأمين الإغاثة المباشرة للاجئين من غذاء، ومأوى، وصحة، وتعليم…، وركزت جهودها في البداية على توفير خدمات الإغاثة الأولية التي شكلت 80% من ميزانيتها. ويُقصد بخدمات الإغاثة التي تقدمها الأونروا توزيع حصص الإعاشة الأساسية، وتوفير المأوى أو المساعدة في الحالات الفردية الخاصة أو الظروف العامة كنزوح اللاجئين، أو حدوث دمار أو أضرار بالمأوى على نطاق واسع؛ إذ يتم تقديم هذه الخدمات إلى اللاجئين الفلسطينيين المسجلين فقط.

ورغم تنوع الخدمات الاجتماعية، والاقتصادية التي قُدّمت للاجئين، إلا أنها في النهاية لم توفر للاجئين الضمان الاجتماعي الكافي، ويرجع ذلك إلى طبيعة تلك الخدمات غير المنتظمة من ناحية الكمّ أو الكيف، لأنها تعتمد في الأساس على الهبات، والمساعدات الدولية غير المنتظمة، فضلاً عن أن اختلاف مصادر تلك الخدمات، جعل اللاجئين في بحث دائم لتوفير احتياجاتهم الاجتماعية، والاقتصادية، ممّا أفقدهم الشعور بالاستقرار الاجتماعي، في وقت سعت فيه إسرائيل دوماً إلى تعطيل عمل العديد من المؤسسات الدولية، والمحليّة بهدف تشديد الخناق الاجتماعي، والاقتصادي على الفلسطينيين، كعقاب جماعي، في وقت تراجعت فيه المعونات المقدمة من الأونروا بسبب الإغلاق الدائم لجميع المعابر الحدودية، والرئيسية التي تمرّ عبرها حركة الناس، والبضائع  منذ حزيران/ يونيو 2007، والتي تسببت في تعطيل شديد لعمل الأونروا.

بقي معبر المنطار، الممر الرئيسي للسلع التجارية، مغلقاً، باستثناء فتح مسلك منفرد بشكل متقطع للحبوب والأعلاف. ويجري استخدام معابر بديلة في صوفا، وكرم أبو سالم لنقل المستلزمات الإنسانية، وكميات محدودة جداً من السلع التجارية. وعكفت “إسرائيل” على فرض قيود مشددة على عبور معظم البضائع المتعلقة منها بالمعونات الإنسانية مما ترتب عليه نقص شديد في السلع الأساسية التي أصبحت بأسعار تفوق قدرة السكان.

وألحق نقص المواد الخام، ومواد البناء، والإغلاقات أضراراً بنيوية قد لا يكون من الممكن إصلاحها بالنسبة للقطاع الخاص الذي لا يزال في مراحل نموه الأولى؛ إذ تعتمد غالبية الصناعات في غزة على التصدير، وتعتمد أيضاً على “إسرائيل” في توفير المواد الخام، ولا تستطيع مواصلة العمل في ظل الظروف الراهنة. وبالفعل، فقد أفاد اتحاد الصناعات الفلسطينية مؤخراً بإغلاق 95% من مصانع غزة، ممّا أدى إلى فقدان أكثر من 32.000 فرصة عمل، وأنذر باحتمال انهيار القطاع الصناعي بأكمله، وتمّ أيضاً تعليق العمل في مشاريع تنموية بقيمة  213 مليون دولار أمريكي منها مشاريع خاصة بالبنية التحتية للمخيمات تديرها الأونروا بقيمة 93 مليون دولار بسبب عدم توفر المواد الخام. ولا يوجد أي أفق لاستعادة العمل بهذه المشاريع  في ظل الأوضاع السائدة بالقطاع في ظلّ عدم وجود بدائل حقيقية لتنفيذ تلك المشاريع، والتي لو تم تنفيذها لكان من شأنها أن تعطي دفعة قوية لتحسين واقع اللاجئين الذين هم بأمس الحاجة إليها من الناحية المادية، وهي من الممكن أن تساعدهم على تحسين ظروفهم الاقتصادية والمعيشية. هذا علاوة علي الأزمة المعيشية الناتجة من تقليص إمدادات الكهرباء، والوقود للسكان التي خلفت أزمةً حقيقيةً يومية للمدنيين في غزة كجزء من رزمة من العقوبات الاقتصادية والمعيشية المتصاعدة، ممّا أدى إلى انخفاض يُقدّر بنسبة 47% في كمية السولار الذي تم توفيره، وانخفاض بنسبة 9% في كمية البنزين الصناعي. وكان من شأن استئناف هذه الخطوات العقابية أن تركت تأثيرات بالغة على رفاهية السكان، وحركة المواطنين في قطاع غزة، مع العلم أنها تمثل خرقاً لواجبات إسرائيل الإنسانية بصفتها قوة احتلال. وذلك على الرغم من التحذيرات الدولية بأن مثل هذه الخطوة تعتبر مخالفة لالتزامات “إسرائيل” بموجب القانون الدولي تجاه المدنيين الفلسطينيين.

ولم يسلم قطاع البناء والإعمار، والذي تقلّص بشكل كبير بسبب القيود على استيراد المواد الخام. فقد انخفضت حصته في توفير فرص العمل للقوى العاملة من 10% في عام 2003م إلى ما يقارب 3% في الوقت الراهن ممّا زاد من فرصة البطالة في غزة التي تعاني أصلاً من أعلى معدلات البطالة في العالم، فحسب التعريف الموسع للبطالة كانت نسبة 37.6% من القوى العاملة في غزة تعاني من البطالة في الفترة بين حزيران/ يونيو، وأيلول/ سبتمبر2007م. كما أن النسبة أعلي من ذلك في أوساط اللاجئين؛ إذ ازدادت بنسبة تقارب 20% ما بين الربع الثاني، والثالث من العام نفسه، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة بواقع 45.3 بالمائة. وانعكست معدلات البطالة المرتفعة على معدلات الإعالة؛ أي أن عدد الأشخاص المُعالين من قبل كل شخص عامل. فعند الربع الثالث للعام 2007م  بلغ معدل المعالين 7.4 في غزة و4.9 في الضفة الغربية، بالمقارنة مع  5.9 و 4.3 على التوالي عشية الانتفاضة.

خلفت الأزمة الاجتماعية الاقتصادية المتواصلة التي اتسمت بقيود شديدة القسوة على حركة الفلسطينيين، والتدمير المتكرر لمقوماتهم المادية، ارتفاعاً كبيراً في الفقر، والبطالة على مدى الأعوام السبعة الماضية، وبشكل خاص في عام 2007م، وبداية عام 2008م، مع هبوط حاد في مستويات دخل الأسر ممّا أدى إلى ارتفاع عدد العائلات في غزة التي تعيش تحت خط الفقر إلى مستوى غير مسبوق، وليقارب 52% حسب تقرير صادر عن الأونروا في 24 تموز/ يوليو 2008 فإن عدد العائلات في غزة التي تعيش تحت خط الفقر قد وصلت لأعلى معدلاتها قياساً بالأعوام السابقة؛ إذ ارتفعت إلى 51.8 بالمائة لعام 2007م. أما التقديرات الأخيرة لعام 2008م فتشير إلى أن 80% من الفلسطينيين في قطاع غزة تحت خط الفقر، بالمقارنة مع 20% لعام2000م، ومنهم 90.165 من اللاجئين مسجلين ضمن حالات العسر الشديد، ويقصد بهم من لا يملكون قوت يومهم، ويشكلون 10% من اللاجئين في القطاع بالمقارنة مع 8%  لعام 2006م، وتعتبر هذه النسبة الأكبر قياساً بالمعايير الدولية.

ويشير التقرير إلى أن شريحة الشباب في القوى العاملة من 15 إلى 24 عاماً هي الأقل حظاً في الحصول على عمل، والأكثر عرضة لارتفاع البطالة في أوساطها. وعلق كريستوفر جونيس المتحدث الرسمي باسم الأونروا على ذلك قائلاً: إن حرمان الشباب من المستقبل الاقتصادي يعني حرمانهم من الأمل، وعندما يتلاشى الأمل، فما الذي يتبقى؟ وهل من حلّ أفضل للحدّ من اليأس، والبؤس الاقتصادي الذي يحكم قبضته على جيل كامل من أن يُعاد فتح حدود غزة؟
هذا كلّه دفع الأونروا إلى إطلاق نداء لتقديم المساعدة الإنسانية، والإغاثة العاجلة مع بداية عام 2008م لتحقيق  تخفيف أثر الأزمة الأشد وطأة على اللاجئين من خلال دعم شبكة الأمان الاجتماعي للفئات الأكثر انكشافاً، وضمان وصول الخدمات للاجئين.

ثالثاً : الأوضاع التعليميـة
لا شك أن العلم هو المحور الرئيس في تطور الشعوب وتقدمها، فهو يساعد على تقدم المجتمعات ورقيها، فالمجتمعات المتحضرة تهتم اهتماماً كبيراً بالتعليم في شتي المستويات والمراحل. ولهذا لعب التعليم الدور الأساسي في حياة اللاجئين، ليسيروا قدمـاً إلى الأمـام. ولقد اكتسب التعليم أهميةً خاصةً لدى الفلسطينيين الذي شُرّدوا عن أرضهم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...