السبت 10/مايو/2025

هذا الطريق العربي للمصالحة الفلسطينية مسدود

هذا الطريق العربي للمصالحة الفلسطينية مسدود

صحيفة الوطن القطرية

حدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى موعداً لاجتماع وزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة في القاهرة في السادس والعشرين من الشهر الجاري، قبل يوم واحد من الذكرى السنوية الأولى لانعقاد مؤتمر أنابوليس، وربما كان هذا التزامن مصادفة وربما لم يكن، لكن الموضوعين الرئيسيين على جدول أعمال عمداء الدبلوماسية العربية اللذين أعلنهما موسى، وهما عملية السلام العربية – الإسرائيلية والمصالحة الفلسطينية، لم يتركا مجالاً للشك في العلاقة الوثيقة بين الموضوعين، فمؤتمر أنابوليس قد بنى العملية الدبلوماسية التي أطلقها باسم السلام على أساس الانقسام الفلسطيني واستمراره والمنطق يقضي بأن يقود فشل هذا المؤتمر إلى تمهيد الطريق أمام إنهاء حالة الانقسام في الحركة الوطنية الفلسطينية، غير أن الاستعدادات المعلنة للاجتماع الوزاري العربي تشير إلى أن الموقف العربي في اتجاهه الرئيسي ما زال مرتهنا لعملية أنابوليس بقدر ارتهان الشريك الفلسطيني لها.

إن استمرار الإجماع العربي على البناء على مؤتمر أنابوليس الذي قرر تعويم قيادة فلسطينية وتمويلها وتمكينها أمنياً ضد قيادة فلسطينية منتخبة قرر أيضاً أنها جزء من «الإرهاب» العالمي وبالتالي ينبغي محاصرتها تمهيداً لاستئصالها سياسياً ومقاومة وتنظيماً وحتى في تعبيرات العمل الخيري الاجتماعي لها، إنما يحكم بالفشل المؤكد مسبقاً على أي وساطة عربية، مصرية كانت أم غير مصرية، عربية جماعية أم منفردة، لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

وهذا الموقف العربي، بالإضافة إلى موقف الرئاسة الفلسطينية وقطب الانقسام الوطني الذي تقوده، في إعلانها التزامها المستمر بـ «عملية أنابوليس» يؤكد أن الهدف من الحوار الفلسطيني الذي يسعى الموقفان إليه لا يزيد على كونه مجرد مسعى لإنهاء الانقسام الفلسطيني باعتباره مجرد «عقبة» في طريق عملية أنابوليس يتذرع بها الراعي الأميركي لهذه العملية للتنصل من وعوده لـ «الشريك» الفلسطيني بإقامة دولة له قبل نهاية العام الحالي ويحتج المستفيد الوحيد الإسرائيلي منها للتنصل من التزاماته بموجبها.

وعند التدقيق في أين تكمن هذه «العقبة» المطلوب أميركياً وإسرائيلياً إزالتها من طريق أنابوليس لا يمكن لأحد مهما كان ساذجاً سياسياً أن يخطئ في الاستنتاج بأن هذه العقبة تتمثل في النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة وفي حركة حماس التي أفرزتها تلك الانتخابات كقيادة شرعية ينبغي أن تكون نتيجة لذلك شريكة في صنع القرار الوطني الفلسطيني، وهو ما جرى عليه انقلاب سياسي تجسد في الحصار الذي فرض على حكومة حماس الأولى ثم على حكومة الوحدة الوطنية التي قادتها بعد اتفاق مكة عام 2007 مما قاد إلى تحويل أزمة ازدواجية الشرعية الفلسطينية إلى وضع الانقسام المستعصي الراهن، ولا يمكن هنا إغفال الحقيقة الساطعة كالشمس في ظهيرة يوم صحراوي صيفي بوجود دور عربي وفلسطيني ساهم بوعي ونشاط وفعالية في إيصال الأمور إلى الوضع الفلسطيني الراهن.

إن أي مسعى عربي لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية يتجاهل هذه الحقائق المستمرة للتاريخ القريب جداً إنما يسعى في الواقع إلى محاولة يائسة محكوم عليها بالفشل مسبقاً نحو وحدة للصف الوطني الفلسطيني مبنية على هرم مقلوب رأسه مؤتمر أنابوليس بينما قاعدته الوطنية، كما عبر عنها الإجماع الوطني الفلسطيني في اتفاق القاهرة عام 2005 ووثيقة الوفاق الوطني في العام التالي، معلقة في الهواء.

ومن الواضح تماماً أن أجندة أنابوليس التي يوجد شبه إجماع عربي على التوافق عليها تفتقر إلى الحد الأدنى من أي توافق وطني فلسطيني عليها، لا بل يكاد يوجد شبه إجماع فلسطيني على معارضة مؤتمر أنابوليس انعقاداً ونتائج وشكلاً ومضموناً وتواجه الرئاسة الفلسطينية المعارضة لانفرادها كشريك فيه من فصائل ائتلاف منظمة التحرير الذي تقوده ومن خصومها السياسيين في ائتلاف المعارضة الذي تقوده حماس على حد سواء، ومن الواضح أيضاً أن الوسيط العربي بسبب عجزه عن الانفكاك من أنابوليس وأجندتها يعجز أيضاً عن الاستمرار في محاولة فرض هذه الأجندة على أشقائه الفلسطينيين مما يجعله كذلك عاجزاً عن التوازن بين فرقاء الانقسام الفلسطيني ليجنح إلى الانحياز بينهم صراحة أحياناً وبصورة غير صريحة لكنها لا تخفى على لبيب في معظم الأحيان، كما يتضح من مقدمات الإعداد لمؤتمر وزراء الخارجية العرب هذا الأسبوع.

إن السر في نجاح وزراء الخارجية العرب في إنهاء الانقسام الفلسطيني يكمن أولاً وأخيراً في الفصل بين الوحدة الوطنية الفلسطينية، كهدف مستحق بسرعة في حد ذاته وكشرط لنجاح أي مشروع وطني فلسطيني مقاوماً كان أم مسالماً، وبين مؤتمر أنابوليس واستحقاقاته عربية كانت أم فلسطينية، فمثل هذا الفصل وحده سيجعل مسائل تبدو الآن شائكة أسلس على الحل، مثل مسألة التذرع بميثاق جامعة الدول العربية ونظامها لإجازة حضور أحد طرفي الانقسام الفلسطيني الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية واستبعاد الطرف الآخر في مؤتمر يحتل الانقسام الفلسطيني بين الطرفين بنداً رئيسياً على جدول أعماله ، فمثل هذه الذريعة تبدو مفتعلة تماماً عندما تستقبل عواصم المؤتمرين كل على حدة قادة طرفي الانقسام كليهما وعلى أرفع المستويات.

لا بل إن هذه الذريعة تبدو مفروضة على العرب تحت التهديد من الشريكين الأميركي والإسرائيلي في عملية أنابوليس، فعلى سبيل المثال يمكن التذكير هنا بالتهديد الذي نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في الخامس من الشهر الجاري عن وزيرة خارجية دولة الاحتلال تسيبي ليفني بأن حكومتها ستوقف المفاوضات مع الرئاسة الفلسطينية إذا تمخض الحوار الفلسطيني الذي كان مقرراً انطلاقه في القاهرة يوم العاشر من الشهر الحالي عن اتفاق لا يتضمن إذعان حركة حماس للشروط الإسرائيلية الثلاثة المعروفة التي تبنتها لجنة الوسطاء الرباعية الدولية، وهذا الطريق إن سار فيه وزراء الخارجية العربية في اجتماعهم المقبل هو طريق عربي مسدود بالتأكيد للمصالحة الفلسطينية، لا بل إنه طريق سيحول الوساطة العربية إلى عقبة جديدة أمام الوحدة الوطنية الفلسطينية وإلى عامل عربي يضاف إلى العوامل غير العربية لإطالة أمد الانقسام الفلسطيني. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...