خيمة في القدس

صحيفة الخليج الإماراتية

الخيمة التي نصبتها أم كامل الكرد لتؤويها مع زوجها المعاق، في الساحة الصغيرة الباقية أمام منزلها بحي الشيخ جراح في القدس، والذي طردتها القوات “الإسرائيلية” منه بالقوة، قبل بضعة أيام، وأحلت مكانها فيه مجموعة من المستوطنين اليهود، تبرز الآن في المشهد السياسي المقدسي الراهن، باعتبارها عنواناً لمعنى الصمود الفلسطيني في مواجهة آلة التهويد “الإسرائيلية” المستمرة للقدس.

ولأن هذا العنوان بالذات، هو ما يقلق “إسرائيل” التي تؤسس خطواتها الاستيطانية الحالية في القدس على وقع انشغال العالم كله عنها، بالأزمة المالية الكونية الطاحنة والمتفاقمة يوماً إثر يوم، ناهيك عن الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، فإنها تلاحقه بمختلف إجراءات القمع، في محاولة منها لطمسه ومنعه من الثبات القوي تحت الضوء.

إلى ذلك، لن تتوقف “إسرائيل” عن إصرارها على إزالة هذه الخيمة، وإزالة عائلة الكرد نفسها من القدس، فقد اعتادت على أن تهدم المنازل الفلسطينية في القدس، أو أن تصادرها وتطرد أصحابها منها بمختلف الذرائع والحجج، ثم تدفع إلى داخلها بالمزيد من المستوطنين اليهود، من دون أن تجد في مواجهتها في كل مرة، سوى بيانات الشجب والاستنكار من قبل المواطنين الفلسطينيين، ومن قبل بعض المؤسسات القانونية والإنسانية. فلماذا يكون عليها الآن، أن تواجه هذه الخيمة التي “تشذ” عن العادة السائدة؟ والتي تتحول إلى مزار مادي لتجميع قوى الصمود والتحدي؟ وماذا صار حتى نبتت هذه الفكرة الجديدة في الذهنية الفلسطينية المقدسية، ممثلة باحتواء العراء المقدسي، بدلاً من الإسراع المذل نحو الخروج إلى بيت مريح في رام الله مثلاً، أو في أي مكان توفره السلطة الوطنية، شرط أن يكون خارج القدس؟

الواقع أن عائلة الكرد تمثل نموذجاً فلسطينياً جديداً في الصمود، لا يقوم وفق تلك “العادة” القديمة على الرفض السلبي، ثم الرضوخ والنسيان، أو ما يشبه النسيان، طالما أن قوة الاحتلال الاستيطاني لا تكترث بالقانون، ولا تلتفت لأدنى حالة إنسانية. ولكنه يقوم على الثبات على أرض القدس، ولو في خيمة.

ومن المهم عدم بقاء هذه الخيمة وحدها. ومن المهم حماية تلك القطعة الصغيرة من الأرض التي نصبت عليها هذه الخيمة ذاتها. فقد توالت الأخبار أن السلطات “الإسرائيلية” قامت بتسليم أم كامل الكرد مرسوم مخالفة مع تغريم بمبلغ 430 شيكلاً، بحجة أن خيمتها أقيمت بصورة غير قانونية على أرض عامة. ومتى كانت “إسرائيل” تعرف الفرق بين ما هو قانوني، وما هو غير قانوني؟ ولسوف تتكاثر “المراسيم” القمعية في إطار تصاعدي مرتبط بكثرة الأيام التي تبقى فيها الخيمة قائمة ومعلنة عن بقاء إرادة عائلة الكرد على استرداد بيتها. قطعة الأرض المعنية على أية حال، مملوكة للمواطن الفلسطيني المقدسي كمال عبيدات، وهو في سياق هذه الملكية، أتاح لعائلة الكرد بقناعته ورضاه، أن تنصب خيمتها على أرضه مؤقتاً، حتى تتمكن في نهاية المطاف من العودة إلى بيتها. ولكن السلطات “الإسرائيلية”، وهي من جانبها تعرف سلفاً أن هذه القطعة من الأرض، ذات ملكية فلسطينية خاصة، قد تلجأ إلى مصادرتها أيضاً، أو إلى اصطناع واختلاق طوفان من العقبات والعراقيل التي تهدد من خلالها هذا المواطن الفلسطيني الغيور، لإجباره على التخلي عن موقفه الداعم لخيمة عائلة الكرد.

وهذا مجرد جانب واحد من عشرات الجوانب الأخرى التي تعمل “إسرائيل” عبرها على تكريس تفريغ القدس المحتلة من أهلها الفلسطينيين، وتكثيف وتيرة التهويد فيها. وهو ما يؤكد على أهمية خيمة عائلة الكرد، كطريق مغاير لما سبق، في سبيل تعطيل هذه الوتيرة، والوقوف بصلابة في وجه التفريغ.