السبت 10/مايو/2025

ماذا بعد تأجيل حوارات القاهرة الفلسطينية؟

ماذا بعد تأجيل حوارات القاهرة الفلسطينية؟

صحيفة الوطن العمانية

قبل أن تبدأ أعمال الحوارات الداخلية الفلسطينية ـ الفلسطينية التي كان قد تقرر عقدها في العاصمة المصرية في التاسع من الشهر الجاري. كان العديد من المراقبين والمتابعين، وبالرغم من تفاؤل الكثيرين، يشككون بإمكانية التئامها في الموعد المذكور وذلك على خلفية التباينات التي تتالت بين مجموع القوى والفصائل خصوصاً بين حركتي حماس وفتح بشأن الورقة المصرية التي قدمت تحت عنوان (مشروع الحل الوطني الفلسطيني). ومن حينها بان بشكل واضح بأن الأمور لم تنضج بعد لإتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية الشاملة، وتالياً لم يكن قرار تأجيل عقد جلسات الحوار الوطني الفلسطيني الشامل في القاهرة من قبل الجهة المصرية المعنية مفاجئاً بالنسبة للعديد من المراقبين المحايدين، بالرغم من الجهود والاتصالات التي تمت حتى اللحظات الأخيرة مع مختلف الأطراف من أجل احتواء عوامل التباين والاختلاف.

وفي حقيقة الأمر، إن جولات الحوارات الفلسطينية التي تمت خلال السنوات المنصرمة الماضية، ومنها الجولات الحوارية التي تواتر انعقادها في القاهرة منذ ما قبل التوصل إلى وثيقة الوفاق الوطني العام 2005، لم تترك انطباعاً طيباً أو إيجابياً لدى الشارع الشعبي وحتى عند المتابعين لأوضاع الساحة الفلسطينية، بل تركت انطباعاً متخماً بالريبة والشكوك بسبب من العملية الاستخدامية السياسية التي اختفت وراءه، الأمر الذي طالما اشتكت منه حتى فصائل المنظمة وبعض المحسوبين على اليسار فيها. فالجولات الحوارية التي تمت من حينها، والتي تقطعت في انعقادها لم تشهد تحقيق نتائج فعلية لجهة إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وحل مشاكل البيت الداخلي الفلسطيني بل كانت حفلات استخدامية إعلامية لا أكثر ولا أقل وذلك على نحو يتم معه توظيف الحدث لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، فيما طغى التعصب التنظيمي الأعمى الذي يغلب المصالح الذاتية والتنظيمية على المصالح العامة.

وبالطبع فإن الانطباع السلبي الذي توالد طوال الفترات الماضية من جولات الحوارات التي تتالت، لا ينفي ضرورة العملية الحوارية كأسلوب لا بد منه لحسم التباينات والاختلافات وحتى التعارضات داخل الساحة الفلسطينية لصالح اشتقاق البرنامج الوطني الذي يوحد الجميع تحت سقفه، ويعمل على تحييد القوة في حل المشكلات الداخلية، ووقف عملية احتكار القرار ومصادرة دور المؤسسات وتغييب دور الشعب.

وما عزز ووثق من رأي المتابعين الحياديين لمسألة التشكيك بانعقاد الحوار في موعده الأخير في العاصمة المصرية يوم التاسع من نوفمبر الماضي، تعالي بعض الأصوات الفلسطينية المسؤولة التي شككت بإمكانية التئام الاجتماعات في موعدها منطلقة من رؤيتها لهشاشة الحلول التوافقية المقدمة، وهو ما يبرر التصريح المتشائم الذي عبر عنه نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد نخالة، وهو التصريح الذي نقله موقع (عرب 48 الالكتروني في 6/11/2008) ودعا فيه الفلسطينيين إلى عدم التفاؤل بالحوار المرتقب لأن “هناك عقبات كثيرة وكبيرة تواجهه”. كما انطلقت تصريحات مشابهة من رموز بعض الفصائل المنضوية في إطار المنظمة أو خارجها كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي سجلت مجموعة من الملاحظات على الورقة المصرية بدءاً من عنوانها الأول، وكذا عدد أخر من القوى والفصائل. وبالطبع فإن الشكوك التي ساورت المراقبين والمتابعين بإمكانية انعقاد ونجاح موعد القاهرة الأخير ليست آتية من فراغ، ذلك أن هناك ثغرات وقعت في الإجراءات والخطوات الضرورية قبل الحوار أضعفت الأمل في إمكانية التئام الاجتماعات المقررة وفي إجراء المصالحة المنشودة.

وعليه، قررت مصر بقرار منها تأجيل افتتاح الحوار الوطني الشامل إلى أجل غير مسمى، بعد أن أصرت حركة حماس، وأربعة فصائل فلسطينية على ضرورة تلبية عدد من الشروط لمشاركتها فيه، وهو ما تلقفته حركة حماس والفصائل الأربع المشار إليها بارتياح كما يبدو، حيث كانت نية القوى إياها اتخاذ خيار الغياب السيء بدلاً من خيار المشاركة الأسوأ وفق ما ذكرته بعض المصادر المطلعة، ما تسبب في انفعال المسؤولين المصريين على نحو غير مسبوق كما نشر في وسائل الإعلام، وكما كشفت عن ذلك طبيعة الاتصالات الهاتفية التي جرت عقب إعلان قرار التأجيل، الذي يتوقع أن يطول أجله لفترة زمنية طويلة نسبياً، من شأنها أن تنعكس كذلك سلباً على طلب مصر تمديد التهدئة التي سبق التوصل إليها لمدة ستة أشهر تنتهي نهاية العام الحالي.

وفي الحديث المباشر عن الساعات التي سبقت الإعلان عن تأجيل اجتماعات القاهرة التي كان قد تقرر عقدها يوم (9/11/2008) فإن عدم كفاية التحضيرات كما أسلفنا، كانت سبباً في تأجيل إقلاع قاطرة الحوار، وللضبابية التي خيمت على الورقة المصرية التي قدمها الطرف المصري للأطراف الفلسطينية جميعها، فالورقة المصرية التي قدمت للفصائل احتاجت إلى تنقيح ومراجعة، لأنها قدمت بمثابة مشروع للمصالحة، فقد وضع العديد من القوى ملاحظات مباشرة على الورقة المصرية تم تقديمها أو طرحها إعلامياً، بما في ذلك ملاحظات من القوى والفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) على سبيل المثال.

وحتى ندرك حقيقة تلك الثغرات فإن الأمر يقتضي أن نرجع قليلاً إلى الوراء، لكي نتتبع جذور المشكلة وخلفياتها، ومنها ابتعاد الورقة التوافقية المقدمة عن اشتقاق رؤية جامعة للأطراف الفلسطينية وتحديداً بين الاتجاهين الرئيسيين (حركة حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي وألوية الناصر صلاح الدين والجبهة الشعبية/ القيادة العامة والصاعقة وبعض القوى مقابل خط المنظمة الرسمي ممثلاً بحركة فتح وعدد من فصائل المنظمة)، فكانت اللغة السياسية للورقة تصب لصالح رؤية برنامجية وسياق سياسي محدد كان فيه من الصعوبة إن لم نقل من الاستحالة أن تقبل به بعض الأطراف المؤثرة على مجرى الحوار وتحديداً حركت حماس والجهاد الإسلامي بغض النظر عن رأي كاتب السطور أو أي من المتابعين للأوضاع الداخلية في الساحة الفلسطينية.

ووفق مصادر فلسطينية متابعة فقد جرت اتصالات مكثفة في اللحظات الأخيرة بين القاهرة وكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إضافة لحركة فتح، أبلغت فيه القاهرة الأطراف الثلاث أنها لن تأخذ بالاعتبار الملاحظات التي أبدتها بعض الفصائل على الورقة المصرية التي قدمت لها باعتبارها مشروعاً وطنياً فلسطينياً. الأمر الذي بات من اللحظة إياها يهدد بأزمة جديدة قد تكون قيد التبلور في الطريق، ومن شأنها عرقلة المصالحة، المنشودة، وإطالة أمد الأزمات الداخلية في البيت الفلسطيني.

ومن هنا، أقول برؤية ومنطق المراقب للأمور من الدائرة الخارجية، إن الخطأ تمثل في تقديم الورقة بصفتها مشروعاً متكاملاً للحل لا تقبل التعديل، بينما كان من الأمثل تقديمها بصفتها قاعدة للحوار حتى يمكن لها أن تستوعب الملاحظات المقدمة من الجميع وحتى يصبح الطريق مفتوحاً أمام طريق إعادة بناء الوحدة الوطنية. فهناك العديد من القضايا التي وردت في الورقة تشكل (شئنا أم أبينا) عناوين اشتباك سياسي وخلاف كبير بين حركتي حماس وفتح حيث لم يعد كافياً توصيف الأوضاع في الساحة الفلسطينية بمصطلح الأزمة فقط، فهذا التعبير بات يدخل في باب المجاملات السياسية، والتعبيرات المواربة، بمعنى أن الساحة الفلسطينية تواجه مشكلات سياسية كبيرة من جانب، وعضوية تكوينية من جانب أخر. وبالتالي فان وضع (الأصبع على مكمن المشكلة) يحتاج لتحضيرات جدية غير عجولة أو مسلوقة لتمرير استحقاقات هنا أو هناك، وتحتاج لنقاش وحوار هادئ من أجل تفكيكها وإنهائها ومن ثم الانتقال إلى القضايا التفصيلية المطروحة لرأب الصدع الداخلي في البيت الفلسطيني.

من جهتها، كانت حركة فتح ومعها بعض فصائل المنظمة ترى بأن الورقة المصرية موضوعة للتطبيق، وأن الحوار استوفى عناصره المحددة من خلال دعوة كل القوى المعروفة التي كانت قد شاركت في حوارات القاهرة عام 2005، بينما نظرت حركتي حماس والجهاد والقيادة العامة والصاعقة للأمور بمنظار آخر، دعت فيه لاعتماد الورقة كقاعدة للحوار، وإضافة لضرورة استكمال الدعوات المصرية المنقوصة للأطراف الفلسطينية، باعتبار أنها (أي الدعوة) اتجهت نحو ترتيب اصطفافات محددة تنم عن انحياز سياسي واضح من قبل الجهات الداعية، وحشد لقوى تصطف إلى جانب نهج سياسي في السلطة، حيث لم توجه الدعوة لكل من الجناح الأخر لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية، والحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري، وألوية الناصر صلاح الدين، والمبادرة الوطنية،… علماً أن عدداً من الفصائل المدعوة من الطرف المصري للحوار غير ممثل في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وتحمل أسماء لها نظير معارض كالجبهة العربية الفلسطينية ومجموعة جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة واصل أبو يوسف.

وفي هذا السياق بذلت القاهرة بشخص اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات الحربية جهوداً إضافية لتذليل هذه العقبة من خلال توجيه الدعوة للأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني خالد عبد المجيد حيث تشير مصادر فلسطينية مطلعة إلى اتصال وقع بين مسؤول في المخابرات المصرية وخالد عبد المجيد تم إبلاغه خلاله بدعوته للحضور للحوار، وأنه سيتم الاتصال بالفصائل الأخرى غير المدعوة، وتوجيه دعوة لها، ليتبين في اليوم التالي عدم الاتصال ببقية الفصائل غير المدعوة، وأن الدعوة التي وجهت لعبد المجيد، الذي يشغل كذلك أمانة سر لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني الفلسطيني، وأمانة سر تحالف القوى الوطنية، ورئاسة اللجنة التنفيذية للملتقى العربي والدولي لحق العودة هي فقط للجلوس في مقاعد حضور جلسة الافتتاح، غير المشاركين في الحوار، ما دعاه لرفض مثل هذه المشاركة التي اعتبرها مشاركة شكلية توفر له ولوفد جبهة النضال التي يمثلها التقاط الصور فقط وفق ما صرح عبد المجيد في وقت لاحق.

أخيراً، إن القاهرة التي يعز عليها أن تفشل إلى الآن في طي صفحة الانقسام الفلسطيني، وعجزها عن تحقيق المصالحة الفلسطينية، ستبادر على الأرجح لوضع ثقلها مرة ثانية لإنضاج شروط ومتطلبات الحوار الفلسطيني. وفي هذا السياق فإن مصادر دبلوماسية مرموقة أشارت لنا بأن النية المصرية تتجه الآن لاتخاذ تكتيكات جديدة تقوم على إدارة حوار مباشر في الظل (سري) بين حركتي حماس وفتح يمهد الأرضية للحوار الشامل المنشود. فهل تنجح القاهرة أم تفشل مرة جديدة ؟

كاتب فلسطيني ـ عضو اتحاد الكتاب العرب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات