بين خريف أنابوليس… وربيع موسكو!

صحيفة الشرق القطرية
في مثل هذا الشهر من عام 2007، انعقد مؤتمر أنابوليس بالقرب من واشنطن، بحضور الرئيس جورج بوش، هذا المؤتمر الذي خرجت منه اللجنة الرباعية والمراقبون السياسيون بتفاؤل كبير، كان يوحي بحل الصراع بين الفلسطينيين و”إسرائيل” في عام 2008، العام الذي جعل منه الرئيس الأمريكي عام إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.
بعد أنابوليس كما قبلها، كثفّت رايس من زياراتها إلى المنطقة، وقبل رحيل إدارتها المرتقب، أصرّت وزيرة الخارجية الأمريكية على عقد اجتماع للجنة الرباعية في شرم الشيخ، (بعد زيارتها للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني) في محاولة لإعادة إحياء مقررات المؤتمر بحقن شرايينه ببعض الفيتامينات، لكن المحاولة فشلت أيضاً، فما كان من اللجنة الرباعية سوى إصدار بيان قرأه الأمين العام للأمم المتحدة، جاء فيه (بأن اللجنة الرباعية أكدّت أهمية مواصلة عملية السلام من خلال اتفاق الوسطاء على أن ربيع 2009 ربما يكون موعداً مناسباً لاجتماع سلام دولي في موسكو).
وبين خريف أنابوليس، الذي يبدو وكأنه يعيش أنفاسه الأخيرة، وربيع موسكو المقترح، تكمن مجموعة من الحقائق التي تشي بأن المؤتمر العتيد لن يكون أفضل حالاً من المؤتمر الذي سبقه بالقرب من العاصمة الأمريكية، ولعل أبرز هذه الحقائق تتمثل فيما يلي:
أولاً: جعلت الولايات المتحدة من نفسها وسيطاً (نزيهاً) للسلام لكنها فشلت في مهمتها الشرق أوسطية، كما فشل رئيسها في تنفيذ وعوده التي أجلّها مراراً، كما فشلت كل جولات الوزيرة رايس إلى المنطقة (والتي تتجاوز العشرين في عددها منذ تعيينها حتى اللحظة)، وكل ذلك بسبب أن هذه الإدارة ليست وسيطاً عادلاً بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، بل هي تتماهى مع وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بالتسوية، وليس أدل على ذلك من رسالة الضمانات التي أرسلها بوش إلى شارون في عام 2004 (وقرأها الأخير من على منصة مؤتمر هرتسيليا) وفحواها. وقوف الولايات المتحدة قلباً وقالباً مع المواقف الإسرائيلية بالنسبة للحقوق الفلسطينية (وهي عملياً تتنكر لها تماماً) وبالنسبة للمبادرة العربية.
ثانياً: الفشل الذريع لكافة اللقاءات التي عقدها الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وكذلك حال اللقاءات بين اللجنتين الفلسطينية والإسرائيلية برئاسة قريع- ليفني، في الخروج بأية نتيجة نظراً للتعنت الإسرائيلي وجملة المواقف الإسرائيلية، التي لا تتمثل في نوايا حقيقية إسرائيلية لإحلال سلام عادل مع الفلسطينيين أو مع العرب، ولكن تنصّب بشكل رئيس على الإيحاء دولياً وإعلامياً بأن حركة ما سياسية تدور بين الجانبين، والإيحاء أيضاً بأن “إسرائيل” تعمل من أجل (السلام).
ثالثاً: إن إدارة بوش على أبواب مغادرة البيت الأبيض، وأن إدارة أمريكية جديدة سيجري تنصيبها في يناير القادم بعد فوز أوباما في الانتخابات الرئاسية، وأن الرئيس الجديد وإلى جانب انشغاله بالقضايا الداخلية الأمريكية، وبخاصة الاقتصادية منها بفعل تركة بوش الثقيلة، فإن فترة لا تقل عن السنة تلزمه لدراسة ملف الشرق الأوسط، إضافة إلى أن الصراع العربي- الإسرائيلي قد لا يكون أحد أولويات أوباما في السنة الأولى من رئاسته.
رابعاً: إن “إسرائيل” على أبواب انتخابات تشريعية جديدة، مفتوحة على احتمالات كثيرة، قد يفوز بها الليكود برئاسة نتنياهو صاحب اللاءات المعروفة بالنسبة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وقد تفوز فيها ليفني بأغلبية ضعيفة، ربما تحتاج معها إلى تأييد من قبل الأحزاب اليمينية الصغيرة، وهذه لها اشتراطاتها المتعنتة في التسوية هذا على افتراض أن ليفني هي صاحبة مواقف متميزة! بينما هي في الحقيقة محسوبة على الصقور الإسرائيليين.
خامساً: إن تجربة عام مضى على مقررات أنابوليس، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، بوجود الهوة الكبيرة بين القضايا المكتوبة في قرارات وبين الواقع العملي، كذلك الأمر بالنسبة لخارطة الطريق التي اقترحها الرئيس بوش نفسه وتبنتها الإدارة الأمريكية، فرغم مضي سبع سنوات أو ما يزيد على خارطة الطريق، لم تُلزِم الولايات المتحدة “إسرائيل” بتطبيق بندٍ واحد منها، إضافة إلا أن قرارات أنابوليس والتي هي دون طموحات الشعب الفلسطينية بكثير، بقيت حبراً على ورق أيضاً، بالتالي فما الضمانة بأن لا تكون مقررات مؤتمر موسكو (هذا فيما لو تم عقد المؤتمر فعلياً) على شاكلة سابقاتها في أنابوليس؟ مما يعطي الاستنتاج بأن عقد مثل هذه المؤتمرات ليس سوى محاولة لإقناع أطراف اللجنة الرباعية لذواتهم، بأنهم ليسوا مقصّرين في محاولة (صنع السلام بين الفلسطينيين والعرب من جهة، والإسرائيليين من جهة أخرى)!
سادساً: إن ميزان القوى في الصراع العربي- الصهيوني ما زال يميل (للأسف) لصالح “إسرائيل”، التي أثبتت التجارب أنها لا تخضع سوى للغة القوة، أي في الحالة الفلسطينية هي لغة المقاومة، والأخيرة لا يجري الحديث عنها بالنسبة للسلطة الفلسطينية بالطبع، بل جرى وقفها، وبالنسبة لغزة، فإن التهدئة هي الحالة المسيطرة حتى هذه اللحظة.
من جانب آخر، فإن الانقسام الفلسطيني، وفشل الحوار بين الفصائل الفلسطينية هو نقطة ضعف تضاف إلى نقاط الضعف الفلسطينية الأخرى، الأمر الذي يلقي بثقله وتداعياته المتمثلة في حالة ضعف للمفاوض الفلسطيني أمام الإسرائيليين وفي المؤتمرات الدولية أيضاً، الأمر، الذي سيؤثر بالضرورة على طبيعة مقررات مؤتمر موسكو المنوي عقده في الربيع القادم.
جملة القول: إنه وحتى لو تم عقد المؤتمر في موسكو وفي الربيع، ومهما كانت بلاغة مقرراته، فلن يكون أولاً سوى مؤتمر ومقررات خريفية تتساقط أوراقها واحدةً بعد أخرى على طريق عُرْيها التام…هكذا علّمتنا مقررات أنابوليس!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

استطلاع: نتنياهو يحصل على 48 مقعدًا والمعارضة 62
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام كشف استطلاع رأي نشرته صحيفة معاريف، اليوم الجمعة، أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحصل على 48 مقعدًا في...

الاحتلال يعترف بمقتل جنديين في اشتباكات رفح ويكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، تفاصيل ثقيلة لخسائر صفوف جنوده خلال اشتباكات وقعت يوم أمس في...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...

صدمات نفسية تحول دون التحاق الاحتياط بجيش الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت دراسة إسرائيلية، أن نحو 12 بالمئة من جنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، الذين شاركوا بحرب الإبادة في...

الحوثي: أولويتنا إسناد غزة والعدو فشل باستهداف قدراتنا
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكد قائد جماعة "أنصار الله" اليمنية عبد الملك الحوثي، يوم الخميس، أن أمريكا و"إسرائيل" فشلتا في مواجهة القدرات...