الاحتلال الإسرائيلي «يقونن» نفسه

صحيفة العرب القطرية
يسعى الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة بشكل خاص، إلى إظهار نوع من الشرعية الوهمية له، استمراراً لمحاولاته الدائمة لإظهار “إسرائيل” على أنها دولة قانون وهو ما يتعارض كلياً مع كونها دولة تمارس الاحتلال.
ونشهد بشكل دائم سلسلة من التشريعات والقوانين التي يقرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، أو سلطات الاحتلال بنفسها، في حين تعرض كثير من القضايا المتعلقة بجرائم الاحتلال على جهاز القضاء الإسرائيلي، خاصة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، ولكن الغالبية الساحقة والجوهرية لقرارات هذه المحاكم تخدم سياسة الاحتلال بشكل مباشر وتقدم التبريرات لجرائمه.
وما استدعى طرح هذه القضية الآن، هو الكشف عن مؤامرة جديدة تحاك ضد الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، تتلخص في «موافقة» سلطات الاحتلال على تسجيل آلاف الدونمات في سجل «الطابو» (التسجيل العقاري) باسم عصابات مستوطنين، وشطب كلي لأسماء أصحابها الفلسطينيين الشرعيين الذين انتزعت سلطات الاحتلال أراضيهم منهم بالقوة في سنوات مضت، وتبين أن سلطات الاحتلال تستند في قرارها الجديد إلى قانون عثماني أقرته السلطنة العثمانية منذ 150 عاماً، يمنح ملكية أرض لشخص لا يملكها ولكنه سيطر عليها لمدة عشر سنوات وأكثر، وخلال هذه الفترة لم يدخلها صاحبها الأصلي، وفي حال الفلسطينيين تم حرمانهم من الدخول إليها واستخدامها.
ويعترف محلل إسرائيلي بأن خطورة هذا القرار تكمن في أنه سيكون سابقة، وفاتحة لتسجيل أراضي المستوطنات والبؤر الاستيطانية في سجلات «الطابو» بأسماء المستوطنين، في حين أن هذه الأراضي صادرها جيش الاحتلال بزعم استغلالها «لشؤون أمنية»، ثم نقلها للمستوطنين لبناء مستوطناتهم.
ومن باب تقسيم الأدوار، تحسباً لردود فعل دولية، فقد رأينا المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية «يلتمس» إلى المحكمة العليا ضد قرار الهيئة القضائية في جيش الاحتلال التي أصدرت هذا القرار، وما هذا إلا إجراء وقائي لامتصاص النقمة في حال ظهورها.
فقد علمت التجربة أن كل ما يبادر له المستوطنون، حتى وإن بدا وكأنه ضد إرادة حكومة الاحتلال فإنه يتحول إلى الثابت على الأرض، وأبرز مثال على هذا هو البؤر الاستيطانية التي سنأتي على ذكرها هنا.
وأخطر خطوة في مجال «قوننة» الاحتلال الإسرائيلي، بمعنى تشريع قوانين له، هو قرار ضم القدس المحتلة وهضبة الجولان السورية المحتلة إلى «السيادة الإسرائيلية» حسب النص القانوني، ليتبع هذا سلسلة من القوانين التي تقيد أي حكومة إسرائيلية في أي مفاوضات قد تؤدي إلى انسحاب جزئي من هاتين المنطقتين، بزعم أنهما جزء من «أرض إسرائيل».
ومنذ سنوات بتنا نقرأ قاموساً احتلالياً في مجال القوننة هذا، فمثلاً في الضفة الغربية هناك «مستوطنات شرعية» على الأرض الفلسطينية المسلوبة، وتستمد هذه المستوطنات «شرعيتها» الموهومة من كونها نشأت بقرار من حكومة الاحتلال، بينما هذه الحكومة تطلق مصطلحاً آخر وهو «مستوطنات غير شرعية»، ويُنسب للبؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون، ويبلغ عددها أكثر من 110 بؤر، وهي تسمية أيضاً لامتصاص النقمة، فرغم كل تعهدات “إسرائيل” بإزالتها، فإنها لا تزال قائمة، وتحظى بدعم مادي ومعنوي من حكومة الاحتلال.
كذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي وخلال بنائه جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وفي داخل القدس المحتلة، استند في كثير من سياساته إلى قرارات صادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية التي قامت بدور أساسي في محاولة لتبييض صورة هذا الجدار، إذ استصدرت بعض القرارات التي تلزم سلطات الاحتلال بإجراء تعديلات محدودة في مسار الجدار في بعض النقاط، ولكنها في الوقت نفسه حاولت فرض «شرعية» على بنائه من حيث المبدأ، برفضها قرار المحكمة الدولية التي رفضت بناء الجدار العنصري.
ولا يتوقف الأمر عند الاستيطان، فشراسة التشريعات الإسرائيلية تستفحل أكثر في كل ما يتعلق بتفاصيل حياة الفلسطيني اليومية في المناطق المحتلة، فمثلاً أقر الكنيست في الأشهر الأخيرة بالقراءة النهائية قانوناً يمنع أي فلسطيني من مقاضاة الاحتلال أمام المحاكم الإسرائيلية بسبب أضرار تكبدها من جرائم الاحتلال، حتى وإن اعترف الاحتلال بأنه ارتكب جريمته «عن طريق الخطأ» كما جاء في القانون.
وفي المقابل فإن المحاكم الإسرائيلية تنظر في عشرات الالتماسات والدعاوى التي قدمها يهود ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، بزعم أن أصحابها تضرروا من عمليات المقاومة الفلسطينية، وبدأت المحاكم باستصدار أحكام تغرّم السلطة الفلسطينية بملايين وحتى عشرات ملايين الدولارات، لتحتجز سلطات الاحتلال هذه المبالغ لاحقاً من أموال الضرائب التي تجبيها “إسرائيل” لصالح السلطة الفلسطينية عند الموانئ والمعابر الدولية.
كذلك، هناك خطأ يُرتكب من دون قصد، حينما يتجه فلسطينيون أو جهات حقوقية إلى جهاز القضاء الإسرائيلي لاستصدار أوامر ضد الاحتلال، فهذا إجراء كسيف ذي حدين، وقد يتحول إلى ضربة مرتدة، فالتوجه إلى قضاء الاحتلال يعني الاعتراف بقراره مسبقاً، وفي حال كان قراره مسانداً لقرار الإجراءات الاحتلالية، وهو الطابع الأغلب لقرارات المحاكم الإسرائيلية، فيعني أن المتوجه أسهم من دون قصد في محاولة قوننة الاحتلال، وإظهار “إسرائيل” كـ «دولة قانون».
ولهذا فمن الضروري إعادة النظر في مجرد فكرة التوجه للقضاء الإسرائيلي، الغارق أصلاً في مظاهر العنصرية، وهذا ما تثبته حتى دراسات جامعية إسرائيلية كشفت عن مدى التمييز العنصري في قرارات المحاكم بين اليهود وبين فلسطينيي 48، لنعرف أن الأحكام والغرامات التي تفرض على العرب هي أضعاف تلك التي تفرض على اليهود، إذا كانوا يواجهون نفس التهم.
إن المنطق الإنساني، وحتى القانون الدولي، يؤكد عدم الانسجام بين الاحتلال ودولة القانون في آن واحد، إلا أن “إسرائيل” تستغل الصمت العالمي واختلال موازين القوى لصالحها، أيضاً في هذه الناحية، كما في نواح أخرى عديدة.
قد يرى البعض أن الاحتلال زائل لا محالة، وهذا صحيح، ولكن هذا النهج الإسرائيلي، وفي ظل اختلال موازين القوى، يعطي “إسرائيل” ذرائع جديدة للمماطلة وللتفسيرات والتبريرات، ولهذا هناك ضرورة أيضاً لتسليط الأضواء على هذا الجانب، وهناك هيئات وحركات دولية، خاصة أوروبية، بدأت تتنبه لهذا، وظهرت قبل فترة مبادرة لمقاطعة القضاء الإسرائيلي، وإبراز تشوهاته وعدم الاعتراف بقراراته، وهو نوع من محاصرة “إسرائيل” في الأسرة الدولية في حال بدأ تطبيق هذه المبادرة في بعض الدول.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...