عيّنة من دم الاحتلال

صحيفة الخليج الإماراتية
إذا كان العالم لا يزال في مرحلته الابتدائية رغم كل ما أنجزه من علوم فلا بد إذن من وسائل إيضاح، تحول المفاهيم المجردة إلى مشاهد مرئية، بل ملموسة ومسموعة بكل ما تعجّ به من ألم.
عيّنة نموذجية من الاحتلال، قدمها بالأمس مستوطنون صهاينة عندما خلعوا أبواب البيت وأيقظوا أصحابه على صوت البنادق وأكعابها، فاعتقدوا أول الأمر أنه كابوس، لكن سرعان ما وجدوا أنفسهم أشباه عراة وحفاة على الرصيف، أما البيت المقدسي فقد تحول على الفور إلى ثكنة، ومن ثم إلى مستوطنة تضاف إلى آلاف المستوطنات التي تأسست على أطلال القرى المهدّمة.
إذا كان كل ما قيل وكتب عن الاحتلال لا يكفي لإفهام العالم فإن تلك العيّنة تكفي فهي كعينة الدم تحمل الخصائص كلّها.
والسيدة الفلسطينية المطرودة من بيتها لم تتحدث بالسنسكريتي، أو بلغة قبيلة بدائية منقرضة، لقد تحدثت بالفصحى وبكت بالفصحى والعامية معاً، وقالت للعالم إنها صحت من الكابوس الليلي الذي لا يفارق منام الفلسطينيين على كابوس نهاري ليس له آخر.
لاجئة واحدة تختصر ستة ملايين لاجئ، وبيت مسروق واحد يختصر مليون بيت، كما أن شجرة زيتون واحدة مخلوعة من جذورها تختصر الحقول والغابات كلها.
إنها عيّنة تتجسد فيها كل شرور الاحتلال والاعتقال، مثلما تتجسد في صداها كل أشكال اللامبالاة الكونية بهذا الألم المزمن، فالعالم منهمك في شجن آخر قد يكون أزماته المالية أو انتخاباته الموسمية أو أسواقه وبورصاته، لكن الألم الإنساني خارج هذا المدار.
هي أيضاً عيّنة لتهويد القدس وتوحيدها بالدبابة والجرافة، وهما توأما المشروع الاستيطاني الذي كان رهانه ولا يزال إبادة أصحاب الحق والوثيقة والجغرافيا وما هو مبثوث في شرايينها من التاريخ.
لم تتذكر تلك المرأة الفلسطينية معتصماً واحداً تستجير به في هذا الزمن الغاشم، وأوشكت أن تشرب دموعها، لأنها تعرف بالخبرة وتراكم التجارب أن القطعان المذعورة لا تتوقف ثانيةً واحدة لإغاثة أحد أفرادها إذا أطبقت على عنقه الأنياب.
هذه العيّنة المرئية بالعين المجردة والمسموعة من دون أية استعانات بمكبرات الصوت هي الاحتلال كله وقد تكثف وتقطرت سمومه في لحظة واحدة، وفي الهزيع الأخير من ليلة مقدسية تخلى عنها حتى القمر، ما هي حجة الأعمى بعد كل ما رأى؟ وما هي ذريعة الأطرش بعد كل ما سمع؟
ألا يبدو هذا المشهد بكل بربريته ووحشيته وانتسابه بامتياز إلى ما قبل التاريخ جملة معترضة في كتاب الحداثة، وخطاب الديمقراطية الملفقة، ومستودعات الضمائر التكنولوجية التالفة؟
عن أية مفاوضات وأي حوار وأي سلام يثرثر العاطلون عن كل شيء إلا عن اجترار المقولات المفرغة من محتواها؟
ما من عربي وما من إنسان لا يزال على قيد آدميته ووعيه التاريخي لم يشعر للحظة بأنه المعتدى عليه، وبأنه المطرود من داره.. فأي غفران يرتجى بعد كل هذا الانتهاك وهذا الاحتلال الذي تحول إلى استحلال؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...