260… سبب لكسر الحصار!

صحيفة الحياة اللندنية

الرقم 260 هو الرقم الذي يجب أن يقف عنده كل عربي عنده ذرة من العروبة، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو السياسية أو العرقية أو الفكرية.

ذلك أنه حتى كتابة هذه السطور فقد 259 شخصاً حياتهم، ما بين شيخ وطفل وامرأة وشاب مريض، بسبب الحصار المفروض على غزة على رغم أهلها، وعلى رغم القانون الدولي الذي يعتبر هذا العمل جريمة من أخطر جرائم القانون الدولي تعرف بـ«جريمة إبادة»، وبعد الانتهاء من قراءة هذه السطور قد يصل هذا الرقم إلى 260!

بأي سبب يقتل هؤلاء الأبرياء؟ وأين دعاة ورعاة حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي، بل في العالم كله عن هذا الحصاد المر؟! هل من المعقول أن تنحصر حرية وآمال أبرياء غزة في سفن تحمل معاني «الحرية» و«الأمل» عبر نشطاء غربيين، في حين تقف الملايين من الشعوب العربية مكتوفة الأيدي على مقربة أمتار من حدود غزة البرية والبحرية والجوية؟!

أليس من المخجل أن يترك البرلمانيون الغربيون مسؤولياتهم داخل بلدانهم، ويزجوا بأنفسهم في المخاطر للوصول إلى غزة في سابقتين شريفتين، في حين يرقد نظراؤهم العرب على أسرّتهم الحريرية؟! ثم إذا سلمنا بعدم جدوى الحديث عن الدور الرسمي عند أمة العرب، لِمَ لا تأخذ الشعوب العربية المجاورة، ومن مصر خصوصاً، الأمر على عاتقها لتغسل العار الذي لحق بها حين التحمت اليد العربية مع اليد الإسرائيلية لتحكم طوق الحصار على أهل غزة؟!

هل من المقبول عند العرب العاربة والمستعربة، أن تصل المفوضة السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى غزة، وتعبر عن صدمتها مما رأته من أوضاع كارثية هناك، في حين لا يُسمع ذكر لأي مسؤول عربي، ولا يُرى تحرك للجامعة العربية، التي يبدو أنها لا ترى بأساً في عزلة غزة، كما لم تر بأساً في عزلة الجامعة ذاتها عن هموم أمتها من قبل؟!

ما الذي يمنع فلسطينيي غزة أن يتلقوا إغاثات إنسانية، تشمل الدواء والغذاء، عبر مناطيد تُبعث جواً من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية؟ أليس في هذا طريقة إنسانية لكسر الحصار دون مخالفة قانونية؟!

واقع الأمر أن كسر الطوق على غزة الذي بدأ بأياد غربية غير حكومية، منذ وصول السفن الأولى قبل أقل من شهرين، ولا يزال يتواصل، لابد أن يؤازره تحرك شعبي عربي بجميع الوسائل الممكنة، جواً وبراً وبحراً.

هذا التحرك يمكن أن يكون من خلال ثلاثة محاور. المحور الأول هو استمرارية مطالبة الحكومة المصرية، بفتح معبر رفح بطريق فردي، نظراً لأن “إسرائيل” لم ترع اتفاق المعابر لعام 2005، الذي نص على أن «تبقى المعابر مفتوحة بشكل متواصل». والرئيس المصري الذي استجاب لنداء الاستغاثة الذي بعثه كاتب هذه السطور قبل أسابيع، حري به أن يفتح الحدود مع غزة بشكل دائم، وليس عند الضرورة القصوى فحسب، لأن الوضع في غزة أصبح كارثياً، كما وصفه أكثر من خبير دولي، وهو الأمر الذي أعلن الرئيس المصري من قبل أنه لن يسمح به في خطابه الشهير، في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. وعلى الحكومة المصرية ألا تتجاوب مع السياسات الفاشلة لإدارة بوش التي اصفرت ورقتها، وأصبحت منبوذة في داخل الولايات المتحدة ذاتها!

المحور الثاني هو تحرك العلماء والناشطين الحقوقيين والمفكرين والإعلاميين فرادى ومجتمعين نحو الحدود مع غزة، وإعلانهم عن بقائهم عند الحدود حتى تنفرج الأزمة، ليكون في هذا التضامن، ضغط دولي على القوى الخارجية التي تريد بقاء هذا الحصار.

المحور الثالث هو مسؤولية إعلامية عربية لأصحاب البرامج الشهيرة التي يشاهدها عشرات الملايين، لأنهم قادرون أكثر من غيرهم على إيصال «رسالة كسر الحصار» للأمة بكاملها، عن طريق بث برامجهم التلفازية على الهواء مباشرة من قرب الحدود مع غزة، حتى يفك الحصار، في رسالة واضحة للعالم كله، تعبر عن التآزر العربي مع أهل غزة.

هذه الخطوات ليست رسمية، ونجاحها أو فشلها منوط بالتحرك الشعبي العربي. وليس لنا أن نعلق أسباب بقاء الحصار على عاتق الحكومات كما نفعل دائماً مع مشكلاتنا التي نحسن التهرب من مسؤوليتها. فهل تتحرك الأمة العربية قبل أن يفقد الضحية رقم 260 حياته؟!