الأحد 11/مايو/2025

اللعب ضد حماس

اللعب ضد حماس

المصريون

مع الدخول في جولة حوار جديدة بين الفصائل الفلسطينية، نجد المشهد يتمحور حول عدة قضايا أساسية، وتلك القضايا تبدو في الواقع بدون حل ظاهر أو حل قريب. فالمشهد الفلسطيني يعاني من مشاكل أساسية، وهي التي ترتبط في الواقع بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”. كما أن المشهد الفلسطيني محاط بالقوى المؤثرة في المنطقة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تفرض شروطها على كل ما يحدث في الساحة الفلسطينية. كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أصبحت لاعباً أساسياً في كل المشهد الفلسطيني، من خلال الطرف المتحالف معها، وهو رئاسة السلطة الفلسطينية، أو سلطة رام الله.

ومعنى هذا أن المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية لا يحكمها رغبات تلك الفصائل والمعبرة عن رغبات ومصالح الشعب الفلسطيني، ولكن يحكمها الوضع الدولي والمهين عليه بالكامل من قبل الإدارة الأمريكية وحليفتها “إسرائيل”، ومع غياب واضح لأي قوى أخرى دولية، يمكن أن يكون موقفها أما محايداً أو متوازناً على أقل تقدير. كما أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه أي رؤية متكاملة عن القضية الفلسطينية، إلا الرؤية الأمريكية، مما يجعله داعماً دائماً للموقف الأمريكي الإسرائيلي. ويضاف لذلك مشكلة الموقف العربي، والذي انحاز بوضوح للمواقف الأمريكية، وأصبح يمثل حلفا مع أمريكا و”إسرائيل”، مما جعل الدول العربية لا تمثل نافذة لإحداث توازن في المشهد، بقدر ما تمثل عائقاً إضافياً أمام الحوار الفلسطيني. وتلك مشكلة مصر عندما ترعى الحوار الفلسطيني، وهي لا تقف على الحياد بين الفصائل الفلسطينية، كما أنها لا تقف مع الشعب الفلسطيني، ولكنها تمثل جزءاً مهما من الحلف العربي المؤيد للمواقف الأمريكية والإسرائيلية، والذي يسمى حلف الاعتدال، وهو في الواقع حلف الاستسلام.

في هذا المشهد المحاصر من كل جهة، سنجد أن أهداف سلطة رام الله، هي في الواقع المعبرة عن أهداف الحلف الأمريكي الإسرائيلي، ومن معه من قوى دولية وعربية. وتلك الأهداف تمثل في الواقع كارثة كبرى على حركة حماس، وعلى كل الحركات المقاومة في فلسطين. فالمطلوب أولاً إخراج حركة حماس من العملية السياسية، حتى تعود تلك العملية إلى سابق عهدها، حيث تسيطر عليها حركة فتح، خاصة قيادات بعينها من داخل الحركة. والمطلوب أن تكون الساحة السياسية محصورة على القوى المؤيدة للموقف الأمريكي الإسرائيلي، وأن لا تدخلها أي قوى تعتمد على المقاومة كوسيلة للتحرير، أو أي قوى تعمل من أجل تحرير فلسطين كاملة، وأيضاً لا تدخلها أي قوى تتشبث بحدود 1967 الحقيقية أو مسألة عودة اللاجئين. وبهذا تكون كل القوى المؤيدة للحقوق الفلسطينية التاريخية والقانونية، هي قوى مطلوب إخراجها من الساحة السياسية. وقد يرى البعض أن الوقت قد حان لخروج حركة حماس من العملية السياسية، لتبقى حركة مقاومة بعيدة عن ألاعيب السياسة. وهذا الرأي سليم من عدة وجوه، ولكنه يمثل في الوقت نفسه عدة مشكلات. فمعنى هذا أن الحركات المقاومة سوف تكون خارج عملية التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني، وهذا يسمح للعملية السياسية أن تتطور خارج مصالح الشعب الفلسطيني، وأيضاً يسمح بتمرير أي نوع من الاتفاقات مع “إسرائيل” كما حدث. وإذا وافقت حركة حماس على هذا الوضع، سوف تظل منظمة التحرير الفلسطينية تمثل كياناً خيالياً، بعد تفريغها من كل أدواتها ومؤسساتها لصالح السلطة الفلسطينية، بحيث تبقى كياناً غير فاعل توقع باسمه كل الاتفاقات، بوصفه الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. وبهذا تسرق قضية فلسطين، ثم تباع بأي ثمن لم يريد أن يشتري، أي تباع القضية في النهاية بالشروط الأمريكية الإسرائيلية.

ولكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد رغم خطورته، فالمشكلة الأكبر تتمثل في دور الأجهزة الأمنية في السلطة الوطنية الفلسطينية، فهذه الأجهزة قامت بحماية أمن “إسرائيل”، وهي تقوم بهذه المهمة في الضفة الغربية، فإذا ترك لها قطاع غزة، أصبحت المشكلة خطيرة للغاية، وتلك في الواقع أهم المشكلات. فعندما توجد أجهزة أمن فلسطينية تقوم بعملية حصار حركات المقاومة وضربها، عندئذ سوف تصبح حركات المقاومة في خطر داهم. ومن المؤكد أن أي عملية لتمرير اتفاق نهائي ظالم، تحتاج لتوفير شرط مهم لتنفيذ هذا الاتفاق على أرض الواقع، وهذا الشرط يتمثل في القضاء على حركات المقاومة. ولهذا يعتبر الملف الأمني هو أهم ملف الآن، في أي حوار بين حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية. والملف الأمني هو سبب كل المشكلات التي حدثت منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006. فالأجهزة الأمنية أسست لضرب حركات المقاومة، وعندما وصلت حركة مقاومة للسلطة التشريعية والسياسية، قامت الأجهزة الأمنية بنفس الدور، وأصبحت تقوم بضرب الحركة التي تمثل الشرعية السياسية والتي شكلت الحكومة. والحسم العسكري لحركة حماس في قطاع غزة عام 2007، كان عملية سيطرة على الأجهزة الأمنية التي تعمل وفق الأهداف الإسرائيلية، والتي لا تقوم بحماية أمن الفلسطينيين، ولكن تقوم بضرب حركات المقاومة حتى وإن كانت على رأس الحكم.

ثم تأتي فكرة الدخول في انتخابات تشريعية ورئاسية، والمطلوب منها هو إجراء انتخابات جديدة وإخراج حركة حماس من المجلس التشريعي والحكومة، وهناك بالطبع العديد من الوسائل التي تساعد على ذلك، خاصة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي سوف تقوم بدور مهم لمساعدة سلطة رام الله لتحقيق هذا الهدف. وبمجرد خروج حركة حماس من الحكم، سوف يتم وقف تنفيذ كل البنود الأخرى التي يمكن الاتفاق عليها، فلا يعاد تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتتوقف أي عملية لإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية، وتبدأ عملية ضرب حركة حماس وحركات المقاومة الأخرى، والسيطرة الكاملة من قبل حكومة رام الله على قطاع غزة. وأياً كان سيناريو تلك العملية، فالهدف النهائي منها هو ضرب حركة حماس والجهاد الإسلامي على الأخص، لتمرير الحل النهائي بصيغته الأمريكية الإسرائيلية، وهو حل مرفوض لدرجة أن أي فلسطيني مهما كان، لا يستطيع التوقيع عليه. ولذلك يحتاج الأمر لحالة فلسطينية يائسة وبائسة، حتى يمكن تمرير ما يحدث، إن أمكن ذلك.

لهذا نرى أننا أمام عملية حوار بين الفصائل الفلسطينية، لا يمكن أن تصل لنتيجة لصالح الشعب الفلسطيني، والأفضل هو الدخول في معركة كسب وقت، ومحاولة تحسين حالة سكان قطاع غزة، والتركيز على مسألة تبادل الأسرى. فالوضع الفلسطيني السياسي يحتاج إلى تغيير حقيقي، وهو أمر يحتاج لمزيد من الوقت.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات