هل يكفي التصريح بإخفاق العملية التفاوضية

صحيفة البيان الإماراتية
لم يعد التشكيك بجدوى المسيرة التفاوضية، وإعلان عقمها، يقتصر على قطاعات شعبية واسعة من الفلسطينيين، ولا على فريق سياسي بعينه (أي المعارضة)، إذ إن ذلك بات يشمل القيادة الفلسطينية، التي أدارت المفاوضات منذ اتفاق أوسلو (1993) حتى الآن؛ من الرئيس محمود عباس (وهو رئيس السلطة واللجنة التنفيذية للمنظمة وقائد فتح)، إلى أحمد قريع (رئيس الحكومة الأسبق وأحد قياديي فتح)، وصائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين.
هكذا نعى أحمد قريع المفاوضات وهدّد بطرح الدولة الواحدة (ثنائية القومية)، بعد أن تبدّد هدف الدولة المستقلة، نتيجة الوقائع التي تفرضها “إسرائيل” في الضفة. أما الرئيس محمود عباس فأدلى بتصريحات لافتة، لصحيفة «هآرتز» (13/9)، شكّك فيها بإمكان التوصّل لاتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني، بشأن التسوية، حيث إن المفاوضات (بحسب قوله) «لم تسجل أي إنجاز حقيقي».
في الحقيقة فإن هذه المواقف المتأخّرة تثير مشاعر القلق إزاء طريقة صنع القرار وكيفية إدارة الوضع الفلسطيني، وضمنه العملية التفاوضية، وهي تبيّن أن العقليات التجريبية هي التي تسيّر هذه الساحة، وأن القيادة المعنية لا تدرس تجاربها (في غالب الأحوال).
ولا تعي الواقع والمعطيات المحيطة بها، وأنها لا تعدّ بدائل مقنعة لأي خيار تنتهجه، بل إنها عكس ذلك، واقعة في أسر خيار المفاوضات والتداعيات الناجمة عنه، على صعيدي علاقات الاعتمادية والثقافة السياسية.
ولعل هذا الوضع يفسّر تبدّد، أو تآكل، الإنجازات التي حققها الشعب الفلسطيني بتضحياته ومعاناته وبطولاته، من منظمة التحرير إلى السلطة إلى الانتفاضتين الأولى والثانية، وذلك بسبب طريقة هذه القيادة في العمل، واحتكارها التقرير بشؤون الشعب وقضيته، ونبذها الروح النقدية، وتبرّمها من المشاركة، وتغييبها للمؤسسات، وضعف سعيها لإرساء علاقات ديمقراطية، وإشاعتها علاقات الفساد والمحسوبية، في تعزيز وضعها في إدارة العمل الفلسطيني.
الآن، وبغضّ النظر عن وصول القيادة الفلسطينية متأخّرة إلى القناعة بعدم جدوى المفاوضات، ومسؤوليتها عن تضييع خمسة عشر عاماً في هذه الدوامة العبثية والمضرّة (وهو أمر غاية في الأهمية والجدية)، فثمة أسئلة عديدة يمكن طرحها الآن.
مثلاً، إذا كانت هذه القيادة وصلت إلى قناعة بعدم جدوى المفاوضات، فلم لا تعمد لتغيير المعادلات السياسية التي تعمل وفقها؟ ولماذا ما زالت هذه القيادة مصرّة على مواصلة المفاوضات، ولو كانت من دون أفق؟
ثم ما الغرض من الإدلاء بتصريحات مجانية يستشفّ منها الاستعداد لتقديم التنازلات؟! وتنبع شرعية هذه التساؤلات من مراجعة المسيرة التفاوضية، حيث يمكن ملاحظة أن “إسرائيل” هي التي استطاعت استثمار هذه العملية المضنية، والمضللة، بتحسين صورتها خارجياً، وببثّ إيحاءات مزيفة للرأي العام بأن ثمة عملية سلام.
وأن قيام سلطة للفلسطينيين يعني انتفاء طابع الاحتلال. فوق ذلك فإن هذه المفاوضات العبثية، أشاعت الإحباط في صفوف الفلسطينيين، وفاقمت الخلافات والانقسامات بينهم، خصوصاً أنها لم تحقق أي انجاز ملموس، وأنها تحولت إلى عملية بحد ذاتها، وخلقت إطارات محددة مستفيدة منها، ومعنية باستمرارها.
الأنكى من ذلك أن هذه المفاوضات وما نتج عنها من كيان ناقص ومقيد ومجزأ، أدت إلى التشويش على طابع القضية الفلسطينية، حيث لم تعد تطرح كقضية تحرر وطني من الاستعمار، وإنما كقضية إنسانية تحتاج إلى العون من الآخرين، بحيث بات الشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، يعيش تحت عالة المساعدات الخارجية، وتحت رحمة ما تريده وما لا تريده، أو ما تمنحه أو تمنعه “إسرائيل”.
منذ البداية دخلت القيادة الفلسطينية المفاوضات مع الإسرائيليين في ظروف غير مواتية البتة (من جهة موازين القوى والمعطيات العربية والدولية)، ولم تكن ثمة منهجية وطنية واضحة تتحكم في رؤيتها وطريقة إدارتها للمفاوضات، كما لم تأخذ هذه القيادة في اعتبارها طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي وطريقة عمله.
وكان أن مر 15 عاماً على اتفاق أوسلو دون انجاز المرحلة الانتقالية ومدتها خمسة أعوام، وإلى الآن لا أحد يعرف متى ستنتهي هذه المفاوضات، ولا الكيفية التي ستنتهي بها؛ فيما المستوطنات والجدار الفاصل والحواجز الإسرائيلية تقطع أوصال الأراضي الفلسطينية، وتفرض وقائع جديدة فيها.
ومنذ البداية لم تبد القيادة الفلسطينية الجرأة السياسية للتوضيح لشعبها أن حلّ الدولة في الضفة والقطاع لا يجلب، في هذه الظروف والمعطيات، حلاً عادلاً لقضية اللاجئين، وفق منطوق القرار 194 (الخاص بحق العودة)، خصوصاً في ظل انحياز موازين القوى والمعطيات الدولية والإقليمية لصالح “إسرائيل”.
ومنذ البداية توهّمت القيادة السائدة أن «الفهلوة» يمكن أن تكون بديلاً عن موازين القوى، وأن اللعب على الحبال والعبارات يحل محل المعطيات العربية والدولية غير الملائمة لحل عادل ومتوازن، وكانت تعتقد بأن قراءتها، أو ترجمتها، لاتفاق أوسلو، ستتغلب على القراءة الإسرائيلية! ويمكن أن نتذكّر كم تفاخر صائب عريقات باعتماره الكوفية في مؤتمر مدريد (1991) غصباً عن الإسرائيليين.
وبتعمده استفزاز اسحق شامير بحركات عينيه(!)، كما يمكن أن نتذكّر كيف أن محمود عباس، عشية توقيعه اتفاق أوسلو (1993)، تحدث عن أن هذا الاتفاق يمكن أن يكون نعمة أو نقمة على الفلسطينيين، وأن الأمر مرهون بكيفية التعامل معه. علماً بأنه يعرف طريقة عمل القيادة الفلسطينية، وأنه في هذا التصريح غابت عنه، أيضاً، طريقة عمل النظام السياسي الإسرائيلي، ومدى سيطرة “إسرائيل” على الوضع في الأراضي الفلسطينية.
عموماً فإن وصول القيادة الفلسطينية إلى القناعة بعدم جدوى المفاوضات، يحتم عليها العمل على تغيير المعادلات السياسية التي تعمل بها، وأيضاً التركيز على إعادة بناء الساحة الفلسطينية لمواجهة المهمات الجديدة، التي تضمن استمرار حركة التحرر الفلسطينية.
كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...