الجمعة 09/مايو/2025

الأحداث في عكا ليست فردية

الأحداث في عكا ليست فردية

صحيفة القدس العربي اللندنية

ما يقوم به المستوطنون من أعمال بلطجة وعربدة في مدينة عكا لا يندرج في إطار تصرفات فردية وشخصية أو حوادث معزولة، وإنما يمكن قراءة ذلك ضمن مشروع صهيوني يصب في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وديارهم، كما لا يمكن فهمه وفصله عن مسلسل الأحداث التي مر بها فلسطينيو الـ 48 منذ ستة عقود من التمييز والاستهداف والإقصاء، في ظل ازدياد لقوى التطرف الإسرائيلي التي تتبنى التفوق القومي لليهود عن غيرهم.

الهجوم الذي تعرض له توفيق الجمل وابنه من قبل المستوطنين في عكا ليلة عيد الغفران؛ أثار وبشكل فوري، الذاكرة الفلسطينية الحيَّة لما حدث قبل ثماني سنوات في مدينة الناصرة، في يوم الغفران، عندما قامت مجموعة من اليهود بالاعتداء على سكان الناصرة العرب، مما أدى إلى سقوط شهيدين هناك. بالتالي؛ فإن الاعتداءات التي توالت واستمرت ليل نهار على العرب من أبناء عكا تؤكد على أن هناك خطة ممنهجة يقودها متطرفون وأحزاب يمينية لتفريغ عكا من سكانها العرب ومحو كل ما هو عربي في هذه المدينة العربية التاريخية العريقة.

حسب المعطيات المتوفرة، فإن مجموع سكان عكا من الفلسطينيين، تناقص ليصبح نحو ثلاثة آلاف بعد النكبة مباشرة، ولكنه ما لبث ارتفع إلى نحو خمسة آلاف في عام 1965، وبفعل سياسات الإجلاء الإسرائيلية القسرية بقي مجموع العرب ثابتاً في المدينة حتى عام 1973، ما لبث بالزيادة بفعل الخصوبة العالية عند النساء الفلسطينيات. ويقدر عدد سكان عكا هذه الأيام بنحو 50 ألف نسمة، ثلثهم من الفلسطينيين الذين يسكن أغلبيتهم في البلدة القديمة من المدينة، ويعانون من التهميش والفقر، وممنوعون من الحصول على تراخيص بناء، أو حتى ترميم لبيوتهم، ويمكن عبر جولة بسيطة في عكا أن يلحظ المرء الفارق الكبير بين الأحياء اليهودية والعربية، فالبنية التحتية، في أحياء الفلسطينيين، فقيرة للغاية وتعاني من الحفر والترهل، بل أن بعض بيوتها القديمة، حجارتها بحاجة لترميم وعناية، تفادياً لانهيارها في الظروف الجوية السيئة.

لقد استغل المتطرفون اليهود ما حدث في عكا مؤخراً لتتعالى تصريحاتهم العنصرية التي حاولت قلب الحقائق والتحريض على العرب، ومنها ما صدر عن عضو الكنيست من “المفدال -الاتحاد القومي”، أرييه إلداد الذي اعتبر أنه يتعين على اليهود “حمل السلاح إذا لم تعالج الشرطة الأحداث في عكا”. في خطوة تهدف إلى التحريض على القتل.. وأتساءل ماذا لو أن الداعي إلى حمل السلاح في يافا أو حيفا وعكا شخصية سياسية عربية، لقامت الدنيا ولم تقعد!

ومن الممارسات الأخرى العبارة التالية التي تصدرت موقعاً الكترونياً إسرائيلياً لمتطرفي اليهود بعكا: “أيها اليهودي، بعد “بوجروم” يوم الغفران (كيبور)، بسبب استفزاز العرب لليهود على نحو غير مسبوق، علينا أن نتوحد جميعاً في مقاطعة العرب اقتصادياً في عكا وخارجها، حتى نقضي عليهم اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً”، كما وردت عبارة تحريضية أخرى تدعو اليهود لمقاطعة العرب وطردهم: “يجب مقاطعة العرب في عكا: لا نشتري من محالهم، لا نحترم أعيادهم، ولا نحترم أي مكان تابع لهم، فليخرج العرب من عكا ويذهبوا إلى القرى العربية”.

وتلفت هذه الأحداث أيضاً إلى ما تتعرض له مدن الداخل الفلسطيني من مخاطر التهويد على يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي تهدف إلى “تضييق الخناق على السكان العرب وحرمانهم من الخدمات وتهميشهم وتجاهل الإجرام فيها لدفعهم لترك الأحياء القديمة طوعاً، إضافة إلى نزع الهوية العربية الفلسطينية عن المدينة وتزييف تاريخها وطمسه والهدم المنهجي للعمارة الفلسطينية و”عبّرنة” أسماء الشوارع، كما تعمل على امتلاك البيوت والعقارات من خلال المؤسسات والشركات الحكومية، ضمن سنّ قوانين على مقاس المخططات تصعّب التوريث وتسهّل السيطرة على الأوقاف الإسلامية خصوصاً و”تأجيرها”، وتيسير شراء الأملاك من قبل مؤسسات ورؤوس أموال صهيونية عالمية أو محلية.

ما حصل في عكا من الممكن أن يمتد لكل مدن وقرى الـ 48 وحتى الضفة الغربية، في ظل هجمة استيطانية وحشية يقودها عشرات المتطرفين الذين لا يتوانون لحظة عن القيام بأعمال تنكيل يومية بحق المواطنين العرب واعتداءات تبدأ من حرق محلات ومنع فتحها ومنع استخدام الطرق أو منع الطلبة من الوصول إلى المدارس، ولا تنتهي بالاستيلاء على المنازل والأراضي بطرق غير شرعية وقانونية، ناهيك عن حظر التجوال وتقييد الحركة.

فقط للتذكير، قبل أقل من أسبوعين قامت مجموعة من المستوطنين بإعدام أحد الرعاة الفلسطينيين من قرية عقربا/ نابلس بدم بارد، حيث أطلقوا على جسده ما يزيد عن عشرين رصاصة. وقبل عدة أيام قاموا بفرض حذر تجوال على قرية “كفر قليّل”، بسبب فقدان حصان لأحد المستوطنين، وعاثوا فساداً في البلدة وجرحوا ستة مواطنين، وفي مدينة القدس وفي إطار السعي المحموم من قبل الجماعات الاستيطانية المتطرفة للاستيلاء على الحرم القدسي، قامت عدة مجموعات من المستوطنين باقتحام ساحات المسجد الأقصى، وقامت بارتكاب فواحشها ومعاصيها هناك، وهي تخطط لعمليات أوسع وأكبر، وطبعاً هذا يترافق مع حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى، وإقامة كنيس يهودي في المنطقة الملاصقة له! ما يؤسف عليه حقيقةً، هو الرد الرسمي الفلسطيني والعربي على أحداث عكا ، إذ يبدو أن السلطة الفلسطينية والنظام العربي في حالة غفلة أو تغافل عما يجري هناك،، ومما يؤسف له أيضاً أنه لم يصدر عن جامعة الدول العربية أي موقف رسمي حقيقي، لكأن ما يحدث مجرد اقتتال عابر، أو حادث عرضي، ليس له ما قبله وما بعده، من مخططات صهيونية خطيرة!

* كاتب من الأردن

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...