الأحد 11/مايو/2025

تهويد القدس بين العويل والعمل المفترض!

تهويد القدس بين العويل والعمل المفترض!

صحيفة الشرق القطرية

لو أن الخزائن المحشوة ببيانات الشجب والاستنكار العربية للخطوات العملية والفعلية التي تمارسها “إسرائيل” على الأرض، حكت، لقالت: كفاكم شجباً فقد سئمت من عويلكم وندبكم وبكائياتكم الدائمة وعجزكم ومراثيكم! ينطبق هذا الوضع على الصعيدين: الفلسطيني أولاً، والإسلامي أيضاً، فبدلاً ووفق ما تقول المقولة الفلسفية (عن أهمية اتخاذ خطوة عملية واحدة لأنها تظل أفضل من دستة نظريات) يقتصر ردنا على “إسرائيل” وخطواتها بالمزيد من بيانات الشجب والاستنكار، والتي بلغت وبلا مبالغة، أطناناً مؤلفة فوق أطنانٍ أخرى!

نقول ذلك بدواعي الألم والمرارة من واقع القدس المؤلم، التي يجري تهويدها على قدمٍ وساق أمام أعين الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فمؤخراً، افتتحت “إسرائيل” كنيساً لها بالقرب من المسجد الأقصى، وردود الفعل من الأطراف الثلاثة: المزيد من بيانات الاستنكار.

ما اقترفته “إسرائيل” من بناء كنيسٍ لها، سياسة ليست جديدة، فمباشرة بعد احتلال المدينة المقدسة، اتخذ الكنيست الإسرائيلي قراراً بضم القدس إلى “إسرائيل”، والأحزاب الإسرائيلية كلها بلا استثناء تجمع على أن القدس ستظل العاصمة الموحدة والأبدية ل”إسرائيل”، وقد اقترف أحد المتطرفين الإسرائيليين حريقاً في المسجد الأقصى أطاح بمنبره التاريخي، التحفة الأثرية المميزة، الذي صممه وبناه صلاح الدين الأيوبي، ومنذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة، فإن “إسرائيل” تمارس سياسة ممنهجة في تهويد القدس، بدءاً بالحفريات تحت المسجد الأقصى، من أجل تقويضه على طريقة بناء الهيكل المزعوم، مروراً بشراء بيوت المدينة القديمة من ضعاف النفوس، والاستيلاء على مواقع أخرى بالقوة العسكرية، وممارسة السياسات الكفيلة بإيصال العرب في المدينة المقدسة إلى وضع تنعدم فيه الآفاق لهم، حتى الحياتية منها بحيث يلجأون طواعيةً إلى الخروج من مدينتهم، وصولا إلى سحب الهويات المقدسية من كثيرين من أهلها، ووصولاً إلى بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقدس الشرقية، وسياسات أخرى غيرها، أصبحت واضحة ومكشوفة، وقد كُتِبَ الكثير عنها، وَبُحّتْ أصوات أهالي القدس وهم يحذرون الفلسطينيين والعرب والمسلمين من ضياع المدينة وتهويدها، بل الأصح أن أصواتهم ذهبت وهم يستنجدون بإخوانهم وأبناء قوميتهم العربية، وأبناء دينهم الحنيف، وكانت ردود الفعل في أغلب الأحيان تتمثل في بعض الاستجابة لما يطلبه المقدسيون، لكن الطابع العام لردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية يقتصر على المزيد من استهلاك الحبر، من أجل كتابة المزيد من بيانات الاستنكار! ولم تصل مطلقاً إلى مستوى الخطر الذي يحيق بالمدينة.

المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والقدس هي جوهرة التاريخ العربي الإسلامي، أرض الإسراء والمعراج للرسول الأعظم، وفيها كنيسة القيامة بكل معانيها ودلالاتها، وهي الأرض المقدسة للمسلمين وللمسيحيين على حد سواء، ولا يجوز التهاون أمام ما يجري لها من تهويد.

وفي النظر لما تتخذه “إسرائيل” فيها، نجد أنفسنا أمام خطة منظمة، أطرافها ثلاثة: الحكومة الإسرائيلية، والذي لا تستطيع فعله، تنفذه من خلال وبواسطة الجماعات الدينية الإسرائيلية واليهودية عموماً، أما الطرف الثالث فهو المنظمات الصهيونية واليهودية في العالم أجمع إضافة إلى الأغنياء اليهود، الذين يسخرون أموالهم في خدمة الصهيونية و”إسرائيل”.

كما فهمت من الإخوة المقدسيين، فإن الصراع في المدينة يجري على كل سنتيمتر مربع من أرضها، ولذلك فإن مجابهة المخططات الإسرائيلية تقتضي خطة منظمة على الصعيدين: الرسمي والشعبي العربي. خطة لا توضع من أجل القول بوجود خطة عربية، فلقد سبق وأن تشكلت لجنة للقدس على صعيد القمة العربية، ولكن نشاطات هذه اللجنة هي موسمية وجد محدودة، أو بالأصح فإنها لم تفعل شيئاً.

يوجد الكثير من الجمعيات والمنتديات والمؤتمرات السنوية باسم القدس، ولكن هل يوجد تنسيق كامل بين كل هذه مجتمعة؟

ما نسمعه أن مناشدة أهالي المدينة لتجديد حملة لترميم البيوت القديمة لم تجد لها صدى بين الأغنياء العرب، في الحين الذين يستطيع فيه أحد المليونيرات أو المليارديرات العرب وحده ترميم بيوت المدينة. ومع التقدير للذين تبرعوا لحديقة حيوانات لندن ولهذه المكتبة أو تلك في العواصم الأوروبية، يمكنهم أيضاً التبرع لمدينة القدس. لا نطالب الدول العربية بتجييش الجيوش لمنع “إسرائيل” بالقوة من مخططاتها لتهويد المدينة واستردادها على طريقة البطل الرمز صلاح الدين الأيوبي، فالذي يحلم بممارسة مثل هذه الطريقة في زمننا الرديء سيفسر قوله: بأنه يكتب خارج التاريخ والزمن وبلغة خشبية، وأنه يجهل الواقع ومعطياته… إلخ هذه الأسطوانة، وإنما نطالب بفعل جدي عملي وواقعي وقابل للتنفيذ على أرض الواقع من خلال لجان حكومية وشعبية عربية في كافة العواصم العربية والإسلامية، تكون مرتبطة بلجنة مركزية في جامعة الدول العربية لها ممثلوها المعتمدين في لجان محلية خاصة في مدينة القدس. هذه اللجنة المركزية لها برنامجها التنفيذي الحالي، الذي يقوم على حل إشكالات أهالي بيت المقدس، بما يكفل صمودهم في المدينة وترميم بيوتهم، وبناء الأشكال الاجتماعية القادرة على تعزيز هذا الصمود، والرد على خطط تهويد المدينة بخطط مدروسة بعناية مع مستشارين قانونيين في المجالات المختلفة، ضمن خطة استراتيجية تؤكد وتهدف إلى المحافظة على عروبة القدس.

ولأن العام القادم هو عام القدس كمدينة ثقافية، فليجري استغلال هذه المناسبة فلسطينياً وعربياً ودولياً، بما يؤكد على قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بعروبة المدينة واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي المحتلة في عام 1967، والعمل على استصدار قرارات من المنظمات الدولية والحقوقية العديدة، المستقلة والأخرى التابعة لها، تؤكد على كل القرارات السابقة المتعلقة باعتبار تراث المدينة تراثاً إنسانياً لا يجوز المساس به، والمتعلقة أيضاً بعروبة المدينة. ليس المقصود في هذه المقالة وضع البرامج لإلزام لجان القدس المختلفة ببرامج عمل، وإنما لتوضيح الأساليب الكثيرة للفعل وللرد على المخططات الصهيونية، بالخطوات العملية، وعدم اقتصار ردود الفعل على ما يجري في المدينة على البكاء والعويل وبيانات الشجب والاستنكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع… ولنتساءل: ما الذي استفدناه من عويل (أبو) عبدالله الصغير على ضياع الأندلس!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات