هل ستعطيهم حماس الفرصة لذلك!!

صحيفة الشرق القطرية
لو أخذنا موضوع تمديد رئاسة عباس وما يتمخض عنه من نقاشات وملاسنات وما يتسرب عن تحضرات حركة فتح وأجهزتها في الضفة من استعدادات عدوانية ضد حماس على خلفيته.. لو أخذناه نموذجاً لفهم نوعية الخلاف بين الحركتين واستشرافنا به إمكانية نجاح حوار القاهرة وما يمكن أن يتمخض عنه فسنجد ملمحين أساسيين مهمين؛ أولهما: أنه في الوقت الذي تصر فيه حركة حماس على تحكيم القانون الأساسي – نصاً وروحاً – وفي الوقت الذي تتسم فيه مداولاتها ومرافعاتها تجاه هذا الموضوع بالعلمية والموضوعية والانفتاح والرغبة في التوافق بقدر ما سنجد أن حركة فتح تتفلت من تحكيم هذا القانون وتصادره وتتحكم في تأويله خارج منطوقه وسياقه ومقاصده بل وخارج اللغة التي كتب بها منطوقاً ومفهوماً.. وبقدر ما نجدها – أي حركة فتح- تسعى للفتنة والمواجهة باليدين والرجلين (واللي مش عاجبه يشرب البحر!) هذا الملمح الأول؛ أما الثاني فهو أن الرتق بين حماس وفتح لا يزال أكبر وأوسع من أن تلملمه حوارات..
فإذا كانت هذه هي منهجية فتح في التعامل مع حماس في قضية واضحة جلية ناجزة وكانت هذه طريقتها في التعامل مع القانون الأساسي ومع مواد محكمة ومنضبطة ويفترض أنها ليست موضع خلاف ولا إشكال؛ فإن من حق حماس ومن المبرر لها أن تتخوف من أن يكون ما يعد له في مصر ليس حواراً ولكنه فخ لاستئصال شأفتها ولف الحبل حول عنقها ومن حقها أن تسأل عن الدافع الحقيقي والمراد الحقيقي من هذه الحوارات وعن مدى إمكانية أن تؤول لاتفاق أو تصالح في قضايا أكثر تعقيداً وإشكالاً يتداخل فيها المحلي بالدولي والمحكم بالمتشابه والإملاءات بالضرورات؟ فإذا أضفنا لذلك رفض أمريكا و(إسرائيل) لهذه المصالحة وعدم نزاهة ولا حيادية الوسيط المصري، وما صار شبه مؤكد من أن مصر اتفقت مع فتح وبعض العرب على إلجاء حماس للقبول بمطالب فتح واشتراطاتها على أنها مرحلة أولى تأتي بعدها اعتبارات حماس كمرحلة متأخرة وربما لن تأتي أبداً!! وأضفنا لكل ذلك أن الفلسطينيين لم يكونوا يوماً أقرب منهم إلى فساد ذات البين وأبعد عن الوفاق والاتفاق كما هم اليوم وأن الحد الأدنى من الرغبة في التفاهم ليس من دليل عليها.. أقول إذا لاحظنا كل ذلك وما لا يتسع المقام لرصده وتعداده من أسباب الفشل بل من منهجية الفشل التي يحضّرون لها.. وحكّمنا سابق التجربة ومحددات المواقف والمعطيات الموضوعية بعيداً عن التهويل أو التهوين وفي معزل عن التعقيد أو التسطيح فسيكون من السهل التوصل إلى الخلاصات الأربع الآتية:
أولاً: المراد هو جلب حماس إلى القاهرة وأن تحضر معهم اللقاء الأول للحوار –الأول على الأقل– إذ مجرد مجيئها إلى هناك ومشاركتها في جلسة الافتتاح التي يتوقع أن تغطيها وتهتم بها وسائل الإعلام كثيراً سيعد ذلك قبولاً منها بالرعاية والتحكيم المصري واعترافاً بحياديته.. وهو اعتبار مقصود لذاته وسواء تم الاتفاق على شيء أو لم يتم! لأنه سيصبغ كل مقرراتهم بعد ذلك –حتى لو انسحبت حماس- بالشرعية والنزاهة والوجاهة القومية والأخلاقية وسيوفر لهم فرصة تحميلها مسؤولية إفشال الحوار واتهامها بالخروج عن الإجماع الفلسطيني (وسلسلة طويلة من الاتهامات والفبركات..).. وسيجدون الكثيرين من أصحاب الهوى والغايات ووسائل الإعلام والنخب الكارهة والمأجورة يصدقونهم ويؤمّنون على أراجيفهم.. فهل ستعطيهم حماس هذه الفرصة؟ وهل ستقبل بأن تصبح هي المنقلب على التحكيم وأن تصبح في مواجهة مصر والمجموع العربي.. ويتسنى لهم تشميسها (بالتعبير العشائري الفلسطيني) أي رفع غطاء الشرعية عنها، والإيغال في محاصرتها بدون تحوّطات ولا استثناءات؟؟
ثانياً: ويريدون إعطاء قراراتهم الختامية ومواقفهم العدوانية -بناء على الوضعية الأخلاقية والوطنية المكتسبة هذه- اللياقة الأخلاقية والأرجحية الوطنية وأن يُكسبوا أنفسهم صورة الباحث عن الحقيقة والراضي بالتحكيم والحريص على الوحدة (وليس كما تزعم حماس) ولياً للاحتلال وقريناً للاختلال ومحرضاً على الاقتتال.. من هنا فالمتوقع أن يطيلوا الحوار ويمدوه في قضايا الشأن الفلسطيني طولاً وعرضاً (فهو يكسبهم سمن وعسل مصداقية يفتقدونها بقدر ما يذيق حماس مرارة الإدانة ويجرعها إيلام التشويه..) ومن يدري فربما يضمّنون قراراتهم الختامية تنازلات جوهرية لصالح الاحتلال ويقيدونها برسم التنفيذ ويسلخون عليها أوصاف الإجماع الوطني والمصالح العليا.. فهل ستعطيهم حماس الفرصة لذلك؟؟
ثالثاً: ويريدون جمع أربعة عشر فصيلاً هم اختاروها وحددوها من طوايا ومطايا حركة فتح ومرتزقتها وليس من بينها ولا فيها ولا معها اللجان الشعبية ولا تنظيم الأحرار ولا ألوية الناصر صلاح الدين ولا أي فصيل مقاوم.. بما ينزع شرعية هؤلاء بقدر ما يمنح شرعية لأولئك.. يريدون هذه الفصائل أن تنابح حماس وأن تتناهشها وأن يتفرق دمها بينها ويريدون إبرازها كفصيل شاذ فوقي مقيت ويصيدوا بنفس الحجر مكسب إحياء هؤلاء الأموات واستقدامهم من وراء المجهول وتنصيبهم ممثلين مزعومين للإجماع الوطني المدّعى!! وليس مستبعداً أن يطلقوا عليهم تسميات المبالغة والشرعية (فصائل الإجماع الوطني، أو فصائل إجماع القاهرة).. وأن يؤسسوا لهم أدوات ومؤسسات وآليات ورمزيات.. من الجدير هنا أن لا تعوّل حماس كثيراً ولا قليلاً من حركة الجهاد لأنها في أحسن الأحوال ستنفك عنهم وهو ما سيعني شريكاً في العزلة لا أكثر أما في المرجح فحركة الجهاد ستأخذ موقفاً محايداً ساكتاً أم موشوشاً ومشوشاً وقد أثبتت التجارب ذلك كلما تعلق الأمر بإشكالات الداخل الفلسطيني.. ولو فعلت فستجد لنفسها المبرر وستجد من يسوغ ترخّصَها هذا.. فهل ستعطيهم حماس الفرصة لذلك؟؟
رابعاً: الفترة الماضية تميزت بفشل المفاوضات والانغلاق السياسي وتبدد وعود مؤتمري أنابوليس وباريس في تلبية الحد الأدنى من الآمال والطموحات الفلسطينية وبالكثير من الإساءة للشعب الفلسطيني في الضفة حتى وصل التعدي لاعتقال وابتزاز الحرائر من ذوي وأمهات وأخوات الشهداء والمجاهدين وهدم واستهداف المساجد والبنية التحتية لمؤسسات العمل الخير.. كل ذلك هيأ الأجواء لانتفاضة ثالثة يتوقع أنها لن تكون هذه المرة على المحتل وحده ولن تبقيَ لتلك الفئة التي تتحصن بمقاطعة رام الله وتستقوي بالاحتلال فرصة أن يشاركوا في الأحداث أو يلحقوا بها كما فعلوا في الانتفاضتين السابقتين.. هم يخافون أن تتطور الأمور في الضفة (ضمن اشتراطية ما وتراتبية ما) إلى ما يشبه حالة بعقوبة والفلوجة في العراق وهيرات وغزني في أفغانستان (لنفس المعادلة وعلى ذات الخلفية) لذا فهم يعملون على شغل الرأي العام الفلسطيني بحراك يدغدغ مشاعره ويشبع نهمته ويصرّف احتشاره واحتقانه.. كما يريدون إبقاء حماس في حالة بين حالتين؛ حالة قرب تمكنهم من لجم انفعالاتها.. وحالة بُعدٍ تعطيهم هوامش التصعيد ضدها عند الاقتضاء وحشرها في الزاوية وتجاوزها.. إلى أن تتشكل الرئاسة الأمريكية والوزارة الصهيونية وتعود المناورات السياسية والمسرحيات التفاوضية.. فهل ستعطيهم حماس الفرصة لذلك؟؟
آخر القول: تستطيع حماس أن لا تذهب لزارهم (لحوارهم) ابتداء، وبالتأكيد أن ما ستخسره من ذلك مهما كبر فلن يكون أكبر مما ستخسره من الذهاب! ولكنها تستطيع أفضل من ذلك أن تضع ثلاثة عناوين تؤسس للقائها بهم (قبل أول لقاء) أحدها: أن تطالب بأن يكون معيار التحاكم هو القانون الأساسي الفلسطيني والشرعية الانتخابية والاتفاقات الموقعة في القاهرة ومكة، والآخر: إشراك رعاية ورقابة محايدة ومشهود بنزاهتها ووطنيتها من مؤسسات حقوقية ومنظمات أهلية وشخصيات وازنة سياسية وحزبية وعلمية تكون ضمانة على عدم الانحياز والتحكم والتلفيق المصري – لو حدث، والثالث: المطالبة بأن يكون الحوار مع فتح ابتداء وانفراداً.. ثم مع كل الفصائل دون استثناء المقاومين كما هو الحال حتى الآن.. فإن وافقوا على هذه الثلاثة تكون حماس قد ضمنت العدالة وأمنت الحيف والزيف –وهي لا تريد سوى ذلك- وإن رفضوا فقد أحبطت كيدهم وقلبت سحرهم على رؤوسهم.. ولن تكون طالبتهم إلا بما هو حق لا يختلف عليه اثنان ولا يتناطح فيه عنزان.. ولكن ليس عليها في مطلق الأحوال وتحت كل الظروف أن تذهب إلى معاطنهم ووفق توقيتاتهم واقتضاءاتهم وترسيماتهم.. وليس عليها أن تبالغ في الاعتماد على قدرتها على الصمود والنجاة! ولا على وعي شعبها ولا أن تثق بأن كونها على الحق كاف لأن تنتصر به.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

6 شهداء وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 6 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة، فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر شن طائرات الاحتلال...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...