خطـة لمحاصرة المقاومـة في غـزة

صحيفة الوطن القطرية
إن المتتبع للأحداث، والتطورات منذ التوصل إلى اتفاق التهدئة في غزة بين حركات المقاومة الفلسطينية، والكيان الإسرائيلي، عبر الوسيط المصري، يلحظ أن هناك خطة قد تبلورت من أجل فرض حصار محكم على حركات المقاومة في قطاع غزة إلى جانب محاولة فرض وقائع على الأرض لتقييد حرية حركتها، وتدجينها سياسياً، وجعلها تتماهى مع سياسة اليمين الفلسطيني وهذه الخطة تتكون من العناصر، والوسائل التالية:
1 ـ مواصلة فرض حصار مضبوط، ومقنن على قطاع غزة بحيث يتم إجهاض الإنجاز الذي حققته المقاومة من خلال فرض شروطها في التوصل إلى اتفاق تهدئة متبادل بينها، وبين العدو الصهيوني لأول مرة على أرض فلسطين المحتلة، وعلى الرغم من أن الاتفاق يتضمن إنهاء الحصار، إلا أن العدو الإسرائيلي لم يلتزم به لالتزاماتها باتفاقات كامب ديفيد، أو نتيجة حجم ارتباطاتها سياسياً، واقتصادياً بالولايات المتحدة الأميركية، والقيود التي باتت تشكلها المساعدات الأميركية على مصر.
والهدف من استمرار الحصار على القطاع يعود إلى أن العدو الصهيوني يعاني من العجز في سعيه للقضاء على المقاومة بواسطة القوة العسكرية، فيما محاولات إشعال الفتنة في قطاع غزة فشلت، ولم يبق من وسائل لم يختبرها العدو على هذا الصعيد، ولذلك لجأ إلى اعتماد استراتيجية مواصلة الحصار مراهناً في ذلك على تعاون مصر، والسلطة الفلسطينية في زيادة المعاناة الإنسانية في غزة لخلق المزيد من المصاعب أمام حركات المقاومة، وبالتالي تأليب الشارع الفلسطيني ضدها، فيما أطراف عربية تشعر بأن الحصار هو السبيل المتبقي لإخضاع المقاومة، وفي المقدمة حركة حماس، لأن رفع الحصار سوف يؤدي بالضرورة إلى تعزيز، وتقوية المقاومة، وبالتالي إضعاف اليمين الفلسطيني ممثلاً بالسلطة الفلسطينية، واستطراداً تنمية الاتجاه الشعبي العربي المؤيد للمقاومة، ولنضال الشعب الفلسطيني، والمعارض لاتفاقات الإذعان، والصلح مع كيان العدو الأمر الذي يشكل تهديداً لوجود الأنظمة العربية، وفي المقدمة الأنظمة المرتبطة مع “إسرائيل”، ولأن فرض حصار كامل من دون أن يكون هناك أي متنفس سيؤدي إلى تفجير غضب الشعب الفلسطيني، وبالتالي حصول انتفاضة شعبية جديدة تكسر جدار الحصار على غزة مجدداً، وتولد المزيد من الغضب، والنقمة الشعبية العربية في مصر، وغيرها من الدول العربية ضد التواطؤ في الحصار مع العدو الصهيوني، فإن مصر اعتمدت سياسة فتح معبر رفح بين الفينة، والأخرى بشكل مقنن، ومحصور فقط بالحالات الطارئة لتنفيس الاحتقان الشعبي من جهة، وضمان إبقاء الحصار على المقاومة من جهة ثانية، فيما “إسرائيل” طورت سياسة الحصار عبر وضع قيود على الفلسطينيين المتحدرين من غزة، والمقيمين في الضفة الغربية، وفرضت عليهم الحصول على أذونات خاصة بالإقامة وإلا سيطردون، وينقلون إلى غزة. غير أن حملة الناشطين الدوليين من 17 دولة أجنبية نجحت في كسر الحصار على غزة، وكشفت تواطؤ بعض الأنظمة العربية في الحصار، وأحرجت “إسرائيل” التي لم يكن أمامها من خيار سوى ترك السفينتين المحملتين بالمؤن، والأدوية من دخول ميناء غزة «تجنباً لاستفزاز بحري يحظى بتغطية إعلامية، واسعة» حسب قول المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية.
وقد استقبلت سفينتي الحرية في غزة استقبال الفاتحين الذين لم يأبهوا بالتهديدات الإسرائيلية، وقدموا من أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
وقد حرك ذلك الشعور القومي لدى الشعب في مصر فتحركت قوى وهيئات عديدة من المعارضة، ونظمت حملة سيرت على إثرها ثلاث قوافل محملة بالأدوية، والأغذية لكسر الحصار، وإيصالها إلى غزة على غرار حملة الناشطين الدوليين، إلا أن الأجهزة الأمنية المصرية قطعت الطريق عليها، ومنعتها من أن تكمل مسيرتها نحو معبر رفح.
2 ـ العمل على محاولة تسويق الاقتراح المصري إرسال قوات عربية إلى قطاع غزة بذريعة المساعدة على منع الاقتتال، ووقف الصدام الإسرائيلي، الفلسطيني، كما جاء على لسان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط.
غير أن هذا الاقتراح يندرج في إطار جهود لفرض عودة السلطة الفلسطينية لممارسة أعمالها في غزة بزعم أن الوضع القائم حالياً في القطاع غير طبيعي، غير أن الهدف الحقيقي من وراء هذا الاقتراح هو وقف المقاومة، ووضع حد لها باعتبارها غير شرعية، وخارجة على القانون، وأن الشرعية هي للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، مما يعني أن القوات العربية إذا ما قدر لها الذهاب إلى غزة سوف تكون مهمتها حماية الاحتلال من المقاومة، أما الاقتتال الفلسطيني فإنه غير موجود، وهناك حالة من الأمن، والاستقرار في غزة. طبعاً هذا الاقتراح غير ممكن تنفيذه لأنه مرفوض من قبل حركات المقاومة التي تسيطر الآن على قطاع غزة بعد أن أجبرت قوات الاحتلال على الانسحاب منه.
إن ما يحتاج إليه الشعب الفلسطيني ليس إرسال قوات عربية لتمنع الصدام بين المقاومة، والاحتلال، أو لتقف حاجزاً بين الشعب الفلسطيني وعدوه، لأن القوات العربية ليس هذا هو دورها، ومهمتها، لأن ما يحتاج إليه هو أن تقدم مصر على فتح معبر رفح، إذا لم تذهب أبعد من ذلك بأن تعود إلى القيام بدورها القومي في دعم نضال الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.
3 ـ وضع آلية عربية مشتركة لمتابعة الحوار بين الفصائل الفلسطينية، وهي مقترح وافق عليه مجلس وزراء الخارجية العرب، والغرض من هذه الآلية حسب قول أمين عام الجامعة العربية عمر موسى «اتخاذ موقف عربي واضح إزاء أي فريق يعرقل إعادة الوحدة الوطنية»، غير أنه من المعروف أن من يعرقل الحوار، ويحول دون تحقيق أهدافه في توحيد الموقف الفلسطيني هو السلطة الفلسطينية بسبب خضوعها للشروط الأميركية، الإسرائيلية التي تمنعها من الاتفاق مع حركات المقاومة، وفي مقدمها حماس، وعندما أعلن محمود عباس قبل فترة استعداده للذهاب إلى الحوار دون شروط، وأعلنت حماس موافقتها على ذلك سارعت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى التحرك، والضغط على عباس للتوقف عن ذلك.
لذلك فإن هذه الآلية هدفها الرئيسي دعم موقف السلطة الفلسطينية، ومحاولة إحراج حركات المقاومة، وتحمليها مسؤولية عدم نجاح الحوار الذي هو ممنوع أن ينجح بقرار أميركي – إسرائيلي لأن السلطة الفلسطينية لا تملك قراراً، وهي رهينة لدى “إسرائيل” القادرة على إنهائها متى أرادت ذلك.
4 ـ دعم استمرار المفاوضات بين السلطة الفلسطينية، وإسرائيل، والعمل على إشاعة الأجواء الإيجابية، والقول إنها لم تصل إلى طريق مسدود، وإن هناك أملاً، وذلك حتى لا يقال إنه لم يعد هناك من خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى خيار المقاومة.
وأي، وقفة سريعة أمام ما جرى مؤخراً على صعيد المفاوضات يمكن الاستنتاج بأنه لا هدف لها سوى خدمة السياسات الإسرائيلية على الأرض.
لقد جاء اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مع وزيرة الخارجية الأميركية رايس ليظهر للعالم أجمع بأن المفاوضات مستمرة فقط، وأن ما تم الاتفاق عليه هو الاتفاق على تكثيف محاولة الوصول إلى وثيقة مشتركة تعلن خلال لقاء عباس مع الرئيس الأميركي جورج بوش في نيويورك.
غير أن عباس كشف أن السنوات السبع الماضية لم تتمخض عن أي تقدم ملموس عندما قال: إن المطلوب من الإدارة الأميركية الجديدة (القادمة) مواصلة الجهد لدعم عملية السلام، ومواصلة ما بدأناه، وما حققناه كي لا تضيع سبع سنوات أخرى في البحث عن حلول.
ما تقدم يكشف أن المطلوب أن تستمر المفاوضات، وإن كانت بلا أفق، وأن الإنجاز الذي تتباهى به رايس يكمن في أنه قد جرى خلال السنوات السبع، وضع آلية لاستمرار المفاوضات.
لكن السؤال الكبير الذي يطرح في هذا المجال هو، لماذا إذن تستمر المفاوضات طالما أنها لا تحقق أي تقدم فعلي على أرض الواقع.
هل أن الهدف يكمن في تجنب إعلان فشلها، ودفنها، والخوف من نتائج ذلك؟
أم أن الأمر أبعد من ذلك؟.
إن التدقيق في مسار الأمور، وأبعادها يظهر جملة من الاستنتاجات التي تجيب على هذه الأسئلة المذكورة آنفاً:
1 ـ إن “إسرائيل” لها مصلحة في استمرار المفاوضات لأنها تحقق لها الأهداف التالية:
الهدف الأول: الظهور أمام العالم بمظهر الساعي إلى السلام، وفي ذات الوقت الذي تواصل فيه اعتداءاتها، وإجراءاتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، وتصوير المقاومة على أنها عمل إرهابي يقف حائلاً دون أن تحقق المفاوضات أي تقدم.
الهدف الثاني: توفير الغطاء لمواصلة فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، عبر تكثيف الأنشطة الاستيطانية، وتهويد المزيد من الأرض الفلسطينية، واستكمال الاستيلاء على الأملاك العربية في القدس.
وفي هذا الإطار كشفت حركة السلام الآن الإسرائيلية في تقرير لها حول النشاط الاستيطاني أنه «في النصف الأول من عام 2008 هناك أكثر من 1000 مبنى جديد بني في المستوطنات تضم نحو 2600 وحدة سكنية، وأن نحو 55 في المائة من المباني تبنى إلى الشرق من جدار الفصل، وحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية فإن البناء في المستوطنات قفز 8/1 ضعف في مقابل الفترة الموازية من العام الماضي حيث بنيت 433 وحدة سكنية بمبادرة من وزارة الإسكان في الأشهر من يناير إلى مايو 2008، في مقابل 240 وحدة سكنية بين يناير ومايو 2007».
وحسب حركة السلام الآن، فإن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والقدس الشرقية يهدف إلى محو الخط الأخضر، عبر إيجاد تواصل على الأرض للكتل الاستيطانية مع المستوطنات المعزولة في قلب الضفة الغربية.
أما الهدف الثالث: فهو محاولة عزل المقاومة، والإبقاء على حالة الشرخ، والانقسام في الساحة الفلسطينية على اعتبار أن أحد الشروط الإسرائيلية للتفاوض هو قطع السلطة الفلسطينية أي علاقات لها مع حركة حماس.
2 ـ أما السلطة الفلسطينية، فيبدو أيضاً أن لها مصلحة في مواصلة المفاوضات، وإن كانت دون طائل، وذلك للاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول: لإظهار أنه لا يزال هناك أمل، وأنها لم تصل بعد إلى طريق مسدود في خيارها التفاوضي، حتى لا تضطر لإعلان فشلها.
الاعتبار الثاني: أن إعلان فشل المفاوضات سوف يعني الإقرار بأن الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق هو المقاومة، وهو أمر لا تستطيع السلطة السير فيه لسببين:
السبب الأول: شبكة المصالح التي باتت تربط المسؤولين في السلطة بكل من “إسرائيل”، والولايات المتحدة الأميركية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...