الثلاثاء 13/مايو/2025

التوطين في الأردن .. هل ينجح عباس في تمرير المشروع المتكتم عليه؟!

التوطين في الأردن .. هل ينجح عباس في تمرير المشروع المتكتم عليه؟!

أخفقت مشروعات توطين اللاجئين الفلسطينيين، التي فاق عددها أربعين مشروعاً على مدى ستة عقود؛ ليأتي الآن مشروع جديد لتوطينهم في الأردن، يحمله رئيس فلسطيني كان يفترض به أن يحمل لواء الدفاع عن حق العودة ويضغط فوق الطاولة التفاوضية وتحتها لتفعيله.

مشروعات لم تتوقف

وبالعودة إلى الوراء يتضح أنّ مشروعات توطين اللاجئين الفلسطينيين في مواقع اللجوء، لم تتوقف منذ احتلال فلسطين سنة 1948. وقد تراوحت أعداد هذه المشروعات بين 40 و50 مشروعاً، بعضها استمر الجدل قائماً بشأنه بعض الوقت، وبعضها الآخر وُلد ومات ولم يكد أحد يلتفت إليه. والغالب على هذه المشروعات وعلى مدار ستين سنة خلت هو الفشل، فلا هي نجحت في توطين هؤلاء اللاجئين، ولا هي أنستهم حق العودة إلى ديارهم، وظلّ المفتاح شعاراً فلسطينياً بالغ الدلالات في رفض التوطين والتمسك بحق العودة.

ومن الواضح أنّ الموقف العربي الرسمي ظلّ يرفض خيار التوطين هذا رفضاً قاطعاً، ويشمل ذلك الجميع على تعدد الاستقطابات والمحاور في العالم العربي. وكان رفض الدول العربية تجنيس الفلسطينيين أحد مفاعيل هذا الرفض، فقد تمّ استقبالهم لاجئين في الدول المجاورة منها، وأعطوا وثائق إثبات وسفر تحت هذه الصفة، في حين استقبلتهم دول عربية أخرى كمقيمين فيها ولم تصدر لهم أوراقاً ثبوتية خاصة.

ولكن تحت السطح ثمة انشغال واسع النطاق في الكيان الصهيوني بملف اللاجئين وكيفية التعاطي معه، وتحديداً منذ أن تجددت اللقاءات بين رئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت ورئيس السلطة محمود عباس نهاية سنة 2006. إنه انشغال بماهية الاتفاق المنشود صهيونياً بشأن الحل الدائم، ومنها قضية اللاجئين. وبينما تتباين المواقف داخل الأوساط الصهيونية بشأن الحدود الدائمة ومستقبل القدس؛ فإنها تُجمِع على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك في موازاة الإجماع على أنّ حل هذه القضية يكمن في التوطين في خارج فلسطين.

الجديد في مخططات التوطين

وإذا كان الحديث عن مشاريع التوطين لا يزال مستمراً منذ 60 ستين سنة؛ فإنّ الجديد هذه المرة كفيل بإثارة القلق العميق في الساحة الفلسطينية والتسبب في بعث مخاوف إقليمية كذلك. وبدوره يقول مؤسس هيئة أرض فلسطين وصاحب “أطلس فلسطين 1948” الذي قضى في إعداده 20 عاماً، المؤرخ والخبير في شؤون اللاجئين الدكتور سلمان أبو ستة، انه نتيجة لاختلال ميزان القوى بين العرب واليهود لم تترد “إسرائيل” وعلى مدار عقود في الاستخفاف بالقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة، بما في ذلك القرارات المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، أو تعويضهم، كحل لهذه المأساة الإنسانية التي مضى عليها ما يزيد على 60 سنة. وإنّ القيادة الصهيونية تخرج الآن، كما يضيف أبو ستة، عبر وسائل الإعلام الغربية، ومن حين لآخر، بسيناريوهات مختلفة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي تستضيفهم.

وقد أكدت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” رفضها لكل مشاريع التوطين والوطن البديل، مشيرة إلى أنّ أي قائد فلسطيني لايستطيع التخلى عن حق العودة، لأنه حق لايقبل التصرف.

وقال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، في خطاب ألقاه في مؤتمر “آفاق قضية اللاجئين وحق العودة في الذكرى الستين” المنعقد في دمشق؛ “إنّ العدو الصهيوني فجّر مأساة الشعب الفلسطيني ووضع أكثر من نصف هذا الشعب في ظاهرة اللجوء والنزوح، فالكيان الصهيوني يعيش على مأساة شعبنا كما يعيش على مآسي الشعوب”. ودعا مشعل الشعب الفلسطيني في الشتات لاتخاذ خطوات جديدة يفاجئ العالم بها، وقال “كما فاجأ شعبنا بالضفة والقطاع العالم بالانتفاضتين، فعلى شعب الشتات أن يفاجئ العالم بخطوات جديدة إبداعية على صعيد ملف حقّ العودة”.

بروز خطورة فعلية في ملف اللاجئين

والخطورة الفعلية هذه المرة تكمن في وجود طرف فلسطيني متورِّط في مخططات للجديدة للتوطين تقف وراءها إرادة صهيونية وتوجّهات أمريكية ودعم غربي. فرئيس السلطة محمود عباس يقول بملء الفم إنه لا يرى مانعاً في أن تمنح الدول العربية الجنسية للاجئين الفلسطينيين، وقال أيضاً إنّ عودة اللاجئين إلى فلسطين المحتلة سنة 1948 تعني “نهاية اسرائيل”، مكتفياً بطلب عودة أعداد محدودة منهم فقط. أمّا اللاجئون الفلسطينيون في الأردن فإنّ تحركات عباس الأخيرة تتضمن التنادي إلى توطينهم في الأردن ذاتها وإسقاط حق العودة الفلسطيني المقرر لهم، رغم أنه غير قابل للتصرّف.

وقد دفع هذا التدهور بمركز العودة الفلسطيني في لندن، لأن يطلق قبل أيام قليلة تحذيراً قوياً من “خطورة التساهل إزاء أية مخططات لتوطين اللاجئين الفلسطينيين وشطب حق عودتهم”، معرباً عن قلقه الشديد بشأن “ما تردد من أنباء وتسريبات عن قيام السلطة الفلسطينية بطرح مخططات على القيادة الأردنية تسعى لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن”.

السلطة وأطروحات تحت الطاولة للتوطين في الأردن

وأوردت تقارير صحافية نشرتها وكالة “قدس برس” نقلاً عن مصادر وصفتها بالمطلعة مؤخراً، أنّ رئيس السلطة محمود عباس، طرح خلال اجتماعه الأخير مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في 7 أيلول (سبتمبر) الجاري، مشروعاً لتوطين الفلسطينيين في الأردن مدعوماً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا، وأنّ هناك تحركات شبيهة مع الجانب اللبناني في هذا الاتجاه أيضاً.

وقال المدير العام لمركز العودة، ماجد الزير في البيان الصادر عن المركز بهذا الخصوص، إنه “إزاء الأنباء التي تحدثت عن قيام السلطة الفلسطينية بتشجيع الأردن على تبني مخطط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين مدعوم غربياً؛ فإنّ بواعث القلق تكون قد بلغت ذروة غير مسبوقة، خاصة مع التعتيم الشديد الذي يحيط بمفاوضات السلطة مع حكومة الاحتلال وتزايد تصريحات الرئيس محمود عباس التي تتضمن استعداده للتنازل عن حق العودة”، وفق تحذيره.

وأضاف الزير في التصريح أنّ “ما يلفت الانتباه أيضاً، ما ورد في الأنباء من إشارات لمخططات موازية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الأمر الذي يرسم صورة قاتمة بشأن حقيقة ما يدور في مفاوضات السلطة ومداولاتها”.

وخلص مركز العودة الفلسطيني إلى التشديد على أنّ “الشعب الفلسطيني لن يمنح أي شرعية لأي طرف كان إذا ما تعلّق الأمر بالتنازل عن حق العودة أو المضيّ في مخططات التوطين المدانة والمنبوذة، والتي تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرّف”، وفق تأكيده.

وما زالت الإدانات تتواصل للتحركات التي يقوم بها عباس في الترويج لمشروع جديد للتوطين، يستند فيه إلى الدعم الغربي، ويتساوق من خلاله مع إرادة سياسية إسرائيلية تتمسك برفض حق العودة الذي لا يتردد بعض السياسيين الفلسطينيين المعزولين شعبياً بنبذه أيضاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات