السبت 10/مايو/2025

التمسك بحق العودة.. المقاومة الأولى والاستراتيجية

التمسك بحق العودة.. المقاومة الأولى والاستراتيجية

صحيفة الخليج الإماراتية

يأخذ بعضهم على الناشطين في الدعوة لعقد مؤتمرات حق العودة خلو دعواتهم والبيانات الختامية لمؤتمراتهم من ذكر المقاومة المسلحة على الرغم من وضوح أهميتها في مواجهة التحالف الاستعماري الصهيوني. ولا خلاف أن العقود الماضية من الصراع الممتد مع صناع القرار الصهيوني ورعاتهم على جانبي الأطلسي تظهر بوضوح تام استهانتهم بالقرارات الدولية، وعدم اكتراثهم بالبيانات السياسية أياً كان مستواها من الموضوعية، وأنهم لا يفهمون إلا لغة القوة. وليس من شك أن دعم المقاومة وتأييدها وتعزيز دورها في الصراع الذي فجره الوجود الصهيوني على التراب العربي في فلسطين هو اليوم مؤشر أساسي على سلامة المواقف السياسية العربية عامة والفلسطينية منها خاصة. غير أن تقويم مواقف الناشطين في الدعوة لمؤتمرات حق العودة وبياناتهم لا يستقيم من دون أخذ الهدف الاستراتيجي للقوى الدولية من إقامتها الكيان الصهيوني بالحسبان.

فالكيان الصهيوني لم تعمل على إقامته القوى الدولية الراعية له بتأثير فعالية الحركة الصهيونية والجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا على أهمية ذلك، ولا ليكون مجرد ملجأ آمن لفقراء يهود أوروبا الذين ضاق بهم عنصريوها، وإنما ليشكلوا تركيباً بشرياً غريباً يفصل بين جناحي الوطن العربي ليعطل الوحدة العربية وليكبح فعالية مصر القومية، بحيث يسهم في تأصيل واقع التجزئة والتخلف والتبعية كي يتواصل استغلال الوطن العربي موقعاً وموارد وأسواقاً وقدرات بشرية. وحين تُراجع أدبيات دعاة المشروع الصهيوني ورعاته يتضح اتفاقهم على إفراغ فلسطين من شعبها العربي ليحلوا محله اليهود المقتلعين من مواطن آبائهم وأجدادهم. وذلك ما عبر عنه شعار “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

ولقد انعكس ذلك على القرارات الدولية المنشئة للكيان الصهيوني بدءاً من وعد بلفور الذي أنكر الشخصية الوطنية والانتماء القومي لشعب فلسطين واعتبره مجرد “طوائف غير يهودية” مقيمة في فلسطين.

وعندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 في 11/12/1948 لم تعهد بقضية اللاجئين الفلسطينيين إلى “لجنة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” التي كانت تتولى رعاية اللاجئين من مختلف الشعوب الذين شردتهم الحروب وتعمل على إعادتهم لأوطانهم، وإنما شكلت لهم “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين” (الأنروا). وبالنص على تشغيلهم في قرار إنشاء “وكالة الغوث”، ما ينم عن توجه للعمل على دمجهم في أماكن تواجدهم، في مخالفة ضمنية للقرار الدولي الذي يقضي بعودتهم لديارهم واستردادهم ممتلكاتهم والتعويض عليهم. وفي هذا ما يؤشر إلى تواطؤ القوى العظمى المتحكمة في صناعة قرارات الأمم المتحدة، ضد التنفيذ العملي للقرار 194، من منطلق إيمانها بأن عودة اللاجئين إلى ديارهم يتناقض تناقضاً رئيسياً مع الهدف الاستراتيجي للقوى الدولية من إقامتها الكيان الصهيوني ورعايته.

ولتنفيذ الاستراتيجية المعتمدة توالت منذ أيام النكبة الأولى مشروعات إسكان وتوطين اللاجئين، وإقامة مشروعات مائية على نهر الأردن توفر لهم مجال العمل. فضلاً عن أنها كانت تستهدف دمج الكيان الصهيوني في محيطه العربي. ولقد تعددت المشروعات وطارحوها وكثر مروجوها من مسؤولين سابقين ومبعوثين رسميين أوروبيين وأمريكيين. إلا أنه على الرغم من بؤس واقع اللاجئين ومرارة العيش في مخيمات اللجوء، كان هناك شبه إجماع على رفض كل تلك المبادرات التي تكسرت على صخرة التمسك العنيد بحق العودة. مما يغدو منطقياً القول إن التمسك بحق العودة، وتأكيد أنه حق لا يمكن تجاوزه، كان أول أشكال المقاومة التي أبدعها الشعب العربي الفلسطيني.

فضلاً عن أن إبقاء حق العودة قائماً وعصياً على التجاوز شكل عقبة كأداء أمام مساعي تصفية القضية الفلسطينية التي توالت فصولها منذ توقيع اتفاقيات الهدنة سنة 1949، ويذكر ناحوم غولدمان في مذكراته أنه توجه لبن غوريون قائلاً: الآن وقد أبرمت اتفاقيات الهدنة مع العرب توفرت الفرصة للصلح معهم، فكان رده: ليس هناك حاكم عربي يمكنه أن يوقع صلحاً إلا بعودتنا لحدود التقسيم وإعادة اللاجئين، وهذا ما لا نقبل به. وفي سنة 1953 طرح وزير الخارجية الأمريكية دلس موضوع الصلح على الرئيس عبد الناصر فاشترط عودة “إسرائيل” لحدود التقسيم مع إعادة النقب للعرب، كما جاء في مشروع برنادوت، وتنفيذ القرار 194 بإعادة اللاجئين والتعويض عليهم. وعندما روجع شاريت، رئيس وزراء “إسرائيل” حينها بالموضوع كان رده: إن العودة لحدود التقسيم انتحار، وإعادة اللاجئين شبه انتحار، ومن يقترح دفع تعويضات للاجئين عليه أن يدبر الأموال اللازمة لذلك، لأنه ليس لدى “إسرائيل” فائض مالي عما تحتاجه. وفي اللقاء الذي دعا له الرئيس كلينتون في منتجع كامب ديفيد سنة 2000 كان اقتراحه لحل مشكلة اللاجئين متجاوزاً تنفيذ القرار 194، الأمر الذي رفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات وكان عاملاً أساسياً في إفشال اللقاء يومذاك، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الراحل في مبنى المقاطعة برام الله حتى وفاته المشكوك في أسبابها.

وعلى مدى السنوات الستين الماضية لم يصدر عن نشطاء الدعوة لمؤتمرات حق العودة انتقاد صريح أو ضمني للمقاومة المسلحة، وإن هم لم يأتوا على ذكرها في دعواتهم وبيانات مؤتمراتهم الختامية. في حين إنه ليس بين رافضي ومعارضي المقاومة المسلحة واحد إلا وهو مفرط بحق العودة عملياً بتخليه عن المطالبة بتنفيذ القرار 194، فضلاً عن أنه على مدى السنوات الستين الماضية لم تخل مبادرة للتسوية من محاولة الالتفاف على القرار الدولي باستخدام جملة “إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين” في تجاهل تام لانحياز القوى الدولية لمشروعها الصهيوني، والمؤيدة بقوة رفض عودة اللاجئين لديارهم.

ومن هنا تتضح أهمية الاستجابة لدعوة “اللجنة التحضيرية” للملتقى العربي الدولي لحق العودة المقرر انعقاده في دمشق يومي السبت والأحد 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، والتفاعل الايجابي معها، باعتبار التمسك بحق العودة مقاومة جذرية للمشروع الصهيوني والهدف الاستراتيجي الذي أقيمت لأجله “إسرائيل”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات