السبت 10/مايو/2025

المفاوضات المتعثرة وسياسة الهروب للأمام!

المفاوضات المتعثرة وسياسة الهروب للأمام!

صحيفة العرب القطرية

دأبت وسائل الإعلام العربية والعالمية على تداول أخبار اللقاءات الفلسطينية «الإسرائيلية» بمزيد من الضبابية، إن لم نقل السوداوية، بدليل ما تتناقله باستمرار من تصريحات لرئيس السلطة ومسؤول ملف التفاوض. خاصة أن ربع الساعة الأخيرة المتبقية من عمر رئيس حكومة العدو قد سمحت للمراقبين بالتوصل إلى استنتاج يقول بعجز هذه الحكومة عن التعامل مع القضايا الأساسية. كما أن حالة الإدارة الأميركية التي بدأت تلملم أوراقها لمغادرة البيت الأبيض خلال الأشهر القليلة القادمة قد أوصلت -مع أوضاع أخرى تعيشها هذه الإدارة- المتفاوضين إلى حالة الجمود الراهنة. بالإضافة للخلاف الفلسطيني الداخلي حول جدوى المفاوضات في ظل الوضع القائم على الأرض في تحقيقها لأي مكاسب للشعب الفلسطيني.

جاءت تصريحات رئيس السلطة خلال الأيام القليلة الماضية، في بيروت وإيطاليا والقاهرة، والتي زارها تباعاً، لتوحي بوصول المفاوضات إلى أزمة حقيقية. فقد استبعد في معظم أحاديثه «التوصل إلى اتفاق سلام مع الإسرائيليين يشمل كافة القضايا قبل نهاية السنة. وأن لا يوقع على اتفاق لا يشمل القضايا الست الرئيسة». وهذا ما أشار إليه أحمد قريع رئيس الوفد المفاوض أثناء لقائه مندوب اللجنة الرباعية توني بلير في أبوديس قبل أيام بقوله: «لن نوافق على تأجيل أو تأخير البحث في أي موضوع من مواضيع التسوية الدائمة بما في ذلك القدس واللاجئين». جاءت هذه المواقف المترافقة مع التصريحات المتوازية التي أطلقها مؤخراً سلام فياض وصائب عريقات، لتدلل على طبيعة المأزق الذي وصلت إليه هذه اللقاءات المتواصلة، والمشمولة في رعايتها من سيدة الدبلوماسية الأميركية التي حرصت على مساهمتها الميدانية (18 زيارة) في حلحلة العقد المستعصية بما يتلاءم مع مصلحة حكومة العدو التي تعمل في هذا «الوقت المستقطع» على تطبيق بنود برنامجها الاحتلالي-الاستعماري، مستفيدة من ضعف سلطة رام الله المحتلة التي فقدت منذ لحظة وجودها قدرتها على الحركة والمناورة و«السيادة» التي نفتها تماماً بنود اتفاق أوسلو.

في ظل هذه الحالة المأزومة، حاولت قيادة التفاوض ممارسة نوع جديد من «الضغوط» على حكومة العدو والإدارة الأميركية الداعمة لها، فقد تحدث رئيس الوفد المفاوض في اللقاء المشار إليه عن «أن أحد الخيارات الأبرز أمام الفلسطينيين هو الإعلان بشكل أحادي الجانب عن إقامة دولة فلسطينية». إن أي دراسة ميدانية تؤكد استحالة تحقيق هذا الخيار، نتيجة الوقائع المثبتة على الأرض المحتلة منذ عام 1967 «الجدار الاحتلالي/التقسيمي، وكتل المستعمرات، ومصادرة الأرض والثروة الباطنية، والارتباط والتشابك الكاملين بالاقتصاد والبنى التحتية مع حكومة العدو، والتقطيع والتفتيت للوحدة الجغرافية». وقد جاء هذا الموقف بعد مرور أيام قليلة على حديث له حول رؤيته للخروج من المأزق الراهن من خلال اللجوء إلى خيار «الدولة ثنائية القومية».

إن الرد على أزمة الاستعصاء التي تشكو منها الحالة التفاوضية بين الطرفين لا تتطلب القفز في الفراغ، بمقدار ما تستوجب العودة إلى البرنامج السياسي/الكفاحي للحركة الوطنية الفلسطينية، ناهيك من الفارق الكبير ما بين تحقيق الدولة الفلسطينية بالإعلان الأحادي عن قيامها، والوصول لتلك الدولة الثنائية المتخيلة، مع ما يتضمنه كل تصور من إسقاط لحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المحتل مرتين (1948 و1967).

وفي هذا الإطار من «الاجتهادات» المتطيرة في سبيل البحث عن مخارج، جاء كلام «سري نسيبة» الأكاديمي المعروف بأفكاره المثيرة للجدل وبعلاقته الحميمة مع أحد القادة الأمنيين السابقين في المؤسسة الصهيونية «عامي أيالون» عبر صحيفتي «هاآرتس» و«القدس» في منتصف الشهر المنصرم، عندما أكد على «الدولة ثنائية القومية»، مسقطاً حق المواطن الفلسطيني في وطنه، وداعياً لتحقيق «المساواة» في هذه الدولة العتيدة. داعيا إلى «استبدال الكفاح من أجل الاستقلال بالكفاح من أجل المساواة في الحقوق وحق العودة». لكن «نسيبة» يدعو إلى إدراج هذا الحق (العودة) في صفقة للمقايضة: «بالنسبة لنا، مهما كان حل قضية اللاجئين هاماً للفلسطينيين، فإن القدس أهم لهم ولباقي العرب والمسلمين. ومن أجل القدس سيوافق، حتى اللاجئون الأكثر تطرفاً على تقديم التنازلات. لذلك نقول إن القدس هي المفتاح الوحيد للتنازل عن حق العودة». إن هذا الإعلان الخطير الذي يضع مصير القضية الوطنية في بازار المقايضة والتفاضل، يشير إلى وصول بعض دعاة الحوار والتفاوض البعيدين عن الأضواء إلى مراحل متقدمة في رسم ملامح التنازلات في المرحلة القادمة، مما ينبئ بحصول الانهيار الشامل.

إن وقف الانزلاق نحو الكارثة مرهون بضرورة تحقيق توافق وطني عام حول برنامج العمل السياسي/الكفاحي للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده. فالتمزق الجغرافي والسياسي والمجتمعي أعطى للسياسة العدوانية الاحتلالية مبررات البقاء والتمدد، خاصة أن العديد من السياسات والممارسات داخل المؤسسات الإدارية والأمنية التي أوجدها اتفاق أوسلو قد فاقمت من الأزمة الداخلية. كما أن الشرخ الكبير قد انتقل منذ فترة إلى داخل الأطر والصيغ التوافقية الفلسطينية. وما نقلته الأنباء عن الخضات العنيفة التي دارت في الاجتماعات التشاورية/ التداولية التي تمت خلال الأسبوعين الماضيين لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المتواجدين في عمان، تؤكد على أن التجاذبات والاختلافات حول إعادة تهيئة المجلس لتحمل دوره والقيام بوظيفته، لم تعد مجال خلاف بين القوى السياسية، بل -ولاعتبارات عديدة- داخل اللون السياسي الواحد، لأن البعض يريد إعادة ترتيب المجلس بأعضائه ومهامه بما يتلاءم مع رؤيته.

في ظل هذا المشهد، لا بد من خطوات جماهيرية منظمة وفاعلة، تعمل على إعادة ضبط الحراك الراهن، وتوجيهه نحو لملمة الأوضاع الداخلية على قاعدة التمسك ببرنامج المقاومة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات