السبت 10/مايو/2025

آثار مصر المنهوبة في إسرائيل

آثار مصر المنهوبة في إسرائيل

صحيفة الوطن القطرية

عن طريق الصدفة البحتة، كانت وحدة جندي الاحتياط الإسرائيلي أيدو ديسينتشيك مرابطة في أبو رديس في سيناء في يوليو 1969. وصدر أمر للوحدة بتوفير حراسة لوزير الدفاع موشي ديان، الذي وصل إلى «سرابيط الخادم» في جنوب سيناء، ولحقت به الوحدة التي وجد أفرادها ديان منهمكاً هو وصديق له في أعمال تنقيب عن الآثار، ولم يكن ما يقوم به ديان مهمة عسكرية، بل عمل يتصل بالآثار.

يقول أيدو: إنهم شاهدوا الكنوز الأثرية التي يريد ديان أخذها، وأثناء عودة الوحدة إلى موقعها، قال أحد أفرادها: لقد وفرنا الأمن للجريمة، وكنا مثل المشاركين في أفلام السينما: لصوص داخل البنك، وآخرون خارج البنك لتغطية السرقة، لقد تحقق الجنود من حقيقة ما شاهدوه، بينما أغلق الجنرالات عيونهم عن السرقة.

هذه الواقعة مصدرها خبير إسرائيلي متخصص في الآثار بالإضافة إلى مصادر أخرى كلها إسرائيلية، وجاءت الواقعة في دراسة كتبها راز كليتر المسؤول بإدارة الآثار في “إسرائيل”، وقرر مسؤوليته عن كل ما جاء فيها، ووصفها بأنها اعتمدت على مصادر موثوق فيها، وعلى كتابات، وشهود عيان، لم يكن لأي منهم أي موقف عدائي من ديان. بل منهم من ظل وثيق الصلة به إلى آخر يوم من عمره.

فيما بعد دخل أيد وديسينتشيك شاهد العيان على هذه الواقعة، في جدل مع والده الذي كان رئيساً لتحرير صحيفة «معاريف» لنشرها في صحيفته، لكن الأب رفض النشر. وقال لابنه إن ما أخبرتني به ليس مفاجأة لي، فديان قادر على ارتكاب أي فعل سيئ وعلينا أن نتقبله كما هو ولن ننشر شيئاً من هذا عنه.

كان يوري ياروم قائد الهليكوبتر التي نقلت القطع الأثرية التي نهبها ديان شاهد عيان آخر على سرقات ديان التي بدأت منذ احتلال “إسرائيل” سيناء عام 1956. وقد أصدر ياروم كتاباً بعنوان « Jolly wings » أشار فيه إلى ما أسماه العملية Steines إلى ديان باعتباره أحد المسؤولين عن هذه العملية التي استخدمت فيها طائرات هليكوبتر عسكرية جديدة لنقل الآثار الثقيلة الوزن من سيناء، من بينها مسلة ظهرت صورتها في كتاب ياروم.

هبطت الطائرة التي يقودها ياروم في أبو رديس، وهناك – طبقاً لروايته- كشف لنا قائد المعسكر عن مهمتنا وهي الوصول إلى أطلال «سرابيط الخادم» في جنوب سيناء، وهي نقل قطع من الحجارة لها قيمة أثرية، تم الهبوط بها في أبو رديس ومن هناك تنقل إلى “إسرائيل”.

ويقول ياروم إن عملية النهب تمت في حضور اثنين من الضباط ذوي الرتب العالية هما ييكوئيل آدم وآوزي ناركيس، وشارك نحو 20 جندياً في نقل المسروقات إلى الطائرة العائدة إلى “إسرائيل”.

وطبقاً لما ذكره ياروم فقد أصيبت قطعة أثرية بها نقوش وعليها وجه هاتور، بتلف عند نقلها إلى عربة نقل عسكرية. ومعظم هذه القطع وصلت إلى مقتنيات الجامعة العبرية، لكن بعضها وجد طريقه إلى المجموعة الخاصة بديان.

واستعان ديان بالبروفيسور ريفايل جيفيون من جامعة تل أبيب في التحقق من أصالة القطع الأثرية المصرية، وفك شفرة الحروف الهيروغليفية، وقد ذكر جيفيون أن ديان جمع مجموعة كبيرة ومهمة من الآثار.. تتابع روايات المصادر الإسرائيلية التي تتفق جميعها على حدوث النهب الإسرائيلي ومنهم الصحفي نافتالي لافي الذي اختاره ديان مستشاراً إعلامياً له في أواخر أيامه، ويوصف لافي بأنه كان مقرباً من ديان ومتعاطفاً معه ولذلك لا يمكن أن يقول عنه أحد إنه يتعمد تشويه ذكراه.

وفي حديث صحفي أدلى به لافي لابرام كوهين في «علي همشار» هناك قصة شهيرة حول «سرابيط الخادم» حيث أحضر ديان معه ضباطاً من الجيش ليحملوا قطعة أثرية من هناك، وقد سألته ذات مرة عن هذه القصة، فقال لي إنها قطعة أثرية لها قيمة فنية عالية وأن المصريين لم يتعاملوا معها باهتمام. وبدلاً من تركها في مكانها للدمار فلنضعها نحن في متحف.

ويعقب كليتر مسؤول الآثار الإسرائيلي على ادعاء ديان فيقول: في الحقيقة، لم يكن هناك أي تهديد بالدمار لآثار «سرابيط الخادم»، باستثناء تصرفات ديان وما قام به من نهب لآثار لم تصل للعرض في أي متحف.

ويضيف كليتر أن ديان استطاع خلال ثلاثة عقود من 1951-1981. الاستحواذ على مجموعة كبيرة من الآثار حصل عليها من عمليات تنقيب غير قانونية، بالإضافة إلى مبادلات وشراء وبيع آثار في “إسرائيل” وفي الخارج، ونشاطات ديان معروفة في “إسرائيل”، لكن لم يجر أي تحقيق حولها من الناحية الأثرية وبقيت كثير من أفعال ديان غير معروفة في الخارج، وإن كانت مصادر يهودية قد أشارت إليها في أقوال متفرقة.

هذه الرواية أهديها إلى الصديق د. زاهي حواس والأرجح أن يكون على علم بها، فأنا لست متخصصاً في موضوع الآثار، لكنني أعرض هنا ما قرأته في أوراق إسرائيلية، أتيح لي أن أطلع عليها، وربما تكون اللغة التي كتبت بها وهي العبرية قد صنعت في البداية ستاراً حولها، قبل أن تترجم إلى الانجليزية.

وعموماً، فإذا كان الاحتلال الإسرائيلي، اعتاد أن يبدأ على الفور منذ لحظة وضع جنوده أقدامهم على الأرض المحتلة، في نهب ثرواتها، ومواردها الاقتصادية، وليس أكثر دلالة على ذلك من نهب بترول سيناء وغيره من ثرواتنا في سنوات الاحتلال، فإن نهب الآثار المصرية، يفتح ملفاً آخر فوق ما ارتكبته “إسرائيل”، ومالنا من حق مازال معلقاً في رقبتها ومن حقنا أن نسترجعه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات