الثلاثاء 13/مايو/2025

بازار الخرائط السياسية الإسرائيلية!

بازار الخرائط السياسية الإسرائيلية!

صحيفة الدستور الأردنية

من كثرة تلك الأفكار والمقترحات والعروض البازارية المتعلقة بالمفاوضات التسووية، ربما لم يعد بقدرة حتى المختصين بهذه المسألة متابعة كل التفاصيل والمشاريع، فربما يمكننا أن نتحدث هنا عن “ألف خارطة وخارطة” للحل والتسوية أو ربما التصفية…، فها هو “معهد السلام في الشرق الأوسط”، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له يقول :”إن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أعد خريطة لحل الحدود في الضفة المحتلة مع السلطة الفلسطينية”.

وطبقاً للخارطة، التي تستثني مدينة القدس، فإن “إسرائيل تريد الاحتفاظ بما مساحته 89% من مساحة الضفة التي تضم المستوطنات الإسرائيلية الواقعة إلى الغرب من جدار الفصل الذي أقامته بالإضافة إلى 26% من المنطقة الواقعة إلى الشرق من غور الأردن ـ 30 ـ 05 ـ 2008”.

وحسب مصادر فلسطينية فإن “أولمرت طرح أفكاراً على الرئيس الفلسطيني من خلال خريطة أعدها مكتبه، تستثني ما يسمّى منطقة “القدس الكبرى” من أراضي الدولة الفلسطينية المرتقبة، باعتبار أن “القدس الكبرى” جزء من أراضي “إسرائيل”، وهي تمتد من تخوم مدينة رام الله إلى تخوم مدينة بيت لحم.

وبحسب “خريطة أولمرت”، فإن الكتل الاستيطانية تُضَمّ إلى “إسرائيل”، وتُوَسَّع أفقيّاً لتحقيق التواصل مع كل كتلة استيطانية. ويعرض أولمرت لحل مشكلة ترابط وتواصل أراضي الدولة الفلسطينية البحث في بناء سلسلة من الجسور والأنفاق 29 ـ 4 ـ 2008.

وتقتطع خريطة أولمرت لإعلان المبادئ 15% من الضفّة وتستبعد الأغوار من الحل” ووفق مسؤولون في السلطة الفلسطينية لاحقاً ف”إن ما تعرضه “إسرائيل” على الفلسطينيين لا يزيد عن كونه “دويلة مكونة من كانتونات” غير متصلة جغرافياً في أنحاء الضفة الغربية 6ـ5ـ2008″.

ونعود قليلاً للوراء لنتذكر: أن هناك تراكماً من الخرائط الإسرائيلية منها: خرائط شامير ثم رابين، ثم بيريز، ثم نتنياهو ثم شارون، ثم خرائط الجنرال باراك بعدهم، ثم خرائط رامون وبيلين وشلومو بن عامي، ثم وهذه الأهم خرائط الجيش الإسرائيلي التي ترسم خطوط وشروط وآفاق التسوية ان تمت وفق التصور الأمني الإسرائيلي، كان الكاتب والمحلل الإسرائيلي زئيف شيف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس قد كتب حول “المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بشأن الوضع الدائم وخاصة ما يتعلق بموقف “إسرائيل” التي تسعى إلى تقاسم أراضي الضفة مع الفلسطينيين” قائلاً: “في الماضي غير البعيد كان رئيس الوزراء يرد كل اقتراح يتضمن عرضاً على الفلسطينيين حول حجم المنطقة التي يبدي استعداده لنقلها في إطار الاتفاق النهائي معهم، كما وعارض البحث الداخلي للموضوع، وقد انتهت هذه المرحلة، فمهمة إعداد الخرائط ألقيت على عاتق قسم التخطيط في هيئة الأركان، وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في الماضي خرائط تناولت المفاوضات مع الفلسطينيين بيد أن التشديد تركز في حينه على ترسيم المصالح الأمنية والفارق هو أن الخرائط الجديدة تتناول اقتراحات الحل، وتقسيم المناطق بين “إسرائيل” والفلسطينيين والبدائل الإقليمية”.

وها هي خرائط أولمرت تطل علينا في هذه الأيام تباعاً…، ونقول في هذا السياق: إذا كانت الخرائط والمشاريع السياسية الإسرائيلية التي تتابعت على مدى سنوات ما قبل مدريد وأوسلو، قد أجمعت على الإطلاق، على تصفية المقاومة المسلحة الفلسطينية، وإجهاض وتقويض الانتفاضة الفلسطينية الأولى من جهة أولى، وعلى تصفية الحقوق والطموحات والأهداف الوطنية الفلسطينية المشروعة عبر جملة الخطوط الحمراء واللاءات والأطواق والإملاءات التي طفحت تلك الخرائط والمشاريع بها وشكلت قواسم مشتركة إلى حد كبير بين كافة الأحزاب والقوى والتيارات السياسية في المجتمع الإسرائيلي من جهة ثانية.

نقول إذا كانت تلك الخرائط والمشاريع تميزت بجملة من القواسم المشتركة الجامعة ما بين أطراف وجهات الخريطة السياسية الإسرائيلية، فهل تختلف الخرائط والمشاريع السياسية الإسرائيلية التي تظهر وتعرض في هذه المرحلة عن تلك من حيث الجوهر؟ وهل يمكننا القول إن المجتمع السياسي الإسرائيلي تغير في هذه المرحلة عن المراحل السابقة، وأصبح أكثر جاهزية للتعاطي مع القضايا والحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة؟ أم أن تلك القواسم المشتركة المتمثلة بالخطوط الحمراء واللاءات والأطواق والإملاءات ما تزال قائمة ومستمرة جوهرياً واستراتيجياً؟ وهل نقرأ اليوم أفكار وخرائط أولمرت أو ليفني أو موفاز أو الجنرال باراك أو نتنياهو يا ترى بصورة مختلفة عن قراءتنا مثلاً لبيغن أو رابين أو شامير؟ الواضح فلسطينياً أن ما تجمع عليه الخرائط الإسرائيلية على اختلافها:

– تكريس الأهداف والمضامين الاستراتيجية الاستيطانية للمشروع الصهيوني على كامل مساحة فلسطين.

– تكريس السيطرة الاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة على كامل المنطقة الواقعة بين البحر والنهر.

– محاصرة وعزل من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين وفصلهم خارجياً بانتزاعهم من جسمهم وعمقهم العربي، وفصلهم داخلياً أيضاً عن بعضهم البعض، الضفة والقطاع مثلاً عن فلسطين 1948، والضفة عن القطاع، إضافة إلى تقطيع أوصال جسم الضفة بواسطة الكتل الاستيطانية والجدران الأساسية والالتفافية، وعدم إتاحة أي تواصل بين هذه المناطق إلا عبر عدد قليل من الجسور والأنفاق والطرق الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.

– إنهاء كافة المطالب والطموحات الوطنية الاستقلالية الفلسطينية وإنهاء النزاع استناداً إلى هذه الخريطة الاستيطانية، وبعد أن يستسلم الفلسطينيون حسب مخططه استسلاماً كاملاً لآلة الحرب والاجتياحات والدم والدمار الإسرائيلية.

– إرساء وفرض المحددات الجغرافية والسياسية لـ”اتفاق انتقالي طويل الأمد” حمله شارون في جعبته من سنوات طويلة، ويواصله من بعده أولمرت وباراك وليفني، ليتبين لنا في الخلاصة المكثفة الواضحة الصارخة لمن يريد أن يقرأ جيداً: أننا عملياً أمام خرائط تستهدف تكريس مضامين المشروع الصهيوني بالهيمنة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وتهويدها، إلى جانب فصل وعزل الشعب الفلسطيني وتقطيع أوصاله في إطار “معازله” في أضيق مساحة ممكنة تبقى مفاتيحها مرهونة بيد دولة وقوات الاحتلال، وصولاً بذلك إلى إعدام مقومات بناء الدولة الفلسطينية السيادية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات