كاتب ومحلل: إضراب التعليم والصحة سياسي .. والنقابات تصمت على قضايا تستحق الإضراب

استخف كاتب ومحلل فلسطيني بالمسوغات التي تطرحها ما تسمى “نقابات الموظفين” التابعة لحركة “فتح” لتبرير الإضراب في قطاعي التعليم والصحة في قطاع غزة، في الوقت الذي تتجاهل فيه وقائع تستحق أن تجابه بالإضراب.
وأشار الكاتب والمحلل نقولا ناصر في مقالة له نشرت في عدة وسائل إعلام فلسطينية إلى أن التورط في الحديث عن تفاصيل الإضراب المسيس الحالي “يحجب قضايا نقابية وعمالية واقتصادية ذات أبعاد وطنية تستحق فعلاً إضراباً وطنياً عاماً، مسيّساً تماماً، لا بل انتفاضة عمالية ربما تكون هي المدخل إلى وحدة وطنية نضالية حقا تنفض عنها كثيرا من الأطر النقابية والسياسية التي تآكلت حتى أصبح لوجودها نتائج معاكسة تماما للأهداف التي أنشئت من أجلها”.
وسلط ناصر الضوء، على واحدة من الجرائم التي وقف وراءها أحد هذه الهياكل النقابية ومر عليها الجميع مرور الكرام، متحدثاً عن الاتفاقية التي وقعها الاتحاد العام لنقابات العمال مع الهستدروت الصهيوني أوائل الشهر الماضي بحجة “حماية العمال الفلسطينيين الذين يستخدمهم أصحاب عمل إسرائيليون”، دون أي نص على مساواتهم بالعمال الصهاينة.
وأكد أن هذه الاتفاقية لم تحظ بما تستحقه من اهتمام الرأي العام النقابي، وقال: “ودون التسرع بتوجيه الاتهام الجاهز بالتطبيع فإن أمين عام الاتحاد شاهر سعد بحاجة إلى الإجابة على مجموعة من الأسئلة، مثل: ما هي الحكمة من توقيت توقيع الاتفاقية الآن بينما السياسة الرسمية لدولة الاحتلال تتجه نحو “أسرلة” كاملة لقوة العمل فيها، لا بل إن وزارة مالية دولة الاحتلال في مشروعها لميزانية عام 2009 المقبل تخطط للاستغناء عن (15) ألف عامل فلسطيني، بحيث قد “لا يبقى قريباً أي عمال فلسطينيين في قطاع البناء، كما تخطط لفرض ضريبة سنوية قدرها ألف دولار أمريكي على كل عامل فلسطيني، كما ذكرت رويترز في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، بالرغم من أن مناشدة الدول المانحة الراعية لما يسمى “عملية السلام” لم تتوقف لفتح سوق العمل الإسرائيلي أمام العمال الفلسطينيين من الأرض المحتلة عام 1967؟”.
وتساءل الكاتب والمحلل ما هي “المبادرات المشتركة” التي ستقوم على أساسها “العلاقات المستقبلية” بين الطرفين من أجل تعزيز “الأخوة والتعايش السلمي بين الشعبين”، كما جاء في التصريح الصحفي الذي أصدرته الكونفدرالية الدولية للنقابات بالمناسبة؟ “وأي أخوة وتعايش يمكن أن يكونا بين جماهير العمل الفلسطيني وبين جماهير الهستدروت التي خدمت أغلبيتها الساحقة -وما زالت تخدم- في جيش الاحتلال المسؤول عن ربع مليون فلسطيني عاطل عن العمل، حسب تقارير منظمة العمل الدولية لعام 2005، أي قبل أن تدخل حماس المشهد السياسي الفلسطيني الرسمي، ويتخذ الاحتلال من دخولها هذا قميص عثمان لتسويغ سياسة الحصار والتجويع المفروضة على الشعب الفلسطيني؟”.
وأضاف: “هل حدث مثيل لاتفاق كهذا في تاريخ أي شعب أو أمة خضعت للاحتلال، بينما الاحتلال ما زال قائماً ومستمراً؟ فحتى “أحزاب الطبقة العاملة” الشيوعية لم تعرف إلا “أخوة” سلاح المقاومة ضد الغازي والمحتل كعلاقة “أخوية” عمالية مشروعة. فإذا لم يكن كل هذا تطبيعا نقابيا وعماليا مجانيا يطيل أمد الاحتلال فليقل لنا أحد ماذا يكون؟!”.
وتابع الكاتب الفلسطيني: “السؤال الأهم للنقابات واتحادها العام يدور حول مواقفهم من “خطة الإصلاح الاقتصادي والتنمية” التي أصدرت الرئاسة الفلسطينية و”حكومة” فياض (غير الدستورية) أكثر من (400) مرسوم بقانون لتسهيل تطبيقها دون أن نسمع من الاتحاد أي احتجاج أو دعوة للاحتجاج لا على الخطة ولا على أي مرسوم من مراسيمها التي لمعظمها صلة مباشرة بسوق العمل وأوضاع العمال وحقوقهم”.
وشدد ناصر على أنه “لا أحد يجادل ، ولم يعد مقبولا أن يجادل أحد، أن الإضراب النقابي والسياسي هو حق مدني وسياسي مشروع حتى لو لم تنص عليه القوانين النافذة”، لكنه استدرك قائلاً: “النقابات التي تستغل العمال والعاملين ورواتبهم في الوقت الحاضر لتنظيم إضرابات تخدم أجندات “فصائلية” أكثر منها “نقابية” أو “وطنية” إنما تساهم في النتيجة في تعميق الانقسام الوطني بدل المساهمة في احتوائه، وتثير أسئلة هامة حول أدوارها وتفويضاتها نتيجة لغياب أي موقف لها من قضايا نقابية وسياسية ووطنية كان من المفترض أن تكون في طليعة المتصدين لها”.
وعرض نماذج من صمت النقابات على قضايا تستحق الإضراب المطلبي، لافتاً الانتباه إلى “الصمت “النقابي” المطبق على أكثر من (400) مرسوم بقانون يمكنها “أن تغير تماماً النظامين السياسي والاقتصادي للسلطة”، كما قال مسؤولون فلسطينيون لوكالة رويترز، أصدرتها الرئاسة الفلسطينية وحكومتها خلال عام من حزيران / يونيو 2007 إلى الشهر نفسه من العام الحالي دون مشاركة أو رقابة أي مؤسسة تمثيلية لمنظمة التحرير أو لسلطة الحكم الذاتي أو للمجتمع المدني، وخصوصاً النقابات المعنية مباشرة بهذا “الانقلاب” الحقيقي الذي يجري في الظلام الناجم عن الانقسام الوطني الراهن من أجل تطبيق الخطة الخمسية لـ “الإصلاح الاقتصادي والتنمية” لـ “حكومة” رام الله (غير الدستورية)”.
وقال نقولا ناصر: “إن فلسطين حتى وهي خاضعة للاحتلال بقيت وطناً لشعبها وإن كان محتلاً، لكن هذه الخطة تحولها إلى مزرعة تحت الاحتلال معروضة في المزاد العلني للاستثمار مع وعود اقتصادية خادعة بالسمن والعسل، ووعود سياسية جوفاء ممجوجة لكثرة تكرارها بإرساء البنى التحتية للدويلة الفلسطينية المرجوة، غير أن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقول المثل الأجنبي، كما أن تجربة الفترة الممتدة منذ مؤتمر الدول المانحة لهذه الخطة في باريس أواخر العام المنصرم وكذلك مؤتمر المستثمرين من القطاع الخاص في بيت لحم في شهر أيار / مايو الذي انعقد لدعمها أثبتت أن الوعود السخية جداً في ظاهرها لتمويلها بمليارات الدولارات لم تكن سوى ملهاة بالونات إعلامية زاهية الألوان سرعان ما انفجرت نتيجة لعدم وفاء أصحابها بتعهداتهم، كما أثبت صراخ حكومة فياض طلبا للنجدة والوفاء بها عندما بالكاد تمكنت هذه الحكومة من توفير السيولة لدفع رواتب موظفيها خلال الشهرين المنصرمين”.
وأوضح أن هذه الخطة “تعتمد على ركائز أساسية أولها تقليص بيروقراطية الوظيفة العمومية في السلطة، وقد تم فعلا تسريح ما يزيد على أربعين ألفا منهم بهذه الطريقة أو تلك، لكي تتضخم جيوش العمالة الفلسطينية الرخيصة من أجل تشغيلها بأزهد الأجور في مشاريع شبكة المناطق الصناعية المخطط إنشاؤها على “الخط الأخضر” (للتهرب من خضوع العمالة فيها لقوانين العمل في دولة الاحتلال) بحيث تخدم كل منها “كانتونا” فلسطينياً في الضفة الغربية، وقد منحت الأولوية لكانتوني الخليل وجنين كبؤرتين ساخنتين للمقاومة، ولكي تكون في مجموعها مثل “اسفنجة” تمتص ما قال رجل الأعمال الفلسطيني سام بحور في مقال له من رام الله في الثالث من الشهر الجاري أنه أكثر من (150) عاملاً فلسطينياً منعتهم دولة الاحتلال من العمل فيها، وقد نسب بحور إلى “إسرائيلي يروج لهذه المناطق الصناعية” قوله له إن كل وظيفة في إحدى هذه المناطق سوف تخلق ثلاثة وظائف غيرها خارجها ليضيف مستهجنا: “وهكذا في الجوهر يتم خلق اقتصاد مصطنع بكامله يبنى حول فقاعات اقتصادية يملكها فلسطينيون وأجانب لكنها تدار إسرائيلياً، بينما مليون ونصف المليون فلسطيني ممن تحاصرهم (إسرائيل) في أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم، غزة، ليسوا حتى جزءا من الحديث” الذي يدور حولها ، وليخلص مستنتجا إلى القول إن الخطة تخلق “دينامية للتعايش ليس بين الفلسطينيين وبين جيرانهم الإسرائيليين، بل بينهم وبين نظام الاحتلال العسكري الإسرائيلي”. وهذه المناطق هي الركيزة الثانية للخطة!”.
وتابع: “الركيزة الثالثة “أمنية”، وهي تستهلك الحصة الأكبر من ميزانية السلطة، وقد لاحظت رويترز أن عاصفة المراسيم بالجملة التي أصدرها واضعو الخطة ومنفذوها في رام الله قد “وسعت صلاحيات وزير الداخلية”، ولا يوجد أي تفسير للحيز الذي يشغله الأمن في الخطة سوى الحفاظ على أمن خطة مفروضة من فوق في عتمة ليل تشريعي وديمقراطي بإيحاء ودعم خارجي عناوينه وأهدافه ليست مشبوهة بل سافرة في عدائها ومعلنه، لأن مطابخ البنك وصندوق النقد الدوليين والاحتياطي الفدرالي الأمريكي التي راكم الدكتور فياض خبراته منها تعرف تماما من عشرات الخطط المماثلة التي أخرجت من أدراجها وطبقت في بلدان العالم النامي أن نتائجها الاقتصادية الوخيمة المتوقعة تقود عادة إلى ردود فعل شعبية ونقابية وسياسية بحاجة إلى قوة أمنية متفوقة لكبحها والسيطرة عليها”.
وتسال ناصر: “أليس أمراً مستغرباً أن ينطق “رجل أعمال” مستهجنا الخطة بينما المفترض فيهم أن يكونوا ممثلين لضحايا مثل هذه الخطط من العمال ونقاباتهم صامتون صمت القبور على خطة تهدد بتأبيد عمالهم وعامليهم وأسرهم في أوضاع أوخم مما هم فيه الآن، بينما هم منشغلون في زج العمال ونقاباتهم في معارك وهمية “فصائلية” بتنظيم إضرابات طالبت بإنهائها فصائل في منظمة التحرير نفسها مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية، إضافة إلى “المبادرة” ومنظمات حقوق إنسان وطنية مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ناهيك عن مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري الذي قال إنها “ترسخ الانقسام بين غزة وبين الضفة الغربية وتؤثر سلبا في آفاق إعادة توحيد الفلسطينيين”، دون ذكر مئات الآلاف من المتضررين من الطلبة وأهالي المرضى!”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...