الإثنين 12/مايو/2025

هل تصبح حماس طرفاً في المفاوضات العام المقبل؟

هل تصبح حماس طرفاً في المفاوضات العام المقبل؟

صحيفة الوطن القطرية

نعود إلى نفس قضية الأسبوع الماضي وهي استشراف آفاق الوضع الفلسطيني بعد مرور نحو عام على أحداث غزة المعروفة بالانقلاب أو الحسم العسكري في يونيو 2007، وبعد أن وصلت المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية التي عملت في إطار مؤتمر أنابوليس منذ نحو عام أيضاً برعاية أميركية وصلت إلى طريق مسدود. فلا العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية تحسنت ولا تقدم قد حدث على صعيد علاقات السلطة الفلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية. وقد رصدنا في المقال السابق وصول السلطة الفلسطينية إلى قناعة بأنه لن يحدث أي تقدم في مسيرة السلام بنهاية العام الحالي وأن السلطة تمنت ذلك واعتبرت تجاوز كل المحاولات الأميركية والإسرائيلية الهادفة إلى توقيع وثيقة سواء كانت إطاراً أو اتفاق مبادئ هدفاً يتعين على السلطة أن تعمل على تحقيقه لأنها لا تريد أن توقع على شيء يصبح قيداً عليها إلى الأبد في مسائل الحل النهائي وقبل أن تحصل على أي مقابل من “إسرائيل”، كما اتضح لها على مدى الشهور الماضية عبر الجولات العديدة بين عباس وأولمرت. وانتهينا في نفس المقال إلى أن التعويل على الدور الأميركي وحده لم يعد مجدياً حتى في ظل الإدارة المقبلة.

وقد تأكد نفس التصور على ضوء بعض المستجدات التي شهدها الأسبوع الماضي من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. فمن ناحية اتجه الفلسطينيون سواء بالنسبة لفتح أو حماس إلى التركيز على الشأن الداخلي أي كيفية استعادة الحوار وإنهاء تداعيات أحداث غزة دون فتح ملف العلاقة مع “إسرائيل” ومستقبل عملية السلام معها. ومن ناحية أخرى أعادت “إسرائيل” تكرار ما توصلت إليه السلطة من عدم التعويل على أي جهود تجري من الآن من شأنها التوصل إلى اتفاق قبل نهاية فترة جورج بوش، بما يعني أن “إسرائيل” نفسها لا ترغب في توقيع هذا الاتفاق مثلما تريد السلطة الفلسطينية. فعندما سئل إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي عقب مباحثاته مع الرئيس مبارك في الاسكندرية في هذا الشأن قال: إننا نتمنى حدوث اختراق في المفاوضات قبل نهاية العام، ولكنني لست واثقاً من حدوث ذلك في الشهور المقبلة، بما يشير إلى اقتناع “إسرائيل” بأن واشنطن وصلت هي بدورها إلى قناعة بأنها غير قادرة على صياغة اتفاق يقبله الطرفان ويصلح للبناء عليه بالنسبة لإقامة الدولة الفلسطينية. وحماية لماء الوجه ليس إلا فإن محمود عباس لن يطلب من كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية عند لقائه معها في سبتمبر المقبل أثناء انعقاد دورة الجمعية العامة بنيويورك سوى ورقة تبين النتائج التي توصل إليها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في مفاوضاتهما لتقديمهما إلى الإدارة الأميركية المقبلة لكي لا تبدأ المفاوضات في عهدها من الصفر! وهكذا تبخرت تماماً كل الوعود عن وثيقة أو إطار مبادئ حول إقامة الدولة الفلسطينية والتي كانت الإدارة الأميركية تركز عليها طوال العام الماضي. وإذا أخذنا في الاعتبار أن أي إدارة أميركية تتعامل مع تراث الإدارة السابقة على أنه مجرد أفكار وتوجهات وليس سياسات ومواقف يتعين الالتزام بها، وهو ما حدث بالنسبة لإدارة بوش على مدى السنوات الثماني الماضية فيما يتعلق بمدى التزامها بتراث عهد كلينتون، فإن الواقعية تقتضي الاعتراف بأن الفلسطينيين والإسرائيليين سيبدأون مجدداً من نقطة الصفر مع بداية العام المقبل حتى لو فاز جون ماكين الجمهوري برئاسة البيت الأبيض. ولأن الإسرائيليين يعلمون هذه الحقيقة جيداً ولا يتصرفون بنفس طريقة العرب والفلسطينيين التي تعلق الآمال على التغيير في البيت الأبيض، فإن باراك كان صريحاً وجاداً في تعبيره عن عدم ثقته بأن اتفاقهما يمكن أن يحدث بنهاية العام.

انتهى مسار أنابوليس إلى نقطة الصفر برغبة السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” معاً مع اختلاف الأسباب وتحول المسار بالنسبة للسلطة و”إسرائيل” إلى قضية أخرى أكثر إلحاحاً وربما أقوى تأثيراً في تحديد مستقبل القضية من الآن وطوال السنوات الأربع المقبلة للإدارة الأميركية الجديدة وهي الموقف الفلسطيني الداخلي، فمن الواضح أن كلا من الطرفين، أي السلطة و”إسرائيل” معني بملف علاقاتهما الحالية والمستقبلية بحماس والوضع في قطاع غزة. والجديد أن فتح أصبحت أقل تشدداً في مسألة الحوار والمشاركة مع حماس بعد أن كانت بالغة التشدد والرفض، ولكنها تلعب الآن ورقتها الأخيرة بإلقاء الكرة في ملعب مصر للتخلص من حماس، بينما “إسرائيل” تبدو لينة للغاية ـ على عكس المواقف العدائية السابقة ـ مع حماس، بما يقود إلى الاعتقاد بأنه إن كان هناك مستقبل للمفاوضات بين “إسرائيل” والفلسطينيين فلابد أن يمر عبر حماس.

باراك قال كلاما مهماً في الاسكندرية يعكس جانباً من هذا التوجه ولو على سبيل جس النبض والاختبار. والرجل معروف بعدائه الصريح مع حماس وهو صاحب نظرية اجتياح غزة عسكرياً لوقف نشاط المقاومة المسلحة ضد الأهداف الإسرائيلية، ولكن مواقفه تبدلت لأسباب براجماتية بالطبع بعد أن نجحت خطة التهدئة التي لعبت فيها مصر دوراً مهماً للغاية. قال وزير الدفاع الإسرائيلي عقب مباحثاته مع مبارك تم التركيز على مسألة وقف إطلاق النار في غزة، والحاجة لبذل كل جهد ممكن لاستغلال هذه الفرصة لاستئناف المباحثات حول إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، إننا نريد أن تستقر التهدئة مما يسمح باستمرار المفاوضات لإطلاق سراح شاليط، وإننا نأمل في ألا يستغرق هذا الأمر وقتًا طويلاً قبل أن تبدأ مفاوضات مكثفة والتي ستؤدي لإطلاق سراحه. وقد تزامنت تصريحاته مع إطلاق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين، كما تزامنت أيضاً مع موافقة عباس على تشكيل لجنة لإنهاء مسألة المعتقلين السياسيين في الضفة وغزة فيما اعتبرته مصادر فلسطينية مسئولة بجانب إصدار أبو مازن أوامره باستئناف إرسال جوازات السفر إلى غزة دليلاً على صدق السلطة الفلسطينية ممثلة في فتح على تهيئة الأجواء لإنجاح الحوار الفلسطيني الشامل.

كلاهما، أي “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية يطرق باب حماس لأسباب مختلفة. ف”إسرائيل” التي باتت سعيدة من التهدئة وإمكانية إطلاق سراح شاليط ترى أن الأوضاع في غزة بقيادة حماس تترسخ يوماً بعد الآخر وبما يعني أن هناك طرفاً فلسطينياً مؤثراً يمكن التفاوض معه حتى لو تم ذلك بشكل غير مباشر، ومن الممكن تحقيق انجازات سياسية ل”إسرائيل” من خلال التفاوض معه، وليس من المستبعد أن تصبح حماس هي الطرف الذي يمثل الفلسطينيين في التفاوض مستقبلاً بالحسابات الإسرائيلية خصوصاً أن هناك إحساساً قوياً داخل “إسرائيل” بأن سلطة محمود عباس لم تكن موضع تقدير لإنجاز اتفاق معها. وكان نجاح حماس في ترميم علاقاتها بالأردن أخيراً مؤشراً جديداً على تنامي قوة الحركة وإمكانية امتداد نفوذها السياسي في الضفة من خلال الدعم الأردني، وهو تطور تقرؤه “إسرائيل” جيداً عندما تقرر الاختيار مع من تبدأ المفاوضات العام المقبل، مع سلطة ضعيفة في الضفة أم مع قوة سياسية لتنفذه هنا وهناك حتى لو كانت مختلفة معها أيديولوجياً، والأرجح وفقاً لما شهدته الساحة الفلسطينية على مدى عام مضى أن تلقي “إسرائيل” بأوراقها تجاه حماس أو تقسم أوراقها بين الأخيرة وفتح!

ولا ترتاح السلطة الفلسطينية لمثل هذه التطورات، بل تقلق منها كثيراً، وما بادرت به من خطوات للتهدئة مع حماس بدعوى دعم حوار الفصائل الذي تتبناه مصر الآن هو تطور مهم وعلامة فارقة في موقفها تعكس قدراً عالياً من الواقعية السياسية، ولكنها خطوات مصحوبة بإعلان مواقف أخرى اشتراطية تجعل الحوار ينتهي إلى مصلحتها وليس ليقود إلى تصور يرضي كل الأطراف المعنية، والمصلحة هنا تتمثل في إلغاء الدور السياسي لحماس. والمعروف أن هناك اقتراحاً من ثلاث نقاط لإنهاء تداعيات أحداث غزة يشكل إطاراً للمصالحة وهي عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 13 يونيو 2007 وتشكيل حكومة محايدة تجري انتخابات فلسطينية جديدة، ووضع المقار الأمنية في غزة تحت قيادة عربية وإعادة ترتيب أوضاعها لتصبح نظامية وعلى درجة عالية من الكفاءة. ويقتضي ذلك مناقشات عديدة مع كل الفصائل الفلسطينية حتى يحدث توافق أو تراض عام يصبح ملزماً للجميع. ولكن فتح لها وجهة نظر أخرى من أي حوار بهذا الشأن. ووفقًا لمصادرها في القاهرة فإنها تؤكد «أنها ستعطي مصر كل ما تحتاج من دعم واستجابة لكي تنجح في استعادة الوئام للساحة الفلسطينية وإغلاق جرح غزة النازف وتوحيد الوطن والذهاب إلى معركة السياسة والمفاوضات بكل الجاهزية المؤهلة للصمود فيها وتحقيق المكاسب الجوهرية من خلالها!! وبرغم هذا الموقف المبدئي الجيد، إلا أن فتح تضع شروطاً في مواجهة حماس تأمل أن تفرضها مصر عليها بنهاية جولة الحوارات الجارية الآن. فهي من ناحية ترفض منطق التجزئة أو وجود كيانين يمثلان الفلسطينيين أحدهما في الضفة والآخر في غزة ليس فقط لأن كلاً من غزة والضفة وحدة جغرافية وسياسية وإدارية واحدة، أو لأن قيادة حماس هي التي بادرت بالانقلاب، وإنما لأن غزة أصبحت مجالا لإسرائيل لترويج فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء. ولذلك فإن مصر ـ وفقاً لكلام فتح ـ عندما تضغط على حماس لمنعها من الانفراد بغزة، إنما يتعين عليها أن تفعل ذلك من منطلق مصلحتها القومية..!! ينبغي أن يدفن هذا الخطر قبل أن يولد، أي من القاهرة يجب أن تستعاد وحدة الوطن، وينتهي العبث غير المسئول وإلى غير رجعة.. كما ترفض فتح فكرة التلاعب بورقة شاليط والمعابر لأنها لن تؤدي إلى تغيير في الموقف الأميركي بالضغط على “إسرائيل” ولن تجعل الولايات المتحدة تتفاوض يومياً مع حماس كما يظن قادتها، وأخيراً لا تثق فتح في أن حماس تحترم المشاركة في الحكم. وتخلص وجهة نظرها في أن حماس تلعب لعبة نفوذ سياسي أكبر من قدراتها ولا تقبله المعادلة المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثم فهي في مأزق على عكس ما تتصور، ولكي تخرج من المأزق عليها أن تتوقف أولاً عن ادعاء النفوذ، ولكن هذه اللاءات الفتحاوية لا تعكس ما يجري على أرض الواقع الذي فشلت الإدارة الأميركية في تغييره ولم ينجح الحصار في إعانة واشنطن على تحقيق هذا التغيير وعجزت السلطة الفلسطينية عن حلحلته.. ولذلك فإن المنطق القائل بأن حماس يمكن أن تتحول إلى طرف أصيل في مفاوضات المسار الفلسطيني مستقبلاً لا يمكن استبعاده، ولعل النتيجة النهائية لحوارات الفصائل الفردية ثم الشاملة تكشف الفرص والآليات التي تجعله حقيقة على أرض الواقع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات