الأحد 11/مايو/2025

وقفة مع الرئيس عباس في حوار العربية

وقفة مع الرئيس عباس في حوار العربية

صحيفة الخليج الإماراتية

أجرت فضائية “العربية” ليلة الخميس، الثامن والعشرين من الشهر الماضي، حواراً معمقاً مع الرئيس محمود عباس، أوضح فيه وجهة نظره في قضايا الحدود والمستوطنات واللاجئين والوحدة الوطنية والأسير جلعاد شاليت، بما يمكن اعتباره السقف الأعلى لمطالبه وفريق السلطة الذي يقوده. الأمر الذي يستدعي الوقوف مع طروحاته لبيان ما تنطوي عليه من مساس خطر بالثوابت الوطنية في مرحلة تتكثف فيها الجهود الرسمية العربية لرأب الصدع بين قيادات الفصائل، محدداً ذلك في النقاط التالية:

1- في موضوع الحدود قصر حديثه على ما احتل من الضفة والقطاع سنة 1967 ولم يأت بأي ذكر لما سبق احتلاله من التراب الوطني الفلسطيني. وبهذا يكون قد أضفى المشروعية على احتلال ما يجاوز 78% من مساحة فلسطين، في تناقض ليس فقط مع قناعة القطاع الأعظم من نخب وجماهير شعب فلسطين وأمته العربية، وإنما أيضاً مع “الميثاق الوطني” للمنظمة التي يرأس لجنتها التنفيذية. فضلاً عن تناقض ذلك مع “إعلان الاستقلال” لسنة 1988 المؤسس على قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947. ثم إنه بعد تأكيد قناعته بأن ما يعتبره حقاً وطنياً واجب الالتزام به إنما هو استقلال الضفة والقطاع بما يشمل القدس وغور الأردن والبحر الميت وجميع الأراضي المحتلة سنة 1967 عاد وقال: ولكن هذا لا يمنع إجراء تعديلات في الحدود، كما أنه لم يبين مستوى وطبيعة هذه التعديلات. ما يعني في التحليل الأخير تسليمه بالمنطق الصهيوني الذي لا يعتبر الضفة والقطاع أرضاً محتلة وإنما هي أرض متنازع عليها.

2- لم يأت على ذكر جدار الفصل العنصري وما ضم داخله من أراضي الضفة، ولا على الاستيطان الكثيف شرقي الجدار وفي أماكن تقترب من رام الله وبيت لحم. وفي حديثه تبسيط مخل لخطورة الاستيطان في الضفة، فهو يقرر بأن المستوطنات سيجري تفكيكها كما سبق تفكيك مستوطنة ياميت واسترداد شرم الشيخ في سيناء، وتفكيك أربع مستوطنات في قطاع غزة، متجاهلاً تمايز الظروف الموضوعية في سيناء والقطاع عنها في الضفة. فتفكيك ياميت والجلاء عن سيناء كان من بعض الثمن الذي دفعته “إسرائيل” لإخراج النظام المصري من الصراع. فيما كانت أوضاع قطاع غزة الديمغرافية وتصاعد المقاومة فيه على نحو خطر عاملين أساسيين في الانسحاب منه وتفكيك المستوطنات الأربع. وكلا الأمرين غير قائم في الضفة المحتلة. فضلاً عن وجود أكثر من مائتي ألف مستوطن مدججين بالسلاح في مستوطنات الضفة، مستعدين للقتال دفاعاً عن “حقهم” الاستيطاني.

3- تتجلى الاستهانة الأكبر بالحقوق الوطنية في تناوله لقضية اللاجئين، إذ بعد أن قال إن هناك خمسة ملايين فلسطيني من حقهم العودة، أردف قائلاً: ولكنني لن أطالب بعودتهم جميعاً ل “إسرائيل”، فقد يعود عدد يتفق عليه معها، وقد يعود آخرون لأرض “الدولة” التي ستقام في الضفة والقطاع، وكما أن هناك تسعة ملايين لبناني في المهجر سيكون هناك مهاجرون يحملون جوازات سفر فلسطينية. في حديثه عن اللاجئين تجاهل جملة حقائق: أولها أن حق العودة لأرض الوطن حق من حقوق الإنسان كفلته شرعة حقوق الإنسان. ثم إنه حق مقر دولياً بالقرار 194 الذي قبلت “إسرائيل” عضواً في الأمم المتحدة سنة 1949 بعد أن أعلنت التزامها بتنفيذه، وقد والت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيده في أكثر من ثلاثين دورة حتى اكتسب قوة القانون الدولي العام. فضلاً عن أنه حق شخصي لا تملك أي سلطة المساس به. وإذا كانت “إسرائيل” قد أصدرت غداة قيامها قانون “العودة” الذي يكفل لكل يهودي في العالم العودة لفلسطين المحتلة تأسيساً على أسطورة وعد إلهي تعود لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، فهل من الموضوعية والواقعية في شيء إسقاط حق عودة من هجروا قسراً من ديارهم قبل ستين عاماً فقط؟

4- في إجابته عن سؤال المصالحة والوحدة الوطنية قال: لقد قبلنا “المبادرة اليمنية” التي أقرها مؤتمر القمة في دمشق، وغدت بالتالي مبادرة عربية، ومصر تشهد حالياً مفاوضات مكثفة وصولاً إلى اتفاق. وأضاف: وبعد ذلك ستقوم حكومة مؤقتة تجري انتخابات تشريعية ورئاسية، ثم تقوم حكومة وفاق وطني ولا أقول وحدة وطنية، حكومة تتيح فك الحصار. قاصداً بذلك قيام حكومة تقبل بشروط “اللجنة الرباعية الدولية”، وهي الاعتراف ب “إسرائيل”، والالتزام بالاتفاقيات التي وقعها فريق أوسلو، والتوقف عن مقاومة الاحتلال. ويبدو جلياً أن الرئيس عباس إنما يراهن على الموقف الرسمي العربي في تمرير اشتراطات الرباعية بعد أن عجز حصار الجوع عن تحقيق ذلك.

5- لعل أغرب ما صدر عن الرئيس في حواره الممتد ما قاله حول الأسير الصهيوني جلعاد شاليت من أن احتجازه كلف شعب فلسطين ألفاً ومائتي قتيل، معتبراً أن أسره والاحتفاظ به دفع “إسرائيل” للعدوان على القطاع والضفة المحتلين. وبدا الرئيس محملاً حماس مسؤولية العدوان الصهيوني، متجاهلاً أن التجمع الاستعماري الاستيطاني العنصري الصهيوني لا يحتاج ذرائع للعدوان، وأن سجله حافل بالعمليات الإجرامية قبل قيام كيانه. وعلى مدى سنوات “إسرائيل” الستين مارست ما يعتبر هولوكوست فلسطيني مفتوح كما وثق ذلك الباحث المتميز نواف الزرو في موسوعة صدرت حديثاً في عمان. فضلاً عن تجاهله أن جلعاد شاليت ليس مستوطناً عادياً، وإنما هو جندي مقاتل أسر من موقع عسكري، وهو باليقين ممن يصدق فيهم القول بأن أيديهم ملطخة بدماء النساء والأطفال العرب. ثم إنه أسر في قطاع غزة، وهو محتجز فيه، فيما العدوان متواصل على الضفة والقطاع وليس على القطاع فقط.

6- بدلاً من أن يجد الرئيس محمود عباس في عملية أسر الجندي شاليت وعجز الأجهزة الصهيونية وعملائها عن اكتشاف موقع احتجازه ما يدل على سقوط قوة الردع الصهيونية، الأمر الذي يعزز قدرة الفريق الفلسطيني المفاوض بتحريره من الشعور بالهزيمة المسكون به حتى النخاع. والذي يذكر أنه طالما اعتاد المفاوض الصهيوني التذكير بانتصار “حرب الأيام الستة”، للتأثير سلبياً في نفسية المفاوض العربي. غير أن أداء المقاومة المتميز في جنوب لبنان والضفة والقطاع أسقط أساطير التفوق الصهيوني، ما أثر في ميزان القدرات والأدوار، الذي كان راجحاً لمصلحة التحالف الاستعماري- الصهيوني، إذ لم يعد بمثل ما كان عليه من ثبات بعد أن غدت المقاومة صاحبة دور مؤثر متنام في الأحداث، بل وتتقدم حثيثاً لامتلاك المبادرة الاستراتيجية في الصراع التاريخي.

وأخيراً: ما هي انعكاسات طروحات الرئيس عباس في حوار “العربية” معه على المباحثات الجارية الفصول في القاهرة؟ وهل ستقبل الفصائل، وبالذات حماس والجهاد، طروحات مهندس أوسلو كأساس لتوافق محكوم باشتراطات الرباعية الدولية؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات