الأحد 11/مايو/2025

إنهم يزورون التاريخ لتحقيق أهداف إسرائيل

إنهم يزورون التاريخ لتحقيق أهداف إسرائيل

صحيفة الشرق القطرية

التاريخ أهم الأسس التي تقوم عليها عملية إدارة الصراعات الكبرى، فهو يؤكد الحقوق أو ينفيها، ويشرعن الوجود على الأرض، ويربط البشر بالجغرافيا.

والأمة التي ليس لها تاريخ لا تستطيع أن تشكل المستقبل، حيث إن التاريخ يمد الشعوب بالكثير من الخبرات التي تتحول إلى ثروة فكرية وثقافية وتشكل رأس مال لا مادي، وتلك الثروة تصبح من أهم الأسس التي تبني عليها النهضة عندما تحسن الشعوب استثمارها، ويقوم كل طرف في الصراع بالبحث عن أدلة تاريخية تؤكد وجوده وحقوقه وإسهامه في الحضارة الإنسانية، وفي الوقت نفسه يحاول أن يشوه تاريخ الطرف الآخر في الصراع وينفيه من التاريخ.. وفي إطار تلك العملية تتم عملية تزييف للكثير من الوقائع التاريخية.

عصر الزيف

وخلال الصراع الطويل بين “إسرائيل” والعرب استخدم التاريخ في إدارة هذا الصراع، وقامت “إسرائيل” بعملية معقدة لتزييف التاريخ، حيث قامت بتمويل الكثير من المشروعات للبحث عن آثار وشواهد تاريخية تثبت وجود اليهود على أرض فلسطين، ونفى وجود الفلسطينيين في المنطقة.

وفي الوقت نفسه قامت بإدارة حملات دعائية تستخدم الآثار التي تم العثور عليها، وتبالغ في الأهمية التاريخية للحفريات التي تم اكتشافها، وبذلك تعرض العالم لأكبر عملية تزييف وتزوير لتاريخ كانت عملية تزوير التاريخ تستهدف إثبات شرعية الوجود اليهودي على أرض فلسطين، والإبادة الرمزية التاريخية للشعب الفلسطيني.

يقول فيليب جيرالدي إن “إسرائيل” قامت عبر سنوات طويلة بخلق خرافات تاريخية تم الترويج لها بشكل واسع حتى تصور العالم أن فلسطين لم يكن يسكنها بشر قبل عام 1948.

وقد ركزت الحملات الدعائية الإسرائيلية على الترويج لتلك الخرافة باستخدام وسائل الإعلام الغربية.

وكانت “إسرائيل” تريد أن تقوم بعملية غسل مخ للغربيين بحيث يصدقون مقولة جوالدا مائير: إنه ليس هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني.

التزييف بالحذف

تتخذ عملية تزييف التاريخ أشكالاً متنوعة، ومن أهم تلك الأشكال إخفاء الحقائق، وتجهيل البشر عن طريق التركيز على وقائع معينة لصرف الانتباه عن وقائع أخرى.

وهذه العملية نجدها واضحة في كتابات المستشرقين عن التاريخ الإسلامي، حيث يتم التركيز على واقعة، والمبالغة في تصويرها بهدف دفع الناس إلى نسيان وقائع أخرى.

ولقد استخدمت “إسرائيل” كل قوتها وسيطرتها على وسائل الإعلام للتركيز على وقائع المعاناة اليهودية لصرف الانتباه عن المعاناة الفلسطينية، وإخفاء وقائع اضطهاد اليهود للفلسطينيين، وإجبارهم بالقوة وارتكاب المذابح على ترك أرضهم.

ومن الواضح أن عملية تزييف التاريخ كانت تحتل مكانة مهمة في المشروع الصهيوني منذ عام 1896، وقد جاءت إشارة في بروتوكولات حكماء صهيون تتضمن التأكيد على إعادة كتابة التاريخ بحيث لا يصل إلى الناس إلا ما يريده الذين صاغوا تلك البروتوكولات.

وهكذا نسى العالم العمليات الإرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية لطرد الفلسطينيين من أرضهم والمذابح التي ارتكبتها تلك العصابات ضدهم.

ولماذا الندم؟!

يعترف أحد المؤرخين الإسرائيليين وهو بيني موريس أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة بن جوريون بإخفاء الحقائق عن عملية طرد الفلسطينيين من أرضهم وهو يرى مشروعية قيام الإسرائيليين بقتل الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه، ولكنه يندم على شيء واحد هو أنه لم يتم طرد الشعب الفلسطيني بشكل كامل، حيث ظل بعض العرب يقيمون في “إسرائيل” منذ عام 1948، وهو يرى أن هؤلاء العرب الذين لم يتم طردهم يجب أن يتم التعامل معهم كحيوانات، ولقد سمعت هذا الوصف قبل ذلك من المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية في قناة الجزيرة، حيث وصف العرب بالحيوانات، ويومها غلى الدم العربي في عروقي، وشعرت بغضب لكرامتي العربية، ولكن عندما درست عملية تزييف التاريخ اكتشفت أن ذلك الوصف لم يكن مجرد خطأ أو سقطة لسان من جانب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ولكنه كان يشكل أساساً للتعامل الإسرائيلي مع العرب، حيث تم نفي وجودهم من التاريخ كأنه لم يكن هناك بشر يسكنون تلك الديار ويزرعون الأرض ويقيمون العمران.

لقد قامت “إسرائيل” بتزييف وعي الشعوب العربية عن طريق نفي وجود شعب له حضارته وتاريخه على أرض فلسطين، وذلك أخطر عدوان تعرض له الشعب الفلسطيني.

يقول المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس إن عرب الـ 48 يجب أن تبنى لهم حظيرة ليقيموا فيها لأنهم حيوانات متوحشة يجب سجنها بشكل أو بآخر.

هذه هي العقلية التي قامت بعملية تزييف التاريخ وروجت لذلك التاريخ المزيف في العالم، إنها تنظر للآخرين كحيوانات يجب نفيهم من الحاضر كما تم نفيهم من التاريخ.

رماد نووي

بيني موريس الذي يحتل مكانة مهمة في عملية التزييف الإسرائيلي للتاريخ كتب في جريدة النيويورك تايمز في 18 يوليو 2008 يحث أمريكا على شن حرب على إيران حتى لا تضطر “إسرائيل” إلى توجيه ضربة نووية تحول إيران بسكانها الذين يبلغ عددهم 80 مليون نسمة إلى مجرد رماد نووي.

يقول فيليب جيرالدي إن تلك أول مرة يسمح فيها محررو النيويورك تايمز بإعطاء مساحة في الجريدة لشخص يدعو إلى الإبادة الجماعية لشعب باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

لكن موريس هو مجرد مثال للمؤرخين الإسرائيليين الذين قاموا بدور مهم في عملية تزييف التاريخ، وتطويعه لخدمة الأهداف الإسرائيلية.. وربما تكون دعوته للإبادة الجماعية لشعب إيران هي الوجه الآخر لعملية الإبادة الرمزية التاريخية لوجود الشعب الفلسطيني، والتي قام بها موريس وتلاميذه في الجامعات الإسرائيلية.

وموريس يرتبط بشكل مباشر بالحكومة الإسرائيلية ويقوم بدور مهم في تشكيل استراتيجياتها التي تعتمد على تزييف التاريخ لإجبار العالم على قبول ما تريده “إسرائيل”، لذلك يرى فيليب جيرالدي أن كلام موريس يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وأن سيناريو يوم القيامة الذي صاغه موريس والذي يقوم على توجيه ضربة نووية لإيران قد يتم تنفيذه خلال الشهور القادمة، وربما تكون مطالبة موريس لأمريكا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران وسيلة لتبرير قيام “إسرائيل” بتلك الضربة في المستقبل على أساس أنه طالب أمريكا بتحمل مسؤوليتها، لكنها لم تستجب ولذلك اضطرت “إسرائيل” لتنفيذ الضربة بنفسها، أي أن موريس يقوم بكتابة التاريخ بشكل مستقبلي، ولكن أيضاً من المحتمل أن تكون دعوة موريس هي مجرد تضليل إعلامي تماماً مثل التاريخ الذي يكتبه ويدرسه في جامعة بن جوريون.

يقول جيرالدي من المحتمل أن تكون دعوة موريس هي عملية إرهاب لأمريكا لكي تقوم بهذا العمل القذر نيابة عن “إسرائيل”.

وهكذا تحول المؤرخون الإسرائيليون إلى جنرالات يقومون بإدارة الصراع ثقافياً وسياسياً وإعلامياً، ويحتلون أهمية كبيرة في صياغة الاستراتيجية الإسرائيلية لتزييف وعي الشعوب وخداعها وتضليلها بهدف تحقيق الأهداف الإسرائيلية.

أما الكذبة الأخرى التي يروج لها موريس فهي أن إيران قد قامت بتشكيل شبكات إرهابية لمهاجمة الأهداف الإسرائيلية والأمريكية بالاشتراك مع حزب الله وحماس.

وهكذا يقوم المؤرخون الإسرائيليون بتزييف التاريخ والواقع، ويحاولون أن يشعلوا حروباً جديدة تقوم على الإبادة الشاملة.. وتستخدم “إسرائيل” عملية تزييف التاريخ وتحريف المعلومات لإدارة الصراع.

الأخطر من ذلك أن المؤرخين العرب لم يتنبهوا إلى عملية تزييف التاريخ التي شارك فيها المستشرقون الذين يقومون بالنقل عنهم، ولم يقوموا بدورهم بعد في حماية تاريخ الأمة، واستخدامه في الصراع الطويل مع أمريكا و”إسرائيل”!. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات