الإثنين 12/مايو/2025

شاكر يدعو لتحوّل الإعلام الفلسطيني من الدعاية الفصائلية إلى الخطاب الجامع

شاكر يدعو لتحوّل الإعلام الفلسطيني من الدعاية الفصائلية إلى الخطاب الجامع

دعا الباحث والإعلامي حسام شاكر، إلى تحويل مركز الثقل في المشهد الإعلامي الفلسطيني من خانة الدعاية الفصائلية التي تركز على الخلاف والتناقضات الداخلية إلى مجالات فلسطينية جامعة تسترعي مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرّف.

جاء ذلك في ورقة حسام شاكر، الخميس (21/8)، التي عرضها في مؤتمر “آفاق في قضية اللاجئين وحق العودة في الذكرى الستين”، الذي نظّمه تجمّع العودة الفلسطيني “واجب”، بحضور قيادات فلسطينية سياسية ومجتمعية وخبراء وممثلي المنظمات الشعبية والأهلية من العالم العربي وأوروبا.

وفي ورقته التي حملت عنوان “تفاعل الإعلام الفلسطيني مع قضية حق العودة ـ الواقع والمطلوب”، ناقش شاكر واقع الإعلام الفلسطيني وأوضاعه وكذلك أزماته، مشيراً إلى تجارب النجاح والتعثر، ومستعرضاً آفاق التطوير المتاحة بالنسبة لهذا الإعلام.

وبينما أشار شاكر إلى أنّ الساحة الإعلامية الفلسطينية تتميّز بالامتداد، جغرافياً، بما يكافئ الحضور الفلسطيني في الوطن والشتات؛ فقد لاحظ في سياق عرضه أنّ “مركز الثقل الخاص بمنظومة الإعلام الفلسطيني الرسمية انتقل من خانة الثورة والمقاومة، إلى مربع التفاوض والسلطة، وتجلّت لتلك الانعطافة تأثيرات واضحة على صعيد المضامين، كما على مستوى بعض الأدوات”. وتابع شاكر “لقد أدّت تلك الانعطافة إلى إرباكات واضحة في طريقة التناول الإعلامي لمفاصل القضية الفلسطينية، ومن بين ذلك مسألة حق العودة”.

ومضى شاكر متابعاً “في ما خيّمت بعض الضبابية على مواقف أطراف في الساحة السياسية الفلسطينية، من مسألة حق العودة وقضية اللاجئين، تساوقاً منها مع أشواط التفاوض وما يلفّها من غموض أحياناً؛ فإنّ الساحة الإعلامية الفلسطينية، المرتهنة إلى حدّ كبير للمستوى السياسي؛ قد عبّرت هي الأخرى في عديد الحالات عن ارتباط العربة الإعلامية بالحصان السياسي”.

وبشأن الإعلام الدبلوماسي الفلسطيني وتأثيراته لاحظ شاكر “أنّ الحضور الدبلوماسي الفلسطيني تحوّل منذ أواسط التسعينيات إلى إبراز خطاب التسوية السياسية، ومن المرجّح أنّ ذلك كان له أثر ما، في انفضاض قطاعات من المتضامنين الأوروبيين مع القضية الفلسطينية عن تلك السفارات والممثليّات. بل والأهمّ؛ أنّ معظم هذه البعثات لم يعد بحوزتها ما تقدِّمه من برامج جماهيرية ومضامين إعلامية للشتات الفلسطيني، لأسباب ذاتية وموضوعية، منها قيام جمعيات واتحادات ومؤسسات فلسطينية أو تضامنية تخطّت دورها وتجاوزته بمراحل، وهو ما يُلاحَظ مثلاً في إحياء الذكرى الستين للنكبة”.

ورأى الباحث والإعلامي أنّ “المشروع الصهيوني يعاني من أزمة ذاتية وموضوعية تواجهه في المجال الإعلامي والدعائي. فالزخم الدعائي الذي يتمتع به هذا لا يعني بالضرورة تزايداً في قدرته الإقناعية، بل إنّ ذلك الزخم قد يُراد منه التغطية على جوانب مفترضة من الضعف في الذرائع والتآكل في الحجج”، معتبراً أنّ “سياسات الاحتلال ذاته وممارساته وإجراءاته؛ هي أبرز العراقيل في وجه توجّهاته الدعائية، بل إنها تملك المخزون الكافي لإحباط جهود الترويج لذلك الاحتلال برمّته”.

وبينما اجتازت القضية الفلسطينية في الأعوام الأخيرة، مخاضات وتطوّرات شاقة للغاية، وما التفاعلات التي أعقبت اندلاع “انتفاضة الأقصى” في أواخر أيلول (سبتمبر) 2000؛ إلاّ شاهد قويّ على هذا، كما قال، فإنها تطوّرات استدعت في واقع الأمر مواكبةً إعلامية في مستوى الحدث. “إلاّ أنّ الاستجابة الإعلامية الفلسطينية لهذا التحدي جاءت متفاوتة تفاوتاً بيِّناً من منبر إلى آخر ومن وسيلة إلى أخرى، وربما غلب عليها الطابع الموسمي. وفي كلّ الأحوال فإنّ المنظومة الإعلامية الفلسطينية الرسمية، على الأقل، لم تتمكّن من تسجيل أداء مميّز في عديد المحطّات”، على حد تقديره.

وتابع شاكر “لعلّ من يدقِّق النظر في مكوِّنات الساحة الإعلامية الفلسطينية؛ سيخلص إلى تساؤل مشروع عن مدى الاستقلالية التي تحوزها وسائل الإعلام الحاضرة في هذه الساحة”. وقال شاكر “يحقّ لأطراف الساحة الفلسطينية، من قوى سياسية وفصائلية وشعبية، وكذلك من المجتمع الأهلي (المدني)، أن تكون لها منابر معبِّرة عنها، تنطق بلسان حالها، وهذا أمر معقول ومقبول من حيث المبدأ. إلاّ أنّ الذي يسهل التعرّف عليه؛ أنّ الوسط الإعلامي العريض الذي يفترض أن يكون مستقلاً ويحافظ على مسافة معقولة تفصله عن شتى الأطراف وأن ينضبط بالمعايير المهنية؛ يفتقر إلى مواصفات الاستقلالية بامتياز”.

واستذكر حسام شاكر ما كان يُقال في سنوات التسعينيات، “إنه من المؤسف أن تؤول تجربة الصحافة الفلسطينية، التي قدّمت على مرّ عقود، أسماء بارزة في فضائها العربي العريض، بل كانت لها تجربتها الذاتية المبكرة نسبيّاً على أرضها قبل النكبة؛ أن تؤول إلى هذا الانكماش والهبوط الذي جسّدته التجربة التي أمكن معايشتها في الضفة والقطاع، في ما بعد قيام السلطة الفلسطينية”. وعلّق شاكر على ذلك بالقول “يبدو أنّ هذا الأسف له ما يبرِّره حقاً، إلاّ أنّ ما ينبغي استذكاره في هذا الصدد أنّ النتائج مرتبطة بمقدماتها، والأسباب مرتهنة لمسبِّباتها”.

وبشأن إشكالية التبدّل في المصطلحات رأى شاكر أنه “لم يكن مفاجئاً أن تشهد المصطلحات الرائجة في الساحة الإعلامية الفلسطينية اضطراباً في زمن التحوّلات الحادة التي طرأت على الساحة السياسية الفلسطينية. إلاّ أنّ التساؤل يبقي قائماً بشأن قدرة الوسط الصحفي على معالجة المصطلحات بوعي ومسؤولية من جانب؛ ودون الإخلال بالمعايير المهنية من موضوعية وحيادية وعدم التدخل بالرأي الذاتي ضمن المتابعات الإخبارية من جانب آخر”. وأضاف شاكر أنّ “ما يُكسِب هذه القضية أهمية خاصة في هذا السياق؛ أنّ اضطراب المصطلح، هو وثيق الارتباط بأبعاد التناول الإعلامي لقضية اللاجئين وحق العودة.

ومن البواعث على الأسف؛ أن يجد المرء ضموراً في الحسّ النقدي في بعض ثنايا الساحة الإعلامية الفلسطينية، إلى درجة تمرير تعبيرات لا تتوافق مع أساسيات المنطق الوطني الفلسطيني”.

ولفت حسام شاكر الانتباه إلى أنّ “التصدع القائم في الساحة السياسية الفلسطينية كشف عن أنّ الدعاية السياسية ممارسة مستأنسة في عديد وسائل الإعلام في الساحة الفلسطينية، وذلك بالطبع على حساب

التغطيات الموضوعية”. وأضاف شاكر أنّ “الانقسام السياسي الحادّ تحوّل إلى انقسام إعلامي أكثر حدّة، ومن البواعث على الأسى والتنديد في آنٍ؛ أن يضمحلّ التناقض الجوهري مع الاحتلال ومشروعه في فلسطين والمنطقة؛ لصالح الانشغال بالتناقضات الداخلية المفترضة”.

وتحدّث شاكر عن “منابر إعلامية صارخة، يتحوّل فيها شريك الساحة الفلسطينية إلى خصم إلى درجة الاستعداء السافر، بينما قد يتوافق ذلك مع غياب الإشارات السلبية إلى المحتلّ إلاّ بما يوافق أغراض التراشق الدعائي الداخلي ربّما”.

وزاد شاكر “كان لابدّ لهذا التدهور أن ينعكس على قضية حقّ العودة، بدرجة أو بأخرى، لأنّ أجواءً كهذه لا تتجرّد فيها الموضوعات بسهولة عن الأطراف الفاعلة، فيكون الحكم متأسِّساً على الأطراف أساساً وليس على المواقف التي تتخذها تلك الأطراف”، مفترضاً أنّ “تمرير المواقف السلبية من قضية حق العودة، مسألة متيسِّرة من خلال منابر الدعاية تلك، طالما أنها تخلّت عن الموضوعية المهنية، وتنازلت عن وظيفة المواكبة النقدية للتطوّرات والمواقف والأداءات السياسية والمجتمعية، وأنّ “المعيار الوطني” يَضمُر لحساب معايير أخرى”.

وشدّد حسام شاكر على أنّ ذكرى ستينية النكبة “تُملي التوجّه لمراجعة تفاعل الإعلام الفلسطيني مع ملف اللاجئين وقضية العودة، مراجعة نقدية تتحلى بالمسؤولية والموضوعية، مع إعمال النظر في جملة من الخيارات التصحيحية والمتطلبات التطويرية للتجارب الإعلامية في الحاضر والمستقبل”.

وأثار شاكر الانتباه إلى أنّ “استعادة الإجماع السياسي الفلسطيني الملتف حول الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرّف، التفافاً واضحاً وصريحاً؛ هو مطلب ملحّ، أخذاً بعين الاعتبار ارتباط ذلك ارتباطاً وثيقاً بمجمل قضية حق العودة وملف اللاجئين، وانعكاسه المباشر أيضاً على تحقق حالة من الإجماع الإعلامي في هذا الشأن”.

وتوصّل شاكر في تحليله إلى “حاجة لإعادة صياغة بعض ثنايا المشهد الإعلامي الفلسطيني، بحيث تجري تلك الصياغة بما يعزِّز قضية فلسطين بعامة، وبما ينهض بالدور الإعلامي ومسؤولياته؛ في التوعية والاستنهاض والرقابة والمحاسبة”.

كما رأى شاكر أنّ “هناك حاجة ماسّة لتحويل مركز الثقل في المشهد الإعلامي الفلسطيني من الخانة الفصائلية ـ الدعائية؛ إلى الإطار الفلسطيني الجامع الذي يتحرّى مصالح الشعب ويرعى آصرة الانتماء إلى الأمة، ويمضي في مزاولة الأدوار المرتجاة منه”.

كما اعتبر الباحث والإعلامي أنّ “الأولوية في مجال الخطاب ينبغي أن تكون لتحرير الخطاب الإعلامي الفلسطيني من سقوف الخطاب السياسي الواطئة، بحيث لا يُصار إلى تحجيم الذاكرة التاريخية والآمال الوطنية الجمعية”، كما قال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات