السبت 28/سبتمبر/2024

التحليل الشعبوي والدفاع عن جبلة بن الأيهم!

التحليل الشعبوي والدفاع عن جبلة بن الأيهم!
قبل أيام من أحداث الشجاعية نقلت الأخبار نبأ انتقال أحد قادة “كتائب الأقصى” للعلاج بعد ترتيب التنسيق الأمني اللازم مع الجيش الصهيوني! حدث هذا ولم يتحرك أي من “فزِّيعة” التحليل السياسي على طريقة أن ما يجري في فلسطين هو “صراع إخوة” و”خلاف سياسي بين حزبين وطنيين” و”صراع على الكراسي بين متكافئين” – لم يتحرك أي من هؤلاء لقول أي شيء. لم يسجَّلوا استنكارًا علنيًّا لفعلة هذا القيادي ولم يطلق أي منهم صرخة تعجب. لم يُحْدِث الخبر عندهم هزَّةً حادَّةً في الوعي والإدراك الوطني؛ مع أنه يفترض بكل عاقل أن تشتعل في دماغه كل الأضواء الحمراء حين يسمع عن ذهاب “هتلر” إلى “لندن” في العام 1941 لقضاء أجازة الصيف! فإمَّا أن “هتلر” ليس بهتلر؛ أو أن “لندن” ليست بلندن! إذ كيف للمقاوم الدَّعي أن ينسق أمنيًّا مع عدوه المفترض – خصوصًا حين يهاتر ويزايد على حماس في موضوع التهدئة؟

هم لا يكتفون بالسكوت على هذه الحادثة القاطعة – ومثيلاتها الكثيرة – والتي يفترض أن تضع النقاط على الحروف بخصوص فرز فريق من طرفي الصراع الفلسطيني كفريق خياني منحرف بامتياز؛ بل يستمرون في اعتماد العلامة التجارية لكتائب الأقصى كمعادل موضوعي للمقاومة عند حماس والجهاد رغم حلها وبيع سلاحها! أحد هؤلاء الذين يخلطون تعصبهم الخفي لماضيهم وحاضرهم في فتح بشيء من الكذب ويغلفون ذلك كله بحيلة “انتقاد الطرفين” يساوي بين الإسلامي الذي يتزوج أربعًا بالحلال والعميل الذي يخادن عشرًا بالحرام؛ فكأن الالتزام بأوامر الله تعالى من جهة والفجور بالمعصية من ناحية أخرى تفصيلان هامشيان جدًّا؛ وكأن غالبية الشعب الفلسطيني تدين بالمزدكية! وحين وقع انفجار شاطئ غزة انبرى عدد من أعداء الحقيقة هؤلاء للمساواة بين قيادي يغضب لأنه على وشك أن يقدم ابنه الثاني شهيدًا على يد العملاء – وكان قد قدم زهاء عشرة شهداء من عائلته اللصيقة – وقيادي من الطرف الآخر مشغول بتدبير التفجيرات في غزة وخلط الاسمنت وحصب الحصباء لبناء المستوطنات في الضفة!

على أية حال ليس هذا إلا رأس الجبل الجليدي من لا معقولات السياسة والعمل الإعلامي في فلسطين؛ لكن لنعد الآن للأستاذ الذي يخشى من قيام “طريقٍ ثالثٍ” فلسطيني “يكفر” بحماس وفتح معًا بسبب ما تصنعان معاً أيضًا؛ ويسوقُ هذا الفريقَ الثالثَ غَضَبُهُ لأن يمشي على خطى مجالس الصحوة في العراق وأن يتحمل في الحرب على فتح وحماس حتى عبئًا ثقيلاً وسبَّةً مثل العمالة للكيان!

لا شك أن هذا الكلام يفتقر لأبسط أدوات الموضوعية ويمكن على الفور رَدُّهُ شكلاً وموضوعًا! وهو يفترض ظلمًا أن طرفي الإشكال الداخلي في فلسطين طرفان وطنيان كلاهما؛ لكنهما يفرطان في النزق والتفرد والتجبر. في الحقيقة؛ أنا لا أعرف شيئًا ارتكبه “ستار ريشة” زعيم مجالس الصحوة الهالك المقبور وأصحابه مما لم تركتبه فتح. ففتح تُسيِّر دوريات مشتركة مع الاحتلال وتعيد اعتقال من يفرج عنهم الكيان من المقاومين وتتبادل اعتقالهم معه (أنا لا أعرف حتى إن كان للصحوات معتقلاتهم الخاصة بالمناسبة…) كذلك تقوم حركة التحرير الوطني من خلال أجهزتها العميلة بمطاردة المطلوبين وقتلهم أو مساعدة الكيان على قتلهم – عن طريق تعيين أماكن المطلوبين بعد الإفراج عنهم كما حصل مع أحد شهداء القسام؛ أو تعيين أماكنهم حتى وهم معتقلون في عهدة الأجهزة الخيانية كما حصل مع مطلوبي كتائب الأقصى الذين صدقوا كذبة العفو وقتلوا وهم “يتشمسون” على باب سجن الجنيد في ساعة “الفورة”! فوق هذا كله؛ يمارس عدد من عناصر أجهزة فتح – بما فيهم القائد الأعلى لكتائب الأقصى المنحلة والمبيع سلاحها! – سلوكًا معيبا يندى له جبين الحر والحرة فضلاً عن “تالي فحيمة” التي قالت في “الفارس الأسمر” ما لم يقله مالك في الخمر.

وليس هذا كما تقدم إلا غيضًا من فيض؛ ولا توجد أصلاً ذاكرةٌ تستطيع حفظ “مآثر” هؤلاء الرعاع الآثرة وفضائلهم الزاخرة…لكن العجيب أنه رغم هذه الصورة التي تكافئ لئلا نقول تتفوق في السوء على خسة مجالس الصحوة ومنهج ستار ريشة فإن المحلل السياسي الكبير والصحافي اللامع لا يجد غيضًا في تكييف فتواه السياسية العجيية – الخوف من نشأة مجالس الصحوة الفلسطينية – مع واقع يشهد قيام هذه المجالس ونشاطها فعلاً؛ ويُشَبِّهُ فيه الصهاينة محمود عباس برئيس “روابط القرى”! أم هل إن المقصود هو نشأة مجالس “ما بعد الصحوة” و”ما بعد الخيانة”؟! وفي كل الأحوال: ما هو ذنب حماس التي تتصدى لهذا الوسخ وتطفئ جذوته جَهْدَهَا؟! هل المطلوب منها هو أن تتقبل الطعنات مثل “العم العجوز” في الفيلم الهندي – أو أفلام “حسين رياض” – ليشهد لها بعض الذاهلين بالبطولة ثم يتبع ذلك بقوله: “الله يرحمها”؟

ترى هل لو سكتت الضحية على اغتيالات المجاهدين أو هل لو أُخرِسَ صوتها كما يحصل الآن في ضفة يحيى عياش مع عناصر حماس والجهاد الإسلامي فإن هذا سيطبع الجسد الفلسطيني بالصحة والعافية لمجرد أن صرخة الألم غائرة؟!

أخشى أيضًا أن البعض متعودٌ ومتطبعٌ تمامًا مع صورة الإسلامي المقتول والمطارد والمسجون؛ لكنه يخاف من سطوة التغيير الكبير غير القابل للاستيعاب حين يظهر سعيد صيام متوعِّدًا الصعاليك ويتولاهم بما هم له أهلٌ بالفعل! على كل من يفكر على تلك الهيئة أن يعيد ضبط ساعته وضميره وعقله؛ فعصر غزة الحماسية الإسلامية سيجب العرف السياسي القديم كله؛ فاستعدوا!

وعلى السادة الصحافيين الباحثين عن دراما نبيلة لا يقوم فيها البطل إلا بما يُرضي الجمهور العاطفي المتفرج ظاهرًا وباطنًا – على هؤلاء الاستيقاظ من أحلام اليقظة والنزول إلى عالم الواقع. فهناك علاجٌ بالكي وهناك علاجٌ بالضرب ولولا الخروج على القانون والجريمة لما شرع الله العقوبات المغلظة للمفسدين والمخربين.

وعلى السياسيين من أبناء مدرسة المزايدة أن يعودوا إلى صوابهم ولا يستغلوا اللقطة التلفزيونية الآنية للمزايدة على حماس والطعن فيها والادعاء بالترفع عن الوقوع في جريمة “اقتتال الإخوة”؛ فالكل يعرف أن الحدث أكبر من هؤلاء السياسيين المزاودين وفصائلهم؛ ولا يستطيع هؤلاء منع الباطل ابتداءً؛ ولأن قدرتهم على ذلك متعذرة فإن ادعاءهم بالترفع عن لجم الباطل بحجة “الحرص على الأخوة الوطنية” هو ادعاء تحوم حوله الشبهات لئلا نقول أكثر من ذلك!

إن ما ينفع فلسطين والناس هو أن يكون فيهم من يضرب على الباطل بيد من حديد. لقد ابتعدت حماس عن العدل حين جنحت للعفو الذي فيه مبالغة في الإحسان للمجرم والخارج على سواء السبيل؛ والعدل كان دائمًا يقتضي ضرب سلاح العائلات الجاهلي؛ وضرب مربعات الأمن التي تأوي المجرمين والقتلة الذين دكنوا السلاح وآلة الحرب لقتال شعبهم وتنفيذ مخططات ستار ريشة الفلسطيني! وحين عُرِضَ عليهم ما يمكن أن يعرضه أي جهاز أمن شريف ومحترف في أيِّ أرضٍ من بلاد الدنيا – تسليم المشتبه بهم وإخضاعهم للتحقيق – فَجَرُوا وأطلقوا القذائف على البيوت الآمنة في غزة؛ لكن لم يلبثوا أن نَزَعَهُم عِرْقُهم التخامدي وأثبتوا أنهم إوزٌّ “شاباكي” لا يحسن الطيران إلا باتجاه مزارع جيش الدفاع!

دون شك على حماس أن تصوب الأخطاء الإجرائية التي يقع فيها عناصرها من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؛ ولا بد من الإصخاء والإصغاء جيدًا للأقلام والأصوات الشريفة التي تحاسب الكريم على قدر كرم نفسه وكبرها لا وفق نسبية الأمور. لكن لا على حماس أن تلتفت لأَعلام التحليل الشعبوي ومزايداتهم الجوفاء وتباكيهم على فرار “جبلة بن الأيهم” إلى ملك الروم؛ والتلميح إلى مسؤولية الإسلاميين عن التصرف المخزي “للمناضل” الكبير كما قالوا!

فهؤلاء سرعان ما سيسارعون للدبكة في أعراس حماس والرقص على إيقاع الرضا الشعبي حين تقرر المقاومة استئناف القتال وفق رؤيتها وتقديرها للموقف السياسي والعسكري. وحماس لن تخسر كثيرًا بخفوت صوت حداء السادة الشعبويِّين وغنائهم بعض الوقت!

 
* كاتب فلسطيني – السويد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات