الحوار الشائك.. بين السلطة وحماس

صحيفة العرب القطرية
يعتقد البعض أن «مناخاً» من الانفراج يخيم على الشرق الأوسط ويسمح بمعالجة الملفات العالقة في أكثر من بلد، ويلاحظ هؤلاء أن ما يؤيد هذا الاعتقاد المفاوضات السورية الإسرائيلية التي تزامن الإعلان عنها مع اتفاق الدوحة الذي قدم حلاً للأزمة اللبنانية، والانفتاح الفرنسي على سوريا، وكذلك ما يشاع عن تقدم جدي في التعامل الغربي مع الملف النووي الإيراني، إلى صفقة إطلاق الأسرى بين حزب الله و”إسرائيل”.. وهكذا ينبغي أن تشجع هذه البيئة من الانفراج على حل الأزمة الفلسطينية العالقة منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية قبل أكثر من سنة إلى سيطرتها على قطاع غزة التي أنهت وجود السلطة التي يمثلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد كان لافتاً في إطار هذا التحول إلى التهدئة والانفراج أن يصدر من الرئيس الفلسطيني نفسه الموافقة على الحوار مع حماس بعدما ظل يرفض ذلك طوال الأشهر الماضية ويربط أية دعوة إلى الحوار مع عودة الوضع في غزة إلى ما كان عليه سابقاً.
المهم أن أطرافاً فلسطينية كثيرة رسمية وغير رسمية تلقفت الدعوة إلى الحوار لتبحث في أطر مغلقة كيفية المبادرة إليه والأسس المفترضة لإنجاحه، والنقاط الخلافية التي حالت دون نجاح التفاهمات السابقة سواء في مكة أو القاهرة أو اليمن.. وتعتقد بعض أوساط حماس أن الدعوة إلى الحوار والموافقة عليه من جانب السلطة دليل فشل عملية التسوية التي لم تقدم شيئاً للفلسطينيين، كما أن المفاوضات التي تشجع واشنطن على الاستمرار فيها مع الطرف الإسرائيلي مستمرة منذ عام 1993 (اتفاق أوسلو) ولم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام على طريق تشكيل الدولة الفلسطينية المستقلة.
وكأن المطلوب من الفلسطينيين أن يستمروا في التفاوض مدى الحياة دون أن يعرفوا إلى أين سيؤدي ذلك كله، لكن -وبغض النظر عن الأسباب التي تدفع هذا الفريق الفلسطيني أو ذاك إلى القبول اليوم بالتفاوض والحوار وليس الأمس- فإن ما ينبغي الاعتراف به أن الأزمة حادة، وأن الانقسام في الساحة الفلسطينية بين أكبر فصيلين فيها وهما تحت الاحتلال، لم يسبق له مثيل في تاريخ النضال الفلسطيني، كما أن هذا الانقسام خلق واقعاً مماثلاً بين الضفة الغربية وقطاع غزة لجهة الانقسام بين سيطرة السلطة على الأولى وحماس على الثاني، وما أعقب ذلك من ملاحقات وتضييق واعتقالات قام بها كل طرف في المنطقة التي يسيطر عليها ضد الطرف الآخر، ويمتد الانقسام إلى الجانب الحكومي حيث يتنازع الطرفان شرعية التمثيل، فالسلطة في رام الله تتمتع باعتراف عربي وعالمي وبعلاقات مع الولايات المتحدة ومع “إسرائيل”.
في حين تعاني حكومة حماس في غزة من الحصار والتجويع ومن احتمالات الاجتياح الإسرائيلي، وإلى هذا وذاك ثمة خلاف عميق حول برامج برنامج السلطة السياسي وبرنامج حركة حماس، ففي حين ترى السلطة أن خيار التفاوض هو الاستراتيجية الوحيدة الممكنة بالتعاون مع «المجتمع الدولي» لا تزال حركة حماس تعتقد أن خيار المقاومة له الأولوية من أجل فرض التنازلات على العدو وتحقيق الانتصارات التي يمكن أن تفرض تراجعه مثلما حصل في غزة.
وبين هذين الخيارين مسافة واسعة من الاختلاف والتباعد تعكس نفسها في أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، وفي حالة التراجع وتشتت القوى التي تسود الساحة الفلسطينية.
هل يمكن في ظل هذا الاختلاف والتباعد في الاستراتيجيات أن يحصل الحوار بين فتح وحماس؟ وما هي النقاط التي ينبغي أن تطرح على جدول الأعمال المفترض؟ وهل يمكن للحوار المنشود أن ينزع فتيل الأزمة ويعيد الوضع الفلسطيني إلى المشاركة والتفاهم دون إلغاء خصوصية كل طرف؟ ثم ما هي الأهداف المشتركة والمصالح الوطنية العليا التي ستكون قاعدة مشتركة لتلاقي الطرفين؟
تختلف الآراء حتى في أوساط الباحثين الفلسطينيين حول جدوى هذا الحوار، إذ ثمة من يعتقد أن من الاستحالة الجمع بين طرفين يريد كل منهما الذهاب في اتجاه مختلف، ولا يريد أي منهما الاعتراف بشرعية الآخر، ففي حين ترى حماس على سبيل المثال أن المشكلة تكمن في التغيير الذي حصل قبل سنوات وأدى إلى صعود الحركة على حساب فتح التي هيمنت طويلاً على الساحة الفلسطينية، وإلى عدم وجود إطار مؤسسي جامع للشعب الفلسطيني بعد العجز الذي أصاب منظمة التحرير الفلسطينية واختزال دورها بالسلطة الفلسطينية وعدم وجود الفصائل الإسلامية فيها وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي، في حين ترى أوساط السلطة أن نجاح حماس لم يكن بفضل قوة تمثيلها بل بسبب فشل بعض رموز فتح وفسادهم أثناء تحمل مسؤولياتهم في السلطة الفلسطينية، وأن ارتباطات حماس الخارجية هي التي تعرقل الوحدة الوطنية الفلسطينية.. إذن، كيف يمكن في ظل أزمة الثقة بين الطرفين أن تنجح الدعوة إلى الحوار، وأن يتم الاتفاق على جدول الأعمال المناسب الذي سيسهم في حل الأزمة العالقة بين السلطة وبين حماس؟ هنا أيضاً ثمة أكثر من وجهة نظر.
فهناك من يدعو إلى التفاهم أولاً على البرنامج الوطني الفلسطيني لإنجاز المصالحة، وإلى عقد أو ميثاق وطني يلتزم به الجميع ويشكل مرجعية فعلية للمشروع الوطني الفلسطيني، ويؤكد أصحاب وجهة النظر هذه على ضرورة إعادة الاعتبار إلى الاتفاقات السابقة التي حصلت بين 2005 و2007 في القاهرة ومكة ووثيقة الوفاق الوطني، على أن يترافق ذلك مع تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بناء مؤسساتها لتكون مرجعية شاملة وفاعلة، لكن وجهة النظر الأخرى ترى أن المشكلة أساساً في التدخل الخارجي الذي يمنع اللقاء والحوار، وأن من حاصر حماس بعد فوزها لم تكن السلطة الفلسطينية بل الخارج العربي والدولي، وأن من دعا إلى رفض الحوار بعد هيمنة حماس على غزة هي الولايات المتحدة قبل أي طرف آخر، وأن من يريد إسقاط تجربة حماس هو من ينسب إليها الانتماء إلى محور التطرف والشر، وأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع مخالفة ضغوط القوى الخارجية الإقليمية والدولية لأن وجودها مرهون بهذه القوى التي تقدم لها الدعم والحماية..
في ظل هذه المعادلة الصعبة والمعقدة يبدو الحوار بدوره صعباً، لكن قدرة الأطراف على تحديد المصالح الوطنية المشتركة (بين المقاومة والسلطة) التي يمكن التفاهم عليها من جهة والقدرة على الحد من التدخل الخارجي من جهة ثانية قد يشكلان السبيل الممكن في هذه المرحلة للحد من الأزمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ومن الانقسام الذي تعانيه قيادته.
كاتب لبناني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...