عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

قوة الضعفاء.. كم من السنوات بعد الستين؟

قوة الضعفاء.. كم من السنوات بعد الستين؟

صحيفة البيان الإماراتية

طفل بيده حجر في مواجهة دبابة. لم يكن المشهد مأخوذاً من فيلم سينمائي بل من الواقع الحي. الطفل فلسطيني والدبابة إسرائيلية. الصورة أصبحت شهيرة بعد أن عرضتها شاشات التلفزة في العالم كله وجرى اختيارها، منذ سنوات وحتى اللحظة، كي تكون على غلاف العديد من الكتب التي تناقش عامة “الحرب غير المتكافئة” بين “الأقوياء” و”الضعفاء”.

وليس من المبالغة القول إن هناك الآن العشرات من هذه الكتب على رفوف المكتبة الغربية. الدبابة “الإسرائيلية” لم تنتصر، والطفل “الفلسطيني” لم ينهزم. إنه يقاوم.

صحيح أن “إسرائيل” تحتفل اليوم بالذكرى الستين لقيامها، وصحيح أن قادة الغرب يحتفلون ويحتفون بهذه المناسبة وأن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش “يستحضر” الكثير من المرجعيات التوراتية “المنتقاة بعناية” للتدليل على مسمع العالم كله أن “مفاتيح القدس” قد عادت “مرة أخيرة وإلى الأبد لأصحابها الشرعيين”؛ بالطبع لا يقصد الفلسطينيين.

وصحيح أن أقلاماً كثيرة في هذا الغرب “تهلل وتطبّل” لولادة “مجتمع ديمقراطي” في بحر من الدكتاتوريات. هذا كله صحيح، ولكن بالمقابل ليست قليلة هي الأصوات في الغرب التي تفتح النقاش حول “الوجه الآخر للميدالية” والمسار التعسفي الذي “أنجزته” “إسرائيل” حتى الآن في عمرها القصير جداً بحسابات التاريخ.

ولا شك أنها قد حققت “رقماً قياسياً” في التعسّف بشهادة حتى بعض أصدقائها. وليس أصدقاؤها فقط، ولكن العديد من الإسرائيليين أنفسهم. وفي مقدمة هؤلاء أولئك الذين تُطلق عليهم تسمية “المؤرخين الإسرائيليين الجدد” من أصحاب الأطروحات الواضحة في إدانتها للمسار الإسرائيلي منذ بداياته (ولا شك أن كتبهم تستحق الترجمة، ليس للغة العربية وحدها، وإنما إلى مختلف لغات العالم للمشاركة في تفكيك الأسطورة).

الأصوات الإسرائيلية الناقدة ل”إسرائيل” متنوعة التوجهات والمشارب وتلتقي بالتعبير عن استحالة الذهاب بعيداً في أجواء العداء والعدوانية التي تغذيها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كلّها حيال محيطها معتمدة على إستراتيجية الدبابة.

كإشارة سريعة يتم هذه السنة عرض فيلم إسرائيلي في مهرجان “كان” السينمائي الشهير عنوانه: “رقصة فالس مع بشير”، وهو أول فيلم وثائقي طويل بتاريخ السينما بـ “الرسوم المتحركة”. أما موضوعه، وهذا هو الأهم، فهو “توصيف” مذبحة “صبرا وشاتيلا” في شهر سبتمبر عام 1982 التي حضرها المخرج “آري فولمان” كجندي في الجيش الإسرائيلي.

لقد قيل الكثير عن الانحياز الغربي عامة، والأميركي خاصة حيال “إسرائيل”. ولعلّ هذا “مفهوم”، بشكل ما، حيث إن هذا الكيّان مثـّل منذ البداية نوعاً من استمرارية المشاريع الاستعمارية التاريخية.

ألم يكن وعد الوزير الانجليزي بلفور عام 1917 هو “حجر الأساس” في انطلاق المشروع السياسي لما كان هرتزل وصحبه قد “طبخوه” بمؤتمرهم الصهيوني الأول في مدينة “بال” السويسرية عام 1896؟. ألم يكن العدوان الثلاثي الإسرائيلي – الانجليزي – الفرنسي على مصر، عبد الناصر، في عام 1956 تعبيراً عن استمرارية المشروع الاستعماري، مع “بيدقه” الجديد الإسرائيلي؟.

العديد من البرامج التلفزيونية التي بثـّتها القنوات الغربية، الفرنسية وغير الفرنسية، أظهرت مدى “التواطؤ” الذي أظهره جنرالات ورجال سياسة وضبّط استخبارات حيال “إسرائيل” من أجل تحديث ترسانتها العسكرية بما في ذلك، بل وخاصة، السلاح النووي. وأحياناً مع تجاوزهم أوامر القيادة السياسية، كما حدث عندما قرر الجنرال ديغول وقف التعاون العسكري مع “إسرائيل” بعد حرب يونيو 1967.

الانحياز الذي أظهره الغرب عامة وأميركا خاصة حيال الدعم غير المشروط ل”إسرائيل” عرف ذروته في عهد الإدارة الأميركية القائمة وعبّر عنه “دون أي تحفظ” الرئيس جورج دبليو بوش في كلمته “الاحتفالية” قبل أيام بمناسبة 60 سنة على قيام الدولة العبرية. لقد أخذت الصهيونية “اللون الأميركي” بوضوح وبدت “إسرائيل” وكأنها إحدى الولايات الأميركية.

وجاءت حرب العراق في ربيع عام 2003. الحرب – الكارثة على صورة أميركا في العالم والتي لا شك أنها قد تشوشت لفترة طويلة من الزمن. كانت حرباً “اختارها” الأميركيون، ولم تدفع لها أية ضرورة “أميركية”.

ما كان جلياً منها هو أنها تخدم “الحليف” الإسرائيلي المتميز. كان المحافظون الجدد قد رفعوا بوضوح شعاراً يقول: “إن الطريق إلى القدس تمر عبر بغداد”.الجميع يذكرون ذلك.

أمام مثل ذلك الانحياز وذلك “المنطق” كان من “الطبيعي” أن يتجذر العداء حيال أميركا وحيال الغرب بل وحيال اليهود. وفي مثل هذا السياق يغدو من المستبعد أن يتحقق سلام فلسطيني-إسرائيلي قبل نهاية رئاسة جورج دبليو بوش رغم التفاؤل الذي “أصرّ” على الإعلان عنه في شرم الشيخ عند محطته المصرية أثناء الجولة التي قام بها مؤخراً في منطقة الشرق الأوسط. تفاؤل “لا يمشي” في اتجاه مؤشرات الواقع. ومن يعش ير.

الولايات المتحدة لم تتوقف عن التأكيد، حتى فترة ليست بعيدة، أنها “على طريق النصر” في العراق، وأنها قد “انتصرت” في أفغانستان. لكن الواقع يقول إن أميركا لم تخسر الحرب فحسب وإنما أنها ليست قادرة على الانتصار فيها. المقدمات الخاطئة لها دائماً نتائج خاطئة، حتى في الحرب، بل وخاصة في الحرب.

لا شك أن الأميركيين والإسرائيليين يمتلكون التفوق التكنولوجي وقوة السلاح. لكن هذا لم يعد كافياً للانتصار مثلما كان الأمر في زمن الإمبراطوريات الاستعمارية وحروبها. ولم يعد كافياً أن تمتلك أميركا السلاح النووي وتمتلك “إسرائيل” السلاح النووي وتمتلك أية قوة السلاح النووي… من أجل فرض سيطرة أبدية على أولئك الذين لا يمتلكونه.

الطريق الآن مسدود، وقادة “إسرائيل” منذ أن قامت حتى اليوم لم تبارحهم أسطورة أن تفوقهم العسكري تحسم كل المعارك لصالحهم وأن السور الذي بنوه حولهم يحميهم. أحد جنرالات “إسرائيل” صرّح قبل أيام أن “ضحايا حوادث السير في إسرائيل” هم، في نهاية المطاف، أكثر عدداً من “ضحايا” المقاومين الفلسطينيين “الإرهابيين في قاموسه”.

لعله لا يدرك أن مثل هذه الجملة، وبنفس الكلمات تقريباً كان قد قالها الجنرال الفرنسي جاك ماسو أثناء حرب التحرير الجزائرية التي انتهت باستقلال الجزائر عام 1962 بعد 132 سنة من الاستعمار.

فكم سنة ستستمر “إسرائيل” بعد الـ60؟.

كاتب سوري

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات