مخيم طولكرم في ستينية النكبة.. أمل بالعودة ومعاناة متواصلة

لم يدر في خلد الحاج أبو خالد الطنجة ولا باله، أنه سيعيش ستين سنة في مخيم طولكرم، وهو من سكان قرية الطنطورة قضاء حيفا، التي غادرها وهو في مقتبل شبابه، بعد أن شارك في أول معركة بين العرب واليهود في الطنطورة والتي ذهب ضحيتها مائتان وعشرة شهداء، وتم اعتقاله لمدة سنة في سجن صهيوني في يافا، ثم هرب من السجن مع عشرين من رفاقه المعتقلين. ثم استقرّ به المقام في مخيم طولكرم، وكان وقتها يحلم بالعودة إلى أرضه وبيته بعد أسبوع، لكنّ السنوات أخذت تمرّ وتتلاحق، وتزوّج، وأنجب من الذكور ستة ومن الإناث أربعة.

وعندما سمع الحاج أبو خالد أنّ ما يجري اليوم من مفاوضات يستهدف شطب حق العودة؛ صرخ بأعلى صوته قائلاً “خائن من يبيع عودتنا، خائن وعميل من يطفئ نار ثأره بيده”.
وأردف أبو خالد يقول والحسرة تملأ قلبه “إنّ هذه الاتفاقيات والمفاوضات لايمكن أن ترجع لنا حقوقاً، لأنّ كل الزعامات العربية خاضعة للهيمنة الأمريكية واليهودية”، وفق تعبيره.

نشأة المخيم وواقعه
بدأ العمل في بناء مخيم طولكرم سنة 1949 في مكان يقع إلى الشرق من مدينة طولكرم وعلى جزء من أراضي قرية ذنابة وسهل طولكرم. وقد عاش سكان مخيم طولكرم أوضاعاً معيشية صعبة، خاصة مع عدم توفر المرافق الأساسية التي تضمن حياة كريمة، فالمرافق الصحية في المخيم لا تتعدى عيادة طبية واحدة فيها طبيب عام، لمجموع سكان المخيم البالغ عددهم 16 ألف نسمة، ويوجد لديهم عيادة أسنان واحدة، ويتم صرف الأدوية من المركز الصحي، لكنها لا تفي بالغرض.
أما التعليم فلا يوجد في المخيم إلاّ المدارس الأساسية والأساسية العليا للذكور والإناث التابعة لوكالة الغوث “الأونروا”، والتي بين الفترة والأخرى تضرب عن الدراسة بسبب الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها الوكالة، مما يؤثر سلباً على الخدمات التي تقدمها، سواء التعليمية منها أو الاجتماعية أو الصحية.
ويخترق المخيم شارع رئيس اسمه “شارع العودة”، بينما تقوم بلدية طولكرم بتقديم بعض الخدمات للمخيم مثل الكهرباء والماء وخدمات التنظيف.
ويعاني مخيم طولكرم كغيره من مناطق الضفة الغربية، من البطالة المنتشرة بين شباب المخيم ممن كانوا يتوجهون للعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، وحيل بينهم وهذه الفرصة بعد الإغلاق الخانق وبناء الجدار التوسعي الاحتلالي.

مقاومة وتضحية
وتستهدف المخيم هجمات صهيونية واقتحامات متكرِّرة بين الحين والآخر، وهذا ما تميّزت به سنوات الانتفاضة الشعبية السابقة وانتفاضة الأقصى. وعن ذلك يتحدث الأستاذ أحمد عبد ربه فيقول إنّ مخيم طولكرم يعتبر الأول في ارتفاع نسبة الشهداء على مستوى الضفة الغربية نسبة إلى عدد سكانه، حيث قدم 35 شهيداً في الانتفاضة السابقة. وأضاف عبد ربه أنّ أيام منع التجول بلغت مائة يوم في السنة خلال أعوام الانتفاضة المباركة السابقة، ومن أبرز شهداء المخيم في تلك الانتفاضة الشهيد محمد أبو هشيم.
وقد ألحقت القوات الصهيونية، خلال تلك الانتفاضة، أضراراً كبيرة بممتلكات المواطنين في مخيم طولكرم، واعتقلت عدداً كبيراً من شباب المخيم، وما زال بعضهم يقبع في معتقلات العدو منذ ذلك الحين ولغاية الآن، ومنهم من حُكم عليه بالمؤبد.
أما الجرحى والإصابات فكانت وفيرة العدد وخلّفت بعضها إعاقات دائمة لدى بعض المواطنين، وهناك من بُترت أطرافه.
ويشرح الأستاذ منير أبو تمام، من سكان المخيم، والذي أمضى ما يزيد عن ربع قرن في التعليم، بأنّ مخيم طولكرم بدأت مشاركته في “انتفاضة الأقصى” منذ يومها الأول، وقدم الشهيد محمد القلق آنذاك.
وأضاف أبو تمام، أنّ جنازة الشهيد القلق والتي حضرها عشرات الآلاف من أبناء المخيم ومدينة طولكرم، قد فجّرت مشاعر الناس في المخيم، وعلى إثرها بدأت المشاركة الفعلية في انتفاضة الأقصى. وسرعان ما بدأت اجتياحات قوات الاحتلال المتلاحقة للمخيم، وكان الاجتياح الأول في شهر كانون الثاني (يناير) 2001، والثاني في شهر نيسان (أبريل) 2001، ثم الاجتياح الذي نزف فيه المخيم دماً في نيسان (أبريل) 2004 حيث استشهد على ارض المخيم في يوم واحد 17 شهيداً مع تسجيل عدد كبير من الجرحى والمعتقلين. وتجاوز عدد المعتقلين في تلك الأيام 200 معتقل، وفيهم من حكم عليه بالسجن المؤبد.
ويقول الأستاذ سهيل أبو الفيه، إنّ كل بيت في مخيم طولكرم قدّم في انتفاضة الأقصى إما شهيد أو جريح أو معتقل، أو هدم كلي أو جزئي لبيته.
ويلاحظ منير أبو تمام أنّ تلاميذ المدارس لم يعودوا يرسمون في حصص الفن إلاّ مناظر عن الشهداء أو المواجهات، أو جندي أو جريح.
وبشأن الاتفاقيات والمفاوضات وتأجيل الحديث في حق العودة ومستقبل اللاجئين؛ يقول أبو تمام إنّ اتفاق أوسلو “قد رفع أناساً وانتفخوا على حساب الشعب، وخفض آخرين حيث البطالة والفقر والحرمان، ومنهم سكان مخيم طولكرم”. ويرى الأستاذ سهيل أبو الفيه في المفاوضات الحالية “ملهاة للناس، وأنها تتجاوز عن كل حقوق أبناء الشعب الفلسطيني، حينما يتم القفز عن الحديث في مستقبل اللاجئين وحق العودة”.
ويؤكد الأستاذ مسعود أنه “لا بديل عن حق العودة، وهذا إجماع أهل المخيم صغاراً وكباراً”، ويقول إنّ “مسألة العودة إلى الوطن أمر يقيني مهما طال الزمن”، مشدداً على “أهمية إعداد الجيل وتربيته على التمسك بالحقوق، وإحداث الوعي الفكري اللازم لتفجير ثوره التحرير والنصر بإذن الله”.

بعض هيئات المخيم
ويوجد في مخيم طولكرم مركز نسوي يقدم بعض الخدمات ويسعى إلى النهوض بمستوى المرأة الفلسطينية في المخيم من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، عن طريق تنظيم دورات في الخياطة والمهن والكمبيوتر، من أجل تعزيز مشاركة المرأة في مجتمعها، بالإضافة إلى تعزيز دورها التنموي داخل المخيم وخارجه.
كما يعمل نادي شباب مخيم طولكرم على استقطاب الطاقات الشبابية في مجالات الرياضة والثقافة والفنون، ويسعى لرفع المستوى الثقافي والرياضي للشباب في المخيم، من خلال الأنشطة والدورات التدريبية في مختلف المجالات.
أما عن رأي القائمين على النادي في موضوع حق العودة؛ فيتحدث رشيد كرسوع، رئيس الهيئة الإدارية في النادي قائلاً “إنّ المتابع للأحداث يرى مماطلة العدو الصهيوني في الاستجابة لحقوق أبناء شعبنا، وإنّ الثقة بهذا العدو انعدمت، وما جرى توقيعه من اتفاقيات إنما هو حبر على ورق لا فائدة تُرجَى منه”.
وأضاف رشيد أنه “منذ اتفاق أوسلو وحتى اليوم لم ينفِّذ العدو أي شيء مما تم الاتفاق عليه”، ورأى أنّ ملف اللاجئين وحق العودة شديد الخطورة “لأنه يخص شعباً تم تهجيره من أرضه وفقد حقوقه وبيوته، والمبادرات المشبوهة التي تخرج علينا من هنا أو هناك وتحت أي مسمى هي مرفوضة لأنها تتنازل عن حق العودة، مثل وثيقة جنيف، وهذه الوثائق أو المبادرات نعتبرها مرفوضة لا قيمة لها”، وفق تأكيده.

إصرار وتحمل
ورغم الألم والمعاناة التي يتجرّعها أبناء مخيم طولكرم ومعهم كافة اللاجئين؛ إلاّ أنهم يتمسكون بحق العودة ولسان حالهم يقول ما يبوح به أحد لاجئي هذا المخيم “لو أردنا التنازل عن حق العودة لما قدّمنا كل هذه التضحيات والشهداء والجرحى في معارك الشرف والعز والفداء طوال هذه السنوات العجاف، فلا بديل عن حق العودة، فهو حياتنا وحليب أطفالنا، نعيش مرارة النكبة لتبقى الذاكرة حية لتحفيزنا على مواصلة الطريق رغم الأشواك ورغم الضنك، فالعودة إلى الديار والوطن عندنا فوق كل اعتبار”.

مخيم طولكرم في سطور
– يبلغ عدد سكان مخيم طولكرم 16 إلى 17 ألف نسمة.
– جميع سكان المخيم من مهجّري نكبة 1948.
– التركيبة السكانية لمخيم طولكرم شديدة التعقيد والتنوّع، حيث أنّ سكانه موزعون على مختلف مدن وقرى فلسطين عام 1948 من الشمال إلى الجنوب.
– أسماء الحارات والأزقة في المخيم بأسماء العائلات التي تسكنها أو بأسماء معارك وأحداث، وعلى سبيل المثال: حارة المربعة، حارة الشيخ علي، حارة الغانم، حارة البلاونه، حارة الشهداء، حارة القادسية، حارة الأنصار .
– توجد في مخيم طولكرم مدرستان للذكور أساسية وأساسية عليا، وثلاث مدارس للإناث.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....