الجمعة 09/مايو/2025

الموقف الأمريكي من اليهود من (بنجامين فرانكلين) إلى (جون ماكين)

يوسف علي فرحات

في عام 1789م ألقى (بنجامين فرانكلين ) أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية خطاباً عند وضع الدستور جاء فيه ما يلي: “هناك خطر عظيم يتهدد الولايات المتحدة الأمريكية وذلك الخطر العظيم هو خطر اليهود .

أيها السادة : في كل أرض حل بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخُلقي وأفسدوا الذمة التجارية فيها ولم يزالوا منعزلين لا يندمجون بغيرهم وقد أدى بهم الاضطهاد إلى العمل على خنق الشعوب مالياً كما هو الحال في البرتغال وأسبانيا .

إذا لم يُبعد هؤلاء عن الولايات المتحدة ( بنص دستورها ) فإن سيلهم سيتدفق إلى الولايات المتحدة في غضون مائة سنة إلى حد يقدرون معه أن يحكموا شعبنا ويدمروه ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا وضحينا له بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الفردية .

ولن تمضي مئتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود على حين يظل اليهود في البيوت المالية يفركون أيديهم مغتبطين .

وإنني أحذركم أيها السادة أنكم إن لم تبعدوا اليهود نهائياً فلسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم إن اليهود لن يتخذوا مثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال فإن الفهد لا يستطيع إبدال جلده الأرقط .

إن اليهود خطر على هذه البلاد إذا ما سمح لهم بحرية الدخول إنهم سيقضون على مؤسساتنا وعلى ذلك لا بد من أن يستعبدوا بنص الدستور ” .

إن ما تنبأ به ( بنجامين فرانكلين ) وحذر منه قبل قرنين من الزمن ها هو يتحقق بكامل صورته ويتجلى في سيطرة اللوبي الصهيوني على مناحي الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأصبح له الدور الأكبر في تشكيل سياسة أمريكا في الشرق الأوسط ، حيث يعمل هذا اللوبي على منع نشر أية كلمة تنتقد إسرائيل، وإسكات كل الأصوات التي يمكن أن تتبنى بعض الآراء المعارضة لسياسة أمريكا المؤيدة بشكل كامل لإسرائيل، وبذلك تكون إسرائيل قد فرضت الرقابة على السياسة الأمريكية والإعلام الأمريكي من جهة ، كما نجحت في تأمين أكبر قدر ممكن من المساعدات الاقتصادية والعسكرية ، ومنعت أي موقف أمريكي ممكن أن يقف في جانب الفلسطينيين والعرب .

لقد نجح هذا اللوبي في التأثير في الرؤساء الأمريكيين واستمالتهم لخدمة اليهود وإسرائيل ابتداءً من (ترومان ) وانتهاءً (ببوش الابن ) حتى عبَّر الكاتب اليهودي الأمريكي( جون بيتر) عن ذلك بقوله :   

” إن الرؤساء الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام الصهاينة كما ينحني العابد أمام قبر مقدّس ” .

ولعل الصورة الملتقطة لجورج بوش الابن وهو واقف في خشوع يصلي أمام ما يسميه اليهود بحائط المبكى في القدس لأكبر دليل على صدق هذه العبارة ، وعلى مدى العلاقة العقدية بين اليهود والأمريكيين.

كما ظهر أثر هذا اللوبي في التنافس بين مرشحي رئاسة البيت الأبيض الذين جعلوا جُل مادتهم الدعائية حول دعم إسرائيل ومحاربتهم خصومها . ففي إحدى الدعايات الانتخابية اتهم المرشح الجمهوري( جون ماكين ) خصمه الديمقراطي (باراك أوباما بأنه ) المرشح المفضل لحماس ، وقال ماكين: اعتقد أن الذي تريده حماس رئيسا للولايات المتحدة واضح جدا – يعني بذلك خصمه أوباما – وأضاف قائلاً : أعتقد أن الناس يجب أن يدركوا أنني سأكون أسوأ كابوس لحماس .

 وإن كان الانحياز الأمريكي لإسرائيل نابع من مصلحة أمريكية في علاقتها الخاصة بإسرائيل ، ويُبْقِي على أطماعها في المنطقة ، إلا أنه في الوقت نفسه يكمن في العلاقة بين البروتستانتية واليهودية ؛ حيث يستمد التراث الديني في أمريكا أصوله من المذهب البروتستانتي في إنجلترا ؛ والذي نشأ مع حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن السادس عشر ضد الكنيسة الكاثوليكية في روما . ولقد أحدثت حركة الإصلاح الديني تغييراً جوهرياً بالمقارنة مع موقف الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى في موقفها من اليهود ؛ وبذلك أسهمت هذه الحركة في بعث اليهود من جديد .

وفي نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر بدأ التعاطف الأمريكي مع اليهود يتحول إلى عمل ملموس من خلال جماعات وأفراد ؛ فعلى صعيد الأفراد في عام 1985م قام وارد كريون

القنصل الأمريكي في القدس بتأسيس مستوطنة زراعية في منطقة القدس ، وخطط لتأسيس مستوطنات أخرى ولكن لم يجد الدعم المطلوب من اليهود .

كما ظهر القس وليم بلاكستون الذي طالب بعمل شعبي لإعادة اليهود إلى فلسطين ، وألف كتاب :

( عيسى قادم ) الذي بيع منه عام 1878م أكثر من مليون نسخة ، وتُرجم إلى 48 لغة ، ويتحدث فيه عن عودة اليهود لفلسطين باعتبارها المقدمة لعودة المسيح .

وعلى صعيد الجماعات ظهرت جماعة « أخوة المسيح » وجماعة « بناي بريث » أي : أبناء العهد ، « وشهود يهوه » ، ثم جاء دور الرؤساء الأمريكيين في دعم الحركة الصهيونية ، وزاد هذا الدعم في بداية الأربعينيات مع انتقال مركز الثقل في النظام العالمي إلى الولايات المتحدة . فالرئيس روزفلت اتخذ نجمة داود شعاراً رسمياً للبريد ، والخوذات التي يلبسها الجنود ، وعلى أختام البحرية ، وجاء

بعده ترومان الذي أصدر بياناً طالب فيه بإدخال مائة ألف يهودي فوراً إلى فلسطين ، وكان له دور مشهود بجانب اليهود في حرب 1948م ، لقد عارض ترومان في سياساته الصهيونية كثيرٌ من المستشارين الحكوميين الذين كانوا يرسمون سياسة بلادهم الخارجية بناءً على مصالح بلادهم القومية ؛ ولكن ترومان كان ينظر بمنظار مختلف قائم على أساس الدين ؛ فعندما قدّمه زعماء اليهود الحاضرون في إحدى

الاحتفالات ووصفوه بأنه الرجل الذي ساعد على تأسيس دولة إسرائيل رد ترومان قائلاً : وماذا تعني بقولك : ساعد على تأسيس … إنني قورش … إنني قورش ؛ حيث شبه نفسه بقورش ملك فارس الذي أعاد اليهود من منفاهم في بابل إلى فلسطين . ولتوضيح أثر العقيدة البروتستانتية في دفع رؤساء أمريكا إلى الانحياز لإسرائيل نسوق موقف الرئيس الأمريكي جون كنيدي الذي كان الرئيس الكاثوليكي الوحيد في تاريخ أمريكا ، حيث قال : « إن الانحياز الأمريكي في النزاع العربي الإسرائيلي لا يهدد الولايات المتحدة فحسب بل يهدد العالم بأسره » ، فالأفكار والتنبؤات التوراتية لم تكن في وجدانه أو عقله مثل سابقيه ولاحقيه . فالرئيس جونسون الذي قدم الدعم لإسرائيل أثناء حرب 1967م صرح بعدها قائلاً في إحدى الاحتفالات للحاضرين : « إن بعضكم – إن لم يكن كلكم – لديه روابط عميقة بأرض إسرائيل مثلي تماماً ؛ لأن إيماني النصراني ينبع منكم ، وقصص التوراة منقوشة في ذاكرتي تماماً مثل قصص الكفاح البطولي ليهود العصر الحديث من أجل الخلاص من القهر والاضطهاد » .

ويقول الرئيس كارتر أمام الكنيست الإسرائيلي : « إن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من علاقة خاصة ؛ لأنها علاقة متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه » ، وفي حفل أقامته على شرفه جامعة تل أبيب وضح كارتر الأمر أكثر ؛ حيث ذكر أنه باعتباره نصرانياً مؤمناً بالله يؤمن أيضاً أن هناك أمراً إلهياً بإنشاء دولة إسرائيل . لقد كان كارتر مثالاً للرئيس الملتزم بالصلاة في الكنيسة كل أحد ، وكان عضواً في أكبر كنائس بلدته ، وشماساً في مدرسة الأحد . أما ريجان فقد قال في أحد خطبه موجهاً كلامه إلى بعض اليهود الأمريكيين : « حينما أتطلع إلى نبوءاتكم القديمة في العهد القديم وإلى العلامات المنبئة بمعركة هرمجدّون أجد نفسي متسائلاً عما إذا كنا نحن الجيل الذي سيرى ذلك لاحقاً» .

وإذا كان الانحياز الأمريكي لإسرائيل يحقق لها مصالح كثيرة ، إلا أنه في الوقت نفسه يضع مصالح هذه الدولة في خطر كبير ؛ لأنه يزيد حجم العداء لهذه الدولة ، ولاسيما على صعيد الدول العربية والإسلامية ، حيث تشهد هذه الدول حالة من السخط الشعبي على الأمريكان ومن ينفذ سياستهم في المنطقة

فهل سيكون انحياز الأمريكان لدولة الاحتلال ودعمها بلا حدود سبباً في انهيارها وانحسارها ، كما تنبأ المفكر والمخترع الأمريكي (بنجامين فرانكلين ) ؟! وهل سيتعلم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية والمتنافسون على الرئاسة وآخرهم ( جون ماكين ) الدرس ؟!
 
* الناطق باسم حركة حماس في المحافظة الوسطى

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات