الجمعة 02/مايو/2025

آخر القول… لم العجلة إذا كانت النتائج مضمونة!

آخر القول… لم العجلة إذا كانت النتائج مضمونة!

صحيفة الشرق القطرية

فجرت الحدود بين غزة ومصر وكان الفتح وانبلج الفجر والتقى الشعب الواحد في رفح الواحدة ولا أقول الشعبين ولا الرفحين وتحطمت حدود سايكس بيكو وفرح المؤمنون «بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم» مكرمة وإلهاماً من الله تعالى ونتيجة للضغوط والمبالغة في الاستهداف والتضييق بقدر ما كان إبداعاً لحماس التي استطاعت أن تصدّر الأزمة إلى خصومها ومحاصريها «بكسر الصاد» فأفلتت من الحصار وأبدعت آلية لفكه لا تمكن مقاومتها وفرضت على كل الآخرين وقائع جديدة تستطيع استثمارها ويجب أن تستثمرها باتجاه عدم السماح بأية ترتيبات جديدة أو اجترار ترتيبات قديمة تعترف بالاحتلال وتعيد الحصار أو تعطي العدو إمكانية فعل ذلك مرة أخرى.

هذا الفتح أو التفجير لم يكن عملاً تخريبياً من حماس ولا مسرحية تمثيلية ولم يأت في سياق الاستهانة بسيادة مصر وحدودها كما لم يأت باستئذانها ولا حتى برضاها فقد حسمت مصر موقفها باكراً ومنذ فوز حماس بأغلبية التشريعي فحاصرتها أو شاركت في حصارها ورفضت أن تتعامل وفق ذلك الفوز ولسنا في وارد التدليل على هذه الحقيقة.. وبالتالي فإن ما طرأ على موقف مصر من حماس اليوم ما هو إلا محاولة لتدارك وتطويق قضية الحدود وفي هذه الحالة بعينها.. ولنا أن نتساءل لماذا لم تسمح مصر بفتح المعبر قبل تفجيره؟ ولماذا لا تزال تمنع المسافرين المرضى والطلاب والموظفين من الوصول للقاهرة والسفر عبر مطارها، وتصر على منع وصول السلع والمؤن إلى رفح وتمنع وصول القوافل الطبية والخيرية من الدول العربية إلى غزة؟ فلنا أن نتساءل ترى لو كانت “إسرائيل” تسمح بوجود قوات مصرية أكثر على الحدود، أو لو كان المندفعون إلى مصر ليسوا آلافاً كثيرة تصعب السيطرة عليها هل كانت ستسمح لهم بالعبور؟، وهل كانت ستتصرف بنفس الطريقة والأريحية وروح الخيرية؟ أما سلطة عباس فهي التي انسحبت من المعابر وكان ظنهم أن ذلك سيغلق شرايين القطاع ويتسبب في ثورة الناس ويعطي الانطباع بأن حماس «ولربما الإسلام ذاته» لا يأتيان إلا بالجوع والحصار، وكم شمتوا بجوع الناس وموتهم!! وفي الوقت الذي كان العدو يجتاح أطراف غزة ويقتل كل يوم رأى الناس كيف كان تلفزيون هؤلاء منشغلاً ببث المسلسلات الفكاهية والأغاني الهابطة وأفلام اللالون ولا طعم ولا رائحة!! وأما جامعة الدول العربية فلم تفعل ـ من قبل ـ أكثر من تسجيل موقف وصياغات لغوية للتاريخ بقيت حبراً على ورق بقدر ما ارتجى منها الشعب الفلسطيني الماء والخبز والدواء والنجدة ولم يجد من ذلك شيئاً ثم جاء موقفها الأخير بارداً بائساً يتجاهل كل الحقائق ويجتر ما أسماه اتفاقية المعابر وهي تفاهمات تعترف بالاحتلال وتقبل بسلطة رقابية له عليها.

في مقابل هذا التخلف المزري عن مقتضيات الواجب ووازع الضمير الديني والوطني للموقف الرسمي فإن الشعوب كانت في مكان آخر من هذه المقتضيات ومن أداء الواجب وكانت السابقة في نصرة إخوانهم الفلسطينيين والإحساس بخطورة ما يتعرضون له وقد رأينا كيف تفاعل الشارع العربي والمؤسسات السياسية والثقافية والخيرية من المحيط إلى الخليج مع هذه المعاناة.. العجيب هو أن الذين تخلفوا عن نصرة الشعب الفلسطيني هم الذين يحاولون اليوم ابتزازه وحشره في زاوية الاحتلال وإعادة قدرته على فرض الحصار وقتل الناس متى شاء وإلى الحد الذي يريد.. فجاءت سلطة رام الله تهرول عساها تتقاسم كعكة المعابر أو تستأثر بها إن استطاعت وهي التي تركتها وأفرغتها بدون مبرر ذات يوم.. «إن قيل إن سلطة رام الله لم تكن تستطيع إدارة المعابر وممارسة السلطة الرقابية والتفتيش عليها في ظل سيطرة حماس على غزة وهذا سبب انسحابها منها.. أقول فما الذي جد فحماس هي نفسها حماس وغزة لا تزال تحت سيطرتها والمعابر هي ذات المعابر، فلماذا تستطيع سلطة رام الله اليوم ما لم تستطعه قبل سبعة أشهر؟» إنها بالفعل مسابقة لسرقة الانجازات وأما “إسرائيل” فمن وراء كواليس السلطة توحي بل تفرض شروطها والعرب يطبلون لاتفاقية «أو لتفاهمات» تشغيل المعابر والكل يلمحون إلى عدم الاعتراف بالمستجدات.

أقول بغض النظر عن كل الاعتبارات التي تدفع البعض للقبول دائماً بالحد الأدنى وتضييع الانجازات أو سرقتها وبمعزل عن سوء نية هذا البعض أو عجزه فإن حقائق أساسية تجلت في التطورات الأخيرة منذ الحصار إلى فكه ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مع كل تحرك وفي أي اتجاه”:

أولها: أن الشعوب التي حيدت دائماً عن المواجهة تبين أنها تستطيع الكثير، وعليها يعول في تخطي عثرة وضعف الأمة ولكن دون التقليل من أهمية الأنظمة أو تجاوز مسؤولياتها، هذا يجب أن تفهمه وتتفهمه الأنظمة فالشعوب رافعة لحكوماتها بقدر ما أن الأنظمة يجب أن تكون غطاء لشعوبها.

ثانيها: أن التعويل على الغير أياً وأينما كان هذا الغير هو غير مجد وأن المراهنة على الضمير العالمي وقوة الرأي العام الدولي والأمم المتحدة والمجموعات الدولية وانتظار اللقاءات والمؤتمرات وما يمكن أن يتمخض عنها لصالح قضايانا ورعاية مصالحنا إنما هو تضييع للوقت وضرب من البلاهة والتفات عن الجدية ورهان في غير محله وقد صدق الذي قال «ما حك جلدك مثل ظفرك..».

ثالثها: أن أسلوب الاستعطاف لا ينفع مع الأخ القريب كما لا يجدي مع الصديق البعيد وبالتأكيد ولا مع العدو المجافي فالمجاملة لا مكان لها في نطاحات التاريخ وعليه فلا يطمعن أحد في تحقيق كسب كبير أو صغير عن طريق المجاملات كما لا يجوز أن تضيع الانجازات عن طريق الخجل السياسي وقد رأينا الذين يظنون أن التباسمات والتضاحكات مع العدو يمكن أن تحقق شيئاً كم صاروا في واقعهم غرباء وفي نظر شعوبهم سخفاء وكم باؤوا بالفشل والازدراء..

ورابع الحقائق: أن الذين تراجعوا عن مواقفهم السلبية تجاه حماس أو تجاه أهل غزة إنما فعلوا ذلك بسبب المستجدات وما فرضته المقاومة من معادلات ومستجدات جديدة وإذن فمن حق الحكومة «الشرعية» أن تصر على اتفاقية ثنائية مع مصر لا تدخل ولا فيتو للاحتلال عليها، فالاحتلال غير شرعي وهكذا يجب أن يكون وأن يبقى اعطاؤه أية شرعية على المعابر هو اعتراف به وتطوع بقبوله وهذا ما يجب أن يتنبه إليه كل المتعاطين مع هذه القضية وكنت أتمنى على الجامعة العربية أن تمعن النظر في هذا المعنى قبل أن تتورط في اعتماد تفاهمات السلطة مع الاحتلال فزاوية النظر وحدود الموقف السياسي مختلفة بينهما.

آخر القول: لا تستطيع “إسرائيل” ولا السلطة ولا مصر ولا أية جهة أن تفرض على الحدود الغزية مع مصر حلاً لا تقبله حماس «أقصد لا تقبله السلطة الشرعية» وأقصى ما يمكنهم فعله هو أن يتواجد على الجهة المصرية من الحدود المصريون والسلطة والعدو وهو ما يعني استمرار الحصار فالحدود لا تعمل من جهة واحدة كما هو معروف.. خاصة وأن الشعب الفلسطيني أثبت من قريب أنه على قدر عال من الوعي بقضية المعابر وعلاقتها بالاستقلال والكرامة وقد رفض المرور من المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال لأجل الحج ومات من مات وجاع من جاع في سبيل ذلك.. وإذن فما يراهنون عليه ضد حماس إنما هو فقط أن تستمر المشكلة وأن يبقى الحصار وهو ما لم يعد مقبولاً بعد اليوم ولا يمكن استمراره لو حصل لأكثر من الوقت الكافي لتجمع بضعة آلاف من المواطنين العزل مدججين بجرافتين لتفتح الحدود من جديد.. قد يحدث هذا مرة أخرى أو ثالثة حتى يقتنع خصوم حماس بمنطقها ويكون الحل الذي تتحدث عنه، ولا حاجة للعجلة إذا كانت النتائج كبيرة ومضمونة؟؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات