الإثنين 05/مايو/2025

إسرائيل وتهويد القدس الشرقية

إسرائيل وتهويد القدس الشرقية

صحيفة الخليج الإماراتية

كي يدخل فلسطينيّو الضفة الغربية القدس الشرقية، لا بد لهم من عبور نقاط التفتيش الداخليّة، إضافة إلى اصطدامهم بحاجزٍ قاسٍ لم يُبتدَع مثله من قبل، يضبط ويحدّ من تنقّلاتهم في الأراضي المحتلّة، إنّه الجدار الذي يقارب علوّه العشرة أمتار، والذي سيطوّق قريباً القسم الشرقي من المدينة تطويقاً كاملاً، ليحجب المشهد ويمنع بلوغ المنافذ التقليديّة.

وقد كلّفت وزارة الدفاع “الإسرائيلية”، لمدّة طويلة، الكولونيل داني تيرزا، الذي لقّبه الفلسطينيّون بـ”النكبة الثانية”، تخطيط ورسم وتشييد “الحاجز الأمني” (بحسب التعريف الصهيوني). فوعدَ القدس، في نهاية مشروعه الضخم، بإحدى عشرة نقطة تفتيش مماثلة لـ”مخارج المطارات”.

في العام 1947، خصّ مشروع تقسيم الأمم المتحدة هذه المدينة ب “وضعٍ دولي خاصّ” ما يزال، حتى العام 2007، هو الوضع النظاميّ الوحيد المتّفَق عليه دولياً. ولكن أفضت حرب 1948 إلى تقسيمها بين الأردن و”إسرائيل” التي أقامت عاصمتها في القسم الغربي من المدينة، قبل أن تستولي على القسم الشرقي وتضمّه في العام 1967. وفي العام 1980، أعلن القانون الأساسي “الإسرائيلي” “القدس الكاملة والموحّدة، عاصمة “إسرائيل” الأبديّة”. ولما كانت الحكومات “الإسرائيليّة” عاجزة عن ضمان “الأبديّة”، فقد استعاضت عنها بسياسة تحفظ الهيمنة اليهوديّة على المدينة وتمنع تقسيمها وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

القضيّة الرئيسية التي تؤرق الصهاينة هي الديموغرافيا. ولهذا عملت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على تهويد القدس من خلال فرض أكثريّة يهوديّة غالبة في المدينة. لكنّ عدد الفلسطينيّين ارتفع من 20% من السكان في العام 1967 إلى 35%، ويمكن أن يصبحوا أكثريّة في العام 2030. ونتج هذا المدّ عن تباينٍ في نسبة الولادات، ولكن أيضاً عن رحيل اليهود الهاربين من البطالة وأزمة السكن والمناخ المتعصّب الناجم عن ضغوط المتشدّدين اليهود.

“إسرائيل” تبذل قصارى جهدها لضم القدس، وكانت الأداة الأولى لهذا المجهود هي التوسيع غير الشرعيّ لحدود البلديّة. لا تتجاوز المدينة القديمة الكيلومتر المربّع الواحد؛ وحين كانت جزءاً من الأردن، كانت تبلغ ستّة كيلومترات مربّعة مع الأحياء العربيّة المحيطة بها. بيد أن “إسرائيل” ضمّت في العام 1967 حوالي 64 كلم مربّعاً من أراضي الضفة الغربية ومن بينها 28 قرية فبلغت 70 كلم مربّعاً. وسيسوِّر الجدار عند إتمامه مساحة تقدّر ب164 كلم مربّعاً من الجهة الشرقيّة.

وشكّل الاستيطان الوسيلة الثانية للاستراتيجية الصهيونية، فقد تكوّن الحزام الأوّل من سبع مستوطناتٍ كبرى: جيلو، أرمون هنزيف، تالبيوت الشرقية، فرينش هيل (التلّة الفرنسيّة) رامات أشكول، راموت، راموت شلومو، نافي يعقوب وهار حوما. وتكوّن الحزام الثاني من مستوطنتين: بيسغات زاف ومعال أدوميم. أمّا الحزام الثالث فقد أضاف تسع مستوطناتٍ: غيفون، أدام، كوشاف يعقوب، كفار أدوميم، كايدار، إفرات، بيتار إلّيت ومستعمرات غوش (مجموعة) إيتزيون. وتضمّ هذه المستوطنات في المحصّلة نصف ال 500 ألف مستوطنٍ المقيمين في الضفة الغربيّة. وليست المخططات الاستيطانية الصهيونية الجديدة الساعية لإضافة 300 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنة “هارحوما” المقامة على جبل أبو غنيم جنوب القدس المحتلة، سوى التجسيد المادي للنهج الاستيطاني التوسعي بوصفه سياسة عامة لدولة الاحتلال بغض النظر عن الهوية السياسية والأيديولوجية للجهات التي تحكمها.

الوسيلة الثالثة هي السيطرة الكاملة على الطرق بهدف تفكيك الحيّز الفلسطينيّ والحدّ من حركيّة الشعب وتعطيل فُرص التنمية. لم تكتفِ “إسرائيل” بالاستيلاء على المحاور الكبرى القائمة وتجديدها وتوسيعها، بل قامت بشقّ طرقاتٍ جديدة كي يصل المستوطنون إلى القدس بأقصى سرعةٍ ممكنة، وهذا أيضاً من أهداف “التراموي” في المستقبل.

ويكوّن كلّ ذلك شبكةً مُذهلةً من طرقٍ ذات أربعة مسارب، مُضاءة ليلاً، وقد قُطِعَت على طولها الأشجار، وهُدِمَت البيوت الموصوفة ب “الخطرة” وارتفعت جدران الحماية، باسم “الأمن” طبعاً. تربط “طرق الالتفاف” هذه بين المستوطنات ويُمنع تنقّل الفلسطينيّين عليها فيستخدمون شبكة مسالك ثانويّة ذات نوعيّة سيّئة، وصيانةٍ ضئيلة أو من دون صيانة، تقوم عليها حواجز تفتيشٍ عديدة، ثابتة أو متحرّكة.

أما الوسيلة الرابعة في التسلّل إلى المدينة القديمة و”الحوض المقدّس”، فتتم عبر عمليات استعادة المُمتلكات اليهودية القديمة، والمصادرة بموجب قانون الغائبين، والشراء عن طريق المتعاونين، بوتيرةٍ عالية. لقد استولى الاستيطان بأكثر أشكاله فظاظةً على القدس الشرقية، ورسم خطاً قطرياً حقيقياً للتطهير العرقي.

الأداة الخامسة للاستراتيجية الصهيونية، هي التهويد. ويُراوح هذا التهويد بين الطابع الاستعراضي مثل النصب التذكارية لأبطال الحروب الصهيونية وهذه المباني العامّة القائمة في شرق المدينة وبين ما هو أكثر حشمةً: الأرصفة والمصابيح، وإطلاق الأسماء اليهودية على الشوارع العربية بعد ضمّ القدس الشرقيّة عام 1967.

ويشمل التهويد أيضاً إعادة النظر في حرّية الوصول إلى الأماكن المقدّسة، بالرغم من كون هذه الحرّية تندرج في مبدأ مشترك في كلّ النصوص الدوليّة منذ معاهدة برلين (1885). لقد مرّت سنوات لم يدخل خلالها مسلمو ومسيحيّو الضفة الغربية إلى المسجد الأقصى أو إلى كنيسة القيامة. أمّا “المقيمون” في القدس فيمكنهم الصلاة في هذه الأماكن المقدّسة إذا كانوا بالغين الخامسة والأربعين من العمر؛ هذا من دون نسيان الإهانات التي يمارسها ما يقارب الأربعة آلاف جنديّ المنتشرين خلال الأعياد الكبيرة.

وكان بطاركة ورؤساء الكنائس المسيحيّة في القدس عبروا في 29 سبتمبر/ أيلول 2006، عن قلقهم بإعلانٍ يُعيد تأكيد الحاجة إلى “وضع خاصّ” يضمن “الحقّ الإنساني في حرّية العبادة للجميع، كأفرادٍ أو كمجتمعاتٍ دينيّة؛ والمساواة بين كلّ المواطنين أمام القوانين المُطابقة للقرارات الدوليّة؛ وحرّية بلوغ القدس للجميع، مواطنين، ومُقيمين أو حُجّاجاً”؛ وأصرّوا على “أن تظلّ الجماعات الدينيّة نفسها مُحتفظةً بحقوق الملكيّة والحراسة والعبادة التي اكتسبتها مختلف الكنائس عبر التاريخ”؛ كما يطالبون المجتمع الدوليّ بفرض الاحترام ل “وضع الأماكن المقدّسة الحالي”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...