لهذا لن نتفاءل بلقاء أنابولس

صحيفة الخليج الإماراتية
لست متفائلاً وأظن أن الكثيرين كذلك ليسوا متفائلين باحتمال نجاح لقاء أنابولس للسلام الذي دعت إليه الولايات المتحدة أواخر هذا الشهر رغم كل الجهود الدؤوبة التي بذلتها وتبذلها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وأركان وزارتها خلال الشهرين الأخيرين لضمان تحقيق حد أدنى من النجاح على الأقل لهذا اللقاء الذي ينعقد قبل عام واحد فقط من نهاية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي جورج بوش والذي يذكرنا بالجهود الاستثنائية التي بذلها سلفه بيل كلينتون في العام الأخير من ولايته لذات الغرض، حيث اكتفى بتكثيف لقاءات القمة برعايته المباشرة بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق إيهود باراك ولم تسفر عن شيء بل انتهت باندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000.
غياب التفاؤل بإمكانية نجاح لقاء أنابولس ليس نابعاً من التشاؤم لمجرد التشاؤم بل هو نابع مما نراه حالياً في ما يخص مجريات التحضير له فلا رؤية عربية موحدة يمكن التعويل عليها عدا مبادرة قمة بيروت التي هي في الأصل مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي لم يقبل بها “الإسرائيليون” حتى الآن كأساس للحوار رغم ترحيب الإدارة الأمريكية بها واستمرار تمسكها بخريطة الطريق التي أعلنها الرئيس بوش قبل سنوات عدة ولم يحرك لها ساكناً بشكل جاد حتى الآن حيث ظل مشغولاً بحربه المستمرة في العراق وحربه الدولية ضد الإرهاب، وفيما يجري التحضير لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب قبل اللقاء يحضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن للاستماع منه إلى آخر المشاورات التحضيرية مع الإدارة الأمريكية والاتفاق على رؤية واحدة يذهبون بها إلى اللقاء، فإن الحقيقة أن العرب سيذهبون لأنابولس وهم يعلمون أنهم سيعودون بخفي حنين وأن أقصى ما يمكن أن يخرجوا به من اللقاء هو التزام أمريكي بعدم تدهور الأوضاع في المنطقة عموماً وبالنسبة للفلسطينيين خصوصاً أكثر مما هي عليه حالياً.
غياب التفاؤل نابع أيضاً من حالة الانقسام الموجودة على الأراضي الفلسطينية والتي تبدو مستمرة بلا أفق لنهايتها، وهي في الحقيقة أي حالة الانقسام هذه أصبحت مفيدة جداً ل”إسرائيل” وهي لو كانت خططت لإنتاج حالة مماثلة لما حلمت بأفضل مما هو عليه الوضع الآن، فالتمزق الحاصل في الإرادة الفلسطينية وما ترتب عليه من تمزق في الإدارة والأرض والموقف السياسي سيظل عامل ضعف مستمراً للفلسطينيين سواء كانوا في حالة تفاوض أم كانوا في حالة مواجهة، وليس من خيار أفضل ل “إسرائيل” سوى توفير الأجواء والإمكانيات المناسبة لاستمراره كما هو عليه، إذ على أي أساس سيفاوض الرئيس أبو مازن في وقت لا سلطة له فيه على قطاع غزة؟ وهل يمكنه أن يفاوض على ما تحت يده فقط؟ لا شك في أن هذا أمر مستحيل حيث لا يمكنه استعادة السيطرة على القطاع إلا بالتفاهم مع حماس أو بالتدخل العسكري “الإسرائيلي” المباشر، وفيما الخيار الأول يبدو صعباً جداً في ظل المعادلات الإقليمية القائمة، فإن الخيار الثاني يبدو مستحيلاً في الظرف الحالي بالنسبة للسلطة الفلسطينية ومخاطره غير المحسوبة بالنسبة للحكومة “الإسرائيلية”. ولأن آفاق الحل تبدو ضئيلة في الوقت الحالي فإن الوفد الفلسطيني الذاهب إلى أنابولس سيكون في موقف صعب لا يحسد عليه خاصة أن مقتضيات الأمن “الإسرائيلي” وفق الرؤية الأمريكية تحديداً تتطلب من الجانب الفلسطيني أن يعمل على تفكيك المنظمات الفلسطينية الإرهابية بالمقياس الأمريكي “الإسرائيلي” كخطوة أولى لأي حلول، وبالطبع فإن حماس التي تمتلك أغلبية برلمانية إحدى هذه المنظمات المطلوب رأسها للولايات المتحدة و”إسرائيل” وهو أمر فوق طاقة وقدرة السلطة الفلسطينية فهل سيبقى أي مجال للتفاؤل بمؤتمر أنابولس؟
غياب التفاؤل يأتي كذلك إلى جانب ما سبق من أن الإدارة الأمريكية تبذل هذه الجهود في عامها الأخير في البيت الأبيض، وهو عام ستنشغل فيه الولايات المتحدة بانتخاباتها التمهيدية والحزبية وانتهاء بالرئاسية لكن الرئيس بوش لن يكون مشغولاً كما يفترض كونه يقضي ولايته الأخيرة لكنه سيكون معنياً بشكل أو بآخر بدعم مرشح حزبه للانتخابات وستكون المزايدات على أمن “إسرائيل” أحد مظاهر هذا الدعم ومن ثم يصبح من المستحيل إحداث أي ضغط على الحكومة “الإسرائيلية” بغرض تقديم تنازلات، وذلك في الأخير سيعني أن لقاء أنابولس لن يكون أكثر من عرض سياسي بقصد إبراء ذمة الرئيس بوش الذي التزم في أول عامين من عهده إقامة دولة فلسطينية ولم يفعل شيئاً من أجل إنجازه، وهو سيعقد هذا اللقاء ويرعاه ليقول إنه بذل ما يمكنه من جهود لتحقيق وعده لكن تعنت الفلسطينيين لم يمكنه من ذلك لأنه أي الرئيس بوش يعلم جيداً أن ما رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات التنازل عنه في آخر لقاء جمعه بكلينتون وباراك عام 2000 هو نفسه ما سيرفض الرئيس محمود عباس التنازل عنه في هذا اللقاء وبالذات في مسائل الحل النهائي كالقدس واللاجئين والحدود وغيرها من القضايا الحساسة التي لا يمكن لأي قائد فلسطيني أن يخاطر بالتنازل عنها أو طرحها للمساومة والتفاوض.
ونتساءل اليوم مجدداً هل يعقل أننا لم نعد نملك أية أوراق قوة نستخدمها في لقاء خطير كلقاء أنابولس؟ وهل سيكون من الصعب أن نتمسك بموقفنا العادل كأمة عربية تملك كل الحق في ما تطالب به حليفها الأهم الولايات المتحدة التي تبحث عمن يحفظ ماء وجهها في معركة العراق؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...