ولاء عرب.. 1948. هل من إرباك?

صحيفة البيان الإماراتية
من خطاب المفاوض الفلسطيني ومواقفه المعلنة، نفهم أنه متمسك باسترداد أراضيه المحتلة إلى خطوط الرابع من يونيو 1967.. وأن الاستثناء الأشهر على هذا «الثابت» يتعلق باحتمال القبول بمبدأ «تبادل محدود للأراضي» مع الجانب الإسرائيلي شريطة الالتزام بالتساوي من حيث المساحة والنوعية.
كان هذا المبدأ قد طرح بقوة خلال مفاوضات الوضع الفلسطيني النهائي في كل من كامب ديفيد وطابا، صيف وشتاء العام 2000 على التوالي. وقيل في معرض الترويج له من ذلك الحين إلى أيامنا هذه، إنه يمثل حلاً توفيقياً بين استعصام الفلسطينيين بتحرير ترابهم الوطني في حدود الضفة وغزة والقدس المحتلة 1967 وبين الرفض الإسرائيلي لإخلاء ما يدعى بالكتل الاستيطانية الكبيرة في هذه المناطق.
واللافت هنا أن المعنيين لا يشيرون عادة إلى المصلحة الأميركية في الاستعانة بالمبدأ ذاته، وهي أن تبادل الأراضي يسمح لواشنطن بتطبيق وعد إدارة الرئيس بوش الابن لعام 2004، الذي يقر ببعض حقائق الأمر الواقع المفروضة إسرائيلياً منذ 1967.. ويتيح لها في الوقت ذاته التخفف من العبء القانوني والأخلاقي لهذا التصرف، وذلك بزعم أن الفلسطينيين نالوا تعويضاً مرضياً عن الأراضي التي استولت عليها “إسرائيل” تحت الرعاية والقبول الأميركيين!..
الشائع أن تبادل الأراضي يخص ما نسبته 2 في المئة من جملة المساحة الفلسطينية المحتلة 1967 المغطاة بالمستوطنات ولا سيما في رحاب القدس وضواحيها. وسواء صحت هذه النسبة أم لا، واعتقادنا أنها أقل من الحقيقة، فإن التوافق على المبدأ ذاته لم ولن يمنع الخلاف على كيفية تطبيقه عملياً.
فلنلاحظ، مثلاً، كيف سخر الفلسطينيون من عرض “إسرائيل” بأن يستعيضوا عن أراضي المستوطنات وضواحيها، الخصبة والمستقرة على مصادر المياه الجوفية الغنية، بمنطقة حالوتسا الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء بجوار قطاع غزة.
لكن أين هذا العرض والرفض مما يتداوله بالخصوص الموصوفون بالتطرف اليميني العنصري في “إسرائيل”.. هؤلاء الذين يقترحون بكرة وعشياً مبادلة أراضي المستوطنات بإلحاق مدينة أم الفحم وبعض قرى المثلث الشمالي بمن عليها من فلسطينيي (عرب) 1948 بالدولة الفلسطينية.
فبمثل هذا المقترح يتعامل الإسرائيليون بمنطق شديد الانتهازية. إنهم يساومون على صفقة يحصلون بموجبها على أراضي المستوطنات بمواقعها المميزة وما في باطنها من موارد من ناحية، ويتخلصون من ناحية أخرى مما يعتبرونه عبئاً سكانياً وقومياً فلسطينياً يهدد نقاء دولتهم يهودياً.
من الواضح أن أصحاب هذا المقترح من ذوي القلوب الجافة، لا يأبهون بما تنطوي عليه فكرتهم من انتهاك لحرمة استقرار مجتمع إنساني قوامه أكثر من 250 ألفاً من فلسطينيي أم الفحم وضواحيها. وتتجلى فطنة هذا المجتمع إلى هكذا انتهاك في رسالة ممثليهم إلى المفاوضين الإسرائيليين (والفلسطينيين) يوم 24/10/2007 التي جاء فيها «لسنا سلعة للتفاوض على بيعها وشرائها».
يرفض بعض فلسطينيي 48 أن يكونوا موضوعاً للمساومة على تبادل الأراضي والسكان أو أن يلتحقوا بالدولة الفلسطينية. وهذا الرفض يشكل مثالاً آخر على صعوبة مرور هذه المبادلة علاوة على مثل حالوتسا المومأ إليه.
غير أن الرفض في هذا المثل الثاني يبدو للكثيرين ملتبساً وعصياً على الفهم.. بل وربما بدا مجافياً للمنطق. إذن كيف تستوي فكرة الرفض هنا مع قضية وحدة الشعب والوطن الفلسطينيين؟.
وما الذي يدعو قطاعاً من الشعب الفلسطيني إلى التمنع عن الالتحاق بدولة وطنية طال التحرق إليها وقد باتت في متناول اليد؟. لماذا يقبلون بالبقاء تحت سيادة دولة أدمنت قمعهم وممارسة العنصرية ضدهم بعد أن استوطنت أصلاً بلادهم واستحلت حرماتهم؟.
ما الذي يدفعهم للقول في رسالتهم المذكورة «نحن مواطنون في “إسرائيل” منذ 1949، وأنشأنا على مدار 60 عاماً علاقات اقتصادية اجتماعية وثقافية». ولماذا لم يشيروا إلى أنهم أنشأوا علاقات سياسية أيضاً، محشوة بالاضطهاد الذي يستدعي حلاً ربما تمثل في الدولة الفلسطينية العتيدة؟!. ألا يتعارض التصاقهم بمواطنية الدولة الإسرائيلية واحتجاجهم القائم راهناً على قضية الخدمة العسكرية التي يراد فرضها عليهم إجبارياً!
الواقع والتجارب يقولان أن ستين عاماً من هذه المواطنية لم تقطع ولا هي جبت الانتماء للأرومة الوطنية الفلسطينية العربية.. فهذا الانتماء أمر محسوم، تتجلى آياته في لحظات الصدام الكبرى بين “إسرائيل” وفلسطين على غرار الانتفاضتين الأولى والثانية اللتين شهدتا فعاليات لأبناء الجليل والمثلث والنقب لدعم منتفضي الضفة وغزة والقدس. كما أن رفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي يتأسس على رفض فلسطينيي 48 المشاركة في محاربة واحتلال إخوتهم علي جبهات الصراع في فلسطين وجوارها.
نقول ذلك لمن يثير الأسئلة المذكورة على سبيل التشكيك في ولاء هذه الشريحة الفلسطينية. أما الإجابة عن هذه الأسئلة التي ظاهرها محاولة الفهم وباطنها الإرجاف والتشكيك فتكمن في التفاصيل.
في منتصف سبتمبر الماضي نشر موقع عرب 48 على شبكة الإنترنت نتائج استطلاع، أيد فيه 21 في المئة من أبناء هذه الشريحة الانضمام للدولة الفلسطينية مع إخلائها من المستوطنات. والأهم أن 25 في المئة اشترطوا أن يأتي ضمهم لفلسطين بمقتضى قرار التقسيم لعام 1947. ولم يؤيد الضم بلا تحفظ وشروط سوى 6 في المئة فقط.
لعل هذه النتائج تفسر جزئياً قضية رفض فلسطينيي 48 للالتحاق بالمواطنية الفلسطينية العتيدة.. نقول جزئياً لأن 48 في المئة من المستطلعين أبوا كلياً خيار الالتحاق بفلسطين!.
التفسير الأعمق لهذه المسألة التي يظهر فيها نصف فلسطينيي 48 وكأنهم راغبون في استمرار تبعيتهم للمواطنية الإسرائيلية، يطرحه الناشط السياسي والمفكر عزمي بشارة. فهو يعتقد أن على “إسرائيل” وفلسطين الأخذ بحل لا يشمل تنازل هذه الشريحة عن هويتها الوطنية ولا يضر بحقوق مواطنيتهم الإسرائيلية.. قوامه الاختيار بين نقل منطقة الجليل والمثلث بأكملها إلى الدولة الفلسطينية بموجب حدود التقسيم وبين أن ألا ينقل أحد على الإطلاق. لماذا؟..
أولاً، لأن نقل قسم من العرب يبرر ل”إسرائيل” ضم القدس ومناطق أخرى من الضفة المحتلة، ويبقي قطاعاً من فلسطين 48 تحت طائلة المواطنية اللامتساوية الحقوق تحت السيطرة الإسرائيلية.
وثانياً، لأن علامات الاستفهام الإسرائيلية لن تفارق العرب المتبقين.
وثالثاً، لأن العرب سيبدون وكأنهم متمسكون ب”إسرائيل” لا بهويتهم الوطنية الأم.
ولأنهم، رابعاً، سيطالبون بإظهار ولاء أكبر ل”إسرائيل” وذلك تحت سيف التهديد بنقلهم إلى فلسطين!. وقبل ذلك كله، لأنه يتعين رفض الحلول التجزيئية لمصير فلسطينيى48.
نحن هنا إزاء تصور معقول ومفهوم ينفي منطق المرجفين بولاء شريحة فلسطينية، أثبتت صلابة على هويتها الوطنية التاريخية تحت ضغوط جبارة عز نظيرها. وعلى المفاوضين حول التبادلية مراعاة فروق الفهم لئلا يخطئوا في مقاربة توجهات الهوية والانتماء لدى هذه الشريحة.
كاتب وأكاديمي فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...