الإثنين 12/مايو/2025

ماذا تريد إسرائيل؟

ماذا تريد إسرائيل؟

صحيفة الخليج الإماراتية

سألني محاوري، هل تريد “إسرائيل” الأمن؟ أجبته بنعم، فالأمن ليس قاصراً على دولة دون الأخرى، فكل دولة يشكل أمنها القومي قيمة علياً. وسأل ثانية، وهل تريد السلام؟ وأجبته أيضاً بنعم. وقاطعني بدهشة واستغراب متسائلاً: كيف ذلك؟ وهل يمكن أن يجتمع السلام والأمن معاً؟ كيف ل “إسرائيل” أن تحقق الأمن وهي تجهض عملية السلام وتعمق فجوة ثقافة العنف والرفض، برفضها التعامل مع مبدأ الحقوق المتوازنة لتسوية الصراع العربي- “الإسرائيلي”. قلت لمحاوري حتى لا يسيء فهمي إن “إسرائيل” تعيش في هاجس الأمن الذي يسيطر على سلوكها وقراراتها السياسية منذ قيامها بفعل عوامل القوة التي نشأت في سياقها، وهي غير قادرة على التحرر منها. “إسرائيل” تريد الأمن بمفهومها وتريد السلام الذي يحقق هذا الأمن وتتناسى أن السلام عملية تراكمية وتبادلية، وحتى الأمن ذاته لا يمكن أن يتحقق لأي دولة مهما توافرت لديها عناصر القوة، فالأمن يعتمد على أمن الآخرين في كل أو منظومة أمنية متكاملة. والأمن المطلق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا امتلكت الدولة الكون وحدها لا ينازعها أو ينافسها فيه أحد وهذا مستحيل في عالمنا.

إذن معضلة السلام الحقيقية تكمن في معايير الأمن التي تضعها “إسرائيل” أمام أي عملية تفاوضية مع الجانب الفلسطيني. هذا السلوك هو ما عبرت عنه وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” تسيبي ليفني عندما أكدت أن الأولوية للأمن “الإسرائيلي” على ما دونه من قضايا تفاوضية بما فيها الدولة الفلسطينية، ولهذا دلالات سياسية خطيرة، أهمها ربط كل القضايا التفاوضية وخصوصاً اللاجئين بأمن “إسرائيل”، ما يعني تفريغ القضية من مضمونها السياسي طالما أنها تتعارض مع أمن “إسرائيل”، ومن ناحية أخرى ربط التقدم في المفاوضات بتخلي الفلسطينيين عن كل أشكال المقاومة، لأنها ستعتبر من منظور الأمن “الإسرائيلي” أعمالاً إرهابية ينبغي التخلص منها ونبذها، وهذا سينعكس على الدولة الفلسطينية التي ينبغي أن تكون منزوعة السلام بالكامل، بل ومنزوعة من عناصر القوة الأخرى، لأنها ستهدد أمن “إسرائيل”، ووفقاً لهذا المنظور قد تكون هناك دولة فلسطينية لكنها غير قادرة على النمو الذاتي ومن ثم يسهل وضع اليد عليها.

هذا المنطق الأمني غير مبرر من قبل “إسرائيل” لسبب بسيط وهو أن الدول العربية حتى النائية منها لا تفكر في الحرب وسيلة، بل إن الدول العربية وفي قمتي بيروت والرياض تبنت المبادرة العربية التي تعطي “إسرائيل” الأمن والعلاقات الكاملة والقبول بها كدولة من دول المنطقة مقابل انسحابها من الدول العربية وقيام الدولة الفلسطينية وتسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. أما اليوم وقد أعلنت الدول العربية بوضوح ومن دون تردد تخليها عن الحرب كخيار استراتيجي لحسم الصراع مع “إسرائيل” فلم يعد هناك مبرر للتمسك بهذا المنطق الأمني الذي يعني التوسع والضم وعدم الجدية للتعامل مع استحقاقات السلام الذي على “إسرائيل” الالتزام به.

ولعل ما يسقط مبررات هذه النظرية الأمنية أنه وعلى الرغم من تفوق “إسرائيل” عسكرياً وامتلاكها لقدرات نووية، وعلى الرغم من تعدد الحروب مع الدول العربية فإنها فشلت في تحقيق أمنها، لأن مفاتيح الأمن لا تكمن في مفاهيم القوة العسكرية، بل في الاعتراف المتبادل والتعايش الإقليمي مع دول المنطقة، ولكي يتحقق ذلك لا بد من القبول والاستعداد لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية وممارسة الفلسطينيين لحقهم في قيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

ولذلك على “إسرائيل” أن تراجع سياساتها الأمنية التي لن تجلب إلا المزيد من العنف. وهناك جانب آخر مهم في العلاقة الأمنية بالسلام، وهو أن قيام دولة فلسطينية مستقلة فيه مصلحة للجميع، لأنه سيعني تبدلاً في أسس العلاقة مع هذه الدولة، وستقوم العلاقات على أسس من المعاهدات والاتفاقات المتبادلة شأن أي دولة أخرى، وهذا قد يسهم ويعزز أمن الجميع. والحقيقة التي ينبغي على “إسرائيل” إدراكها وهي أنه وعلى الرغم من قيام دولة فلسطينية على أرض فلسطينية فستبقى الوحدة الجغرافية عاملاً مهماً في تحديد مستقبل العلاقات مستقبلاً. ومن ثم الخيار الذي لا بديل عنه هو حتمية التعامل مع الشعب الفلسطيني.

* أستاذ العلوم السياسية/ غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات